شيوخ العلمانية الجدد !!!

بقلم : أبو مروان محمد بالطيف

 

عرف العالم العربي والإسلامي منذ مطلع القرن الماضي عدداً من دعاة العلمانية ممن تأثر بالتجربة الغربية ومنهم أحمد لطفي السيد،  قاسم أمين، طه حسين، ميشيل عفلق، أنطون سعادة ، مصطفى كمال أتاتورك ،  د. فؤاد زكريا. د. فرج فودة.  وغيرهم وغيرهم .

 

اليوم ظهر لنا جيل جديد من دعاة العلمانية يعيشون بيننا ويحضون بكل حفاوة وتقدير واحترام وتبجيل . ليقوموا بنفس المهمة السابقة ويؤدوا نفس الرسالة والمضمون لكن بطريقة مختلفة تماماً. فالخطاب القديم أثبت عدم جدواه وعدم واقعيته.  لذلك جاء الدور الجديد مختلفاً وبرجال جدد مختلفون عمن سبقهم .

 

  هذا الصنف من أصناف العلمانيين هو الأخطر على الأطلاق فهو يتبرأ من العلمانية ظاهراً وينكرها قولاً بل ويتهم بها غيره، بينما لسان حاله ومقاله يدعوا لتطبيقها واقعاً وباسم الدين والتدين والخير والصلاح ويجعل ذلك من صميم تعاليم الدين الإسلامي الحنيف .!!!.

 

هذا الجيل العلماني الجديد لا يلبس بنطالاً ولا يضع ربطة عنق ، بل ينكر ذلك كله ويأنف منه . 

 

إنه يرتدي جلباباً أنيقاً وعمامة وقورة ولحية كثة.

 

لكنه ينكر عليك أن تشتغل بالسياسة!!!. 

 

فالسياسة - حد زعمه - نجاسة وخساسة وليست دليل مرؤة وخير وصلاح ، والانشغال بها يقسي القلب ويذهب الأجر ويضعف الإيمان بالله العلي القدير!!!.

 

يردد صباح مساء أعوذ بالله من الشيطان السياسة والسياسيين وينصح من حوله بأن يبتعدوا عنها وأن لا يتسخوا بقاذوراتها وأقذائها.

 

ثم يبتهل إلى الله متخشعاً أن يهدي فلاناً ابن فلان ويعيده إلى جادة الصواب بسبب أنه قد أنشغل مؤخراً بالسياسة بعد أن كان من أهل الذكر والدعوة إلى الله تعالى وكان من المشهود لهم بالخير والصلاح والعلم والفلاح .

 

يحث من حوله على الاهتمام بالعلم الشرعي وعدم الانشغال بالسياسة ومشاكلها فما جنت الأمة منها غير الويلات والنكبات والشرور والدبور !!!. "حد قوله ". وكأنه يرى بأن الابتعاد عنها خاصة للمتدينين والعقلاء والصالحين سينهي عنها الشرور والدبور !!!!!!!! .

 

( طرح علماني خطير جداً ومؤثر في مجتمع بسيط ويغلب عليه الجهل )

 

يدعي هذا العلماني الجديد بأن الأحزاب فرقت الأمة بينما هو لا يفتر يحذر المسلمين من الجلوس مع الشيخ الفلاني وينهاهم عن حضور خطبة الجمعة في المسجد العلاني رغم أن كليهما ينكران الحزبية أيضاً ويجرمان الخوض في الشئون السياسة وينتميان لنفس المدرسة ( العلمانية الجديدة ) !!!.

 

فماذا نسمى هذا إن لم يكن أقبح وجوه الحزبية وأرداها ؟!!.

 

ظهرت الدعوة للعلمانية في أوروبا مطلع القرن السابع عشر.  على يد جون لوك وسبينوزا وروسو ومنتسكيو ونيتشه وكارل ماركس وجوته وغيرهم.  وكان هدف هؤلاء الرجال رفض الظلم والظلام الذي عانت منه شعوبهم وبلدانهم طيلة قرون التسلط الكهنوتي فيما كان يعرف بقرون الظلام الأوربي أو ما كان يطلق عليه بالعصور الوسطى .

 

  لقد مثل أولئك العلمانيون بواكير نهضة شعوبهم التواقة للحرية والكرامة والإنسانية والعدالة والمساواة.

 

 لقد سعوا وبكل ما أوتوا من قوة وشجاعة وبسالة وتحدوا الصعاب وصادموا القوى الحاكمة وقدم بعضهم حياته أو صحته أو حريته ثمناً لتخليص أممهم من عصور الانحطاط والتخلف الذي فرضته عليهم عصابات الحكم الإقطاعي المتسلح بدعم الكنيسة ومن كانوا يعرفون انذاك برجال الدين الفاسدين .

 

 لقد جاءت علمانية أوروبا حينها لتحرير الشعوب من دين لم يعد يمت للعدالة السماوية بصلة، ولا للحق الإلهي بسبب ، ولا للإنسانية بفائدة. ولا للعلم بعلاقة.  بل أصبح سيفاً  وغلاً  وكابوساً يكبح ويعيق أي محاولة لتقدم تلك الأمم والشعوب وتحضرها ورقيها وازدهارها .

 

بينما علمانية قومنا اليوم تهدف إلى عكس ذلك تماماً، فمهمتها إبعاد الناس عن فهم ومعرفة أخص ما يخصهم من حقوق وواجبات.  وأعز ما يعنيهم. وهو كيف تدار بلادهم وبأي طريقة يتم التحكم بثرواتهم.  وكيف يتم التعامل مع كرامتهم وانسانيتهم .  وتفسير الدين تفسيراً يخدم الاستبداد ويكرس الظلم والاضطهاد ويبعد الناس عن فهم حقيقة الإسلام الذي جاء ليحقق العدل والمساواة والكرامة ويحفظ للإنسان كامل حقوقه ويبين له واجباته ويجعل عمارة الأرض وإقامة العدل فيها من صميم الدين بل من أخص خصائصه وأسمى غاياته التي بعث الله نبيه ليحققها ويقيمها بين الناس.  

 

 ومما يهدف دعاة ( العلمانية الجديدة) إليه هو تخدير الشعوب عن كل تلك القضايا الهامة والهائهم بصراعات بينية هامشية شكلية.  من بيت إلى بيت ، ومن مسجد إلى مسجد، ومن كتاب إلى كتاب ، ومن خطبة إلى خطبة، ومن شيخ إلى شيخ ، ومن زاوية إلى زاوية. 

 

هدف علمانيونا الجدد هو غل يد الشعوب أكثر ومنعها من أي تحرك نحو المطالبة بالكرامة والإنسانية والحقوق والعدالة والمساواة . خدمة للحاكم المستبد وبعيداً عن الدين الإسلامي وفهم مقاصده وخدمة أهدافه. 

 

في الحقيقة أن علمنيونا الجدد أخطر ممن سبقهم بكثير .  فهم التسويق الديني للظلم والطغيان والوجه الآخر للباطل والاستبداد السياسي.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص