خماسية المواجهة ...

قدمت سورة الأنفال خماسية دقيقة تضمن حسم لقاءات المواجهة عند نقاط التماس، وتمنح المؤمنين قوة إضافية تمكنهم من قيادة مضمار المواجهة وسرعة إنهاء القتال. إنها أسلحة لا تقل أهمية عن الآلة العسكرية، بل إنها تمثل قاعدة السلاح اليدوي ومحورية ارتكازه.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا لَقيتُم فِئَةً فَاثبُتوا وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحونَ • وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ﴾* [الأنفال: ٤٥-٤٦]
إن هذه الخماسية مقومات قتالية سميكة، ومنجم من الحكمة الثمين يكتسب من قوائم المعارك التاريخية العابرة كوكب الأرض، المسجل أبرز نقاط الحسم في الصراع البشري، يقدمها القرآن الكريم رصيدا قتاليا موجزا، وحزمة من الوصايا الثمينة المجربة يوصي بها الجند عند احتدام المعارك ونشوب ساحاتها، ويجعلها مقومات فارقة تحدد سلفا من يحسم نتيجة المواجهة.
الأولى: الثبات: يمثل الثبات أرضية صلبة يضع المقاتل عليها أقدامه، ويتجلى فيها إقدامه، فإن الشكوك والتردد والاضطراب والهواجس، أسلحة معنوية قاتلة يسوقها العدو في صفوف المعركة يزلزل من خلالها متانة الصفوف، ويخترق صلب حماسها، والثبات تماسك معنوي يتحول إلى سلسلة اجراءات فعلية تحيل الجيش جدارا فولاذيا صلبا يمنع العدو من التقدم، ويصيبه باليأس أمام هذا الحاجز البشري المتين المرصوص.
الثانية: ذكر الله: الذي يمثل إمدادا معنويا يغذي الجسم بالطاقة، ويمنح الذهن صفاء يساعده على توجيه ضرباته القاضية. إن ذكر الله يمنح قلب المقاتل إمكانا لا مثيل له، ويشربه قدرة قتالية جبارة قلما يمتلكها شخص يسير على خطوط النار، إنه شحنة هائلة ترفع مستويات الطاقة إلى أعلى معدلاتها على جسم بشري دون أن تصيبه بصعق أو اهتزاز.
الثالثة: الطاعة: الانضباط المثالي بالمرجعيات العليا الحاكمة لقضايا السلم والحرب وتصرفاتها وضبط سلوكيات المقاتلين، والالتزام الصارم بتطبيق القيم والمبادئ الإسلامية التي تمثل خلاصات نصوص الشرع، وأخذ التوجيهات القيادية بامتثال صارم.
الرابعة: تحييد النزاع: فالإغراق في التفاصيل والدخول في أتون صراع فكري ثقافي إعلامي مجتمعي لا علاقة له بالهدف الرئيس من العركة، استهلاك حاد للطاقات، وتبديد لذهن القيادة في ملفات جانبية، والانشغال بتسوية نزاعات على الهامش ما هو إلا إغراق في الفشل وتفتيت للقوى وهدر كبير للطاقات.
الخامسة: الصبر: المزيد من استفراغ الجهد والعزم وتفتيت العقبات، وتجاوز الازعاجات التي تصرف النفس عن الهدف الرئيس المتمثل في إلحاق الهزيمة بالعدو. إن الصبر هنا يمثل قمة الهدوء والتحمل أمام تلك الأصوات الداخلية المزعجة التي تصرخ مشجعة على الانصراف وترك المواقع فارغة. الصبر على تلك المثبطات والوساوس القهرية والبيئة النشطة في تسويق الهزائم المعنوية، وممارسات الإرجاف.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص