*الزي التقليدي الحضرمي .. تراث شعبي يجمع بين الأصالة والتنوع..


● في البدء :

عندما نذكر الأزياء الحضرمية فأول ما يتبادر إلى الذهن ذلك المزيج المتنوع من الألوان والأشكال لذلك اللباس الغني بالكثير من أوجه الموروث الشعبي اليمني الذي تزخر به بلادنا عامة وحضرموت على جهة الخصوص.

وعلى الرغم من صعوبة الموضوع وتشعبه وصعوبة الإحاطة به إلا أننا أحببنا أن نقدّم للقارئ الكريم شيئاً بسيطاً ومحطات متنوعة ولمحات مقتضبة عن تراثنا العظيم في لباسنا وعاداتنا وتقاليدنا الموغلة في القدم ..

فإلى حصيلة هذا التقرير الجميل المليء بألوان الحياة ونبضها ..

● الأزياء الشعبية بين الماضي والحاضر :

مع تغير إيقاعات الزمن وسيادة مفاهيم التغيُّر والتحوّل على الكثير من مناحي حياتنا، فقد بقيت طرز الأزياء التقليدية الشعبية الحضرمية مستخدمة في كثير من مناطق حضرموت،

وفي ذات الحين غابت الكثير منها في خضمّ ظهور الموضات والتقليعات وانفتاح الناس على العالم من خلال نوافذ عديدة أهمها الإعلام وتأثيراته، وغزو البضائع التجارية الأجنبية للكثير من أسواقنا حتى تركت أثرها البيّن في تتبّع الشعوب لما هو جديد مستحدث،

وبالمجمل فالتغيير الممنهج لعادات وتقاليد المجتمع الحضرمي خاصة والمجتمعات اليمنية على جهة العموم كان له الأثر البارز في غياب الكثير من الأزياء التراثية الحضرمية بل واندثار البعض منها في أحيان كثيرة.

● ملابس حضرموت التقليدية :

تمثل حضرموت حضارة عريقة قائمة بذاتها، احتفظت بمكانتها وغناها الزاخر منذ آلاف السنين، ومن بين ذلك ما احتفظت به من عراقة في أزيائها وملابسها التقليدية التي انتشرت وتنوّعت بتنوّع مدنها وقراها وحواضرها وبواديها وطبيعتها الجغرافية،

وقد امتلكت حضرموت العديد من الأزياء التقليدية التي وصلت في بعض المصادر التي اهتمّت بذكرها إلى ( 10 ) عشرة أزياء تضم مختلف مناطقها ومدنها العريقة، في حين تفيد الدراسات التي تتحدث عن لباس المرأة اليمنية قديماً بأن عددها يصل إلى ما يقارب الـ ( 300 ) زي يمثل هوية المرأة اليمنية، وقد اندثر أغلبها.

● أزياء الرجال والنساء :

اللباس التقليدي الحضرمي بمظاهره العديدة لم يقتصر على فئة واحدة من الجنسين ذكوراً أو إناثاً بل شمل كليهما من الجنسين، وإن بدا الاهتمام الأكثر بأزياء المرأة كونها متنوعة وزاخرة،

ومما تميزت به النساء العربيات عموماً منذ القدم اهتمامهن بالملبس والتزيّن، واقتصار مهمة الرجال أو بالأصح تركّزها على عملية جلب المعاش والقتال والحماية، كما قال الشاعر مجسداً هذا المعنى : ( كُتب القتلُ والقتال علينا ×× وعلى الغانيات جرّ الذيول )، ولعلّ هذا ( الذيل ) المذكور في البيت هو مما تميز به لباس المرأة قديماً.

● أجدادنا وجداتنا الأوائل :

حرص أجدادنا القدماء على الاهتمام بلباسهم التقليدي على الرغم مما كانوا فيه من فقر وفاقة، فكانت المرأة في ذلك الزمن الجميل ترتدي الملابس الموشّاة بألوان جميلة وزاهية، ألوان تضجّ بالحيوية والحياة،

ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن المرأة كانت تحرص في ذلك الوقت على أن تبدو في أجمل حلّة ومظهر.

وقد كانت تحرص أشدّ الحرص على الستر والعفاف وعلى ألا تبدو مفاتنها للآخرين بشكل صارخ، بل كانت متوازنة في تصميمها وشكلها، في حين تدل دلالة واضحة على عشق المرأة الحضرمية للحياة، وكذا المرأة اليمنية عامة،

وللتدليل على حرص واهتمام المرأة وقتئذٍ على قيم الستر والعفاف، فإننا نجد أن المرأة العدنية ـ على سبيل المثال ـ كانت ترتدي نوعاً من اللباس يسمى ( الشيدر ) ومن تحته ( الدرع والفوطة )،

أما المرأة الصنعانية فكانت ترتدي ( الستارة ) الزاخرة بالألوان، بينما نساء تعز وتحديداً منطقة ( صبر ) فكنّ يرتدين ( القميص ) الصبري السابغ والساتر والمطرز بشكل جميل، متوشحات للورد والريحان الذي يتم وضعه على على جانبي الراس من الأمام،

وفي إب نجد أن المرأة الإبيّة ترتدي ( الفوطة والقميص ) الذي كان يتميز بالأكمام الطويلة والفضفاضة.

● ملا بسنا التقليدية .. أنماط وفنون :

تميّزت المرأة الحضرمية القديمة بارتداء الثوب الموشّى بألوان تبعث الفرح والسعادة، ويتوسط خصرها حزام من الفضّة في الغالب الأعمّ، كما يتميز ثوبها بالطول من الخلف وشيء من القِصَر في الأمام،

وعلى هذا المنوال يمكننا قياس جميع أزياء وملابس المحافظات والمناطق الأخرى بمختلف عاداتها ولهجاتها، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الاختلاف والتنوع يبرز ليس على مستوى المحافظات فحسب، بل على مستوى المناطق وحتى القرى، مما يميز النساء بحسب ما يرتدينه بحيث يستطيع الشخص معرفة من أي مكان هي.

● الدرع ( أبو ذيل ) .. زي تقليدي شهير :

وهو أحد أشهر الأزياء التقليدية التي كانت المرأة الحضرمية ترتديها في الحفلات والمناسبات كالزواج والخطوبة والحناء وغيرها من المناسبات، ويتميز هذا الثوب بزخارف نباتية مستلهمة من أشكال أوراق أشجار النخيل التي تنتشر في وديان حضرموت،

كما يزينه شريط مطرّز من خيوط القطن حول الرقبة، كما ترتدي معه المرأة عصبة حضرمية من الفضة المطعّمة بالعقيق أو الفضة المزينة بعملات معدنية تتدلى على الجبهة تزيّن الرأس، وترتدي أيضاً حزام الفضة حول الخصر وقد تضع المرأة غطاء الرأس من نفس اللون.

ويتميز ذلك الزي بذيل من الخلف وقدمة من الأمام، والقدمة غالباً ما تكون قصيرة نوعاً ما حتى لا تتعثر المرأة في مشيتها، ويحرص تصميم هذا الزي الحضرمي على ظهور المرأة بصورة محتشمة، فلا يتعمّد الإثارة في إظهار تفاصيل أو تقاطيع جسم المرأة،

لهذا نرى المرأة الحضرمية تحرص في تصميم ثوبها أن يكون واسعاً فضفاضاً وطويلاً من الخلف على هيئة الذيل.

● السواد .. لون الهيبة والحشمة :

في الغالب تختار المرأة الحضرمية اللون الأسود في تصميم الثوب الخاص بها خاصة ما كان مختصاً بالعمل خارج البيت، فمن خاصية اللون الأسود أنه يساعد على امتصاص الحرارة، كما أن تصميم الثوب باللون الأسود يغني المرأة عن لبس ما يُعرف بـ ( العباءة )،

لذا لا زلن نساء البادية في حضرموت ونساء أغلب الأودية يتمسكن بالثوب التقليدي الحضرمي بصرف النظر عن ظهور الفساتين بتشكيلاتها المختلفة.

والمتتبع لتاريخ هذا الزي يجد أنه ذُكر باسم منطقة ( غيل باوزير ) ومنطقة ( عمد ) بحضرموت كما ورد في كتاب ( الكنوز الفضية من أرض سبأ ) للدكتورة مارجوري رانسم التي زارت اليمن أواخر القرن العشرين ووثقت الحُلي والعديد من الأزياء التقليدية.


● الزي الرجالي الحضرمي .. بساطة وجمال :

تتميز الملابس التقليدية الشعبية للرجل في حضرموت بأصالتها وبساطتها من حيث التكوين، كما تتصف بجمالها وحُسن منظرها، وهي عبارة عن منسوجات يدوية محلية،

حيث تتكون من ( القميص ) المسمى باللهجة الحضرمية ( الشميز )، وعلى الفوطة الرجالية أو ( الإزار ) أو ( الصارون ) ويكون مخيطاً دائرياً وهي التي تمّ استقدامها عبر التجار الحضارم من شرق آسيا ويلاحظ أنها تُلبس في بعض الدول الأفريقية،

أما ( السباعية ) وهي لباس الرجل الأكثر شهرة وانتشاراً ويحظى بشعبية كبيرة وهي نسيج محلي مزخرف بنقوش ولا يكون مخيطاً دائرياً، وتلفّ جميعها على الخصر، وتنسدل إلى الأسفل وتتسم بتناغم ألوان خيوطه، واستطاع هذا الزي أن يعاصر الموضة مع احتفاظه بطابعه الجمالي.

وتوضع على الرأس العمامة أو ( الكوفية ) ومنها الكوفية السواحلية أو الزنجبارية وهي أفخمها وتكون غالية الثمن، وهي شبيهة بكوافي أهل عمان، وهذه الأخيرة يحرص على ارتدائها كبار السن.

كما ارتبطت بالرجل الحضرمي عدّة ألبسة نذكر منها، ( الشال الكشميري ) وهو الرداء الذي يتلفع به الرجل في الشتاء من البرد، و( الرمانة ) وهو رداء أحمر بلون الرمّان يعتمّون به خاصة في رقصاتهم الشعبية كالعدّة والشبواني،

ومنها ( الكارة ) وهو نسيج أبيض رخيص الثمن يأتزرون به ويناسب الفقراء والمساكين لقلة دخلهم وصعوبة ظروفهم المعيشية آنذاك، أما ( الشيدر ) وجمعه ( شيادر ) فهو رداء حضرمي، ومن أشهرها الشيدر ( الموشحي ) وسمي بذلك لأن أشهر مصانعه في منطقة ( موشح ) بوادي بن علي،

أما ( العقال ) فقد كان يُلبس من قبل بدو حضرموت ثم ما لبث أن انقرض، ومنها ( الحقا ) وهو خيط من الجلد يربط حول البطن من موضع السرة ليمسك الإزار من السقوط، وربما تبعه ( المسبت ) وهو كذلك حزام من الجلد يوضع فيه الرصاص، ومثله ( الكمر ) وهوم ما كان مخصصاً لحفظ النقود.

● الجنبية الحضرمية .. سلاح تقليدي شامخ :

تُعدُّ الجنبية ( الخنجر ) الحضرمية من موروثات الزي الحضرمي القديم والتي لا تزال متجذرة في أوساط المجتمع الحضرمي، وتعتبر الجنبية الحضرمية من أعتق الجنابي وأكثرها عراقة، وإلى الوقت الحاضر لا يزال الحضارم متمسكين بالحفاظ على الجنبية الحضرمية، حيث تُستخدم اليوم كزينة ورمز من رموز الموروث الشعبي الحضرمي الأصيل.

● *في الختام :*

وفي الختام فإن ألبستنا التقليدية وأزياؤنا التراثية الحضرمية هي قطع فنية جامعة لهويتنا الحضرمية، توارثها أسلافنا جيلاً بعد جيل ونُقل إلى الأبناء والأحفاد،

وهي ما نتباهى به اليوم حيث هي تجمع حضرموت من أدناها إلى أقصاها، وتكون بمثابة حلقة وصل بين مناطقها وقبائلها وتشجع عى الاحترام المتبادل بين فئاتها،

كما يمكن للجميع أن يبادلني نفس الشعور أن ملابسنا وأزياءنا التراثية الحضرمية بشكل عام تمنحنا الشعور بالطمانينة والسكينة وتعطي النفس نوعاً من التآلف والتآزر والانسجام والشعور بالسلام ما إن نرى ألوانها المزخرفة،

لذا فالأزياء التراثية الشعبية ستظل أحد أهم أركان الثقافة الحضرمية المتجذرة التي حافظ عليها الحضارم ولم تستطع الحداثة القضاء عليها.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص