لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (تسجيل صوتي)

عباد الله :

يقول ربُّ العزة :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ آية كالبلسم للفكر المنهك ، والقلب المتعب ! مهما كان الظرف عصيبا ، مهما فاتك ! مهما حدث ، مهما كان الخَطْب ، ثق بالله الكريم ، ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾

يا ترى كم هي الأقدار التي تألمنا لها وقت نزولها وجرت لها دموعنا ورُفعت في طلبها أيدينا, ولكن يا ترى هل كان لدينا نور هذه الآية :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾      

حينما نحزن لموت قريب أو مرض حبيب أو فوات نعمة أو نزول نقمة , قد ننسى أو نجهل أنه قد يكون وراء تلك الأزمة " منحة ربانية وعطية إلهية ".لذا أحببت أن تكون لنا جولة في ظلال هذه الآية :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾

- وتلك الأخت التي نزلت بها مصيبة الطلاق وأصابها الخوف من المستقبل وما فيه من آلام , نقول لها :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ لعل بعد الفراق سعادة وهناء , لعل بعد الزوج زوج أصلح منه وأحسن منه , ولعل الأيام القادمة تحمل في طياتها أفراح وآمال .

- ذلك الزوج الذي عانى من زوجته , وصبر عليها , ولكنها لم تبال بحقوقه , وطالما نست أو تناست حسناته , حتى كان الطلاق هو الخيار له , نهمس له ونقول :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ نعم فلعل الله يمنحك زوجة أخرى تحسن التعامل معك , وتساعدك على تحقيق أهدافك وتجعلك تشعر بأنك رجل لك مكانتك واحترامك .

- تلك الأم التي فقدت بر أبنائها , وتألمت لعقوقهم , نقول لها :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ فلعل الله أن يهديهم ويشرح صدورهم ويأتي بهم لكي يكونوا لك بررة وخداما , فافتحي يا أمنا باب الأمل وحسن الظن بالرب الرحيم الرؤوف الودود .

- و هناك خلف القضبان في غياهب السجون يرقد علماء ودعاة وأحباب وأولياء, والقلب يحزن والعين تدمع لحالهم , ولكن ومع ذلك نقول :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [ الطلاق: 1 ] ، فلعل الله أن يمنحهم في خلوتهم " حلاوة الأنس به ولذة الانقطاع إليه " ولعل ما وجدوا خيرا مما فقدوا , وهذا ابن تيمية الذي نزل السجون يصرح بأنه وجد فيها من الأنس ما لو كان لديه ملء مكانه ذهباً لما وفى حق من تسببوا له بذلك .

- في المستشفيات مرضى طال بهم المقام , وأحاطت بهم وبأقاربهم الأحزان , فلكل واحد منهم نقول :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ فلعل الصبر رفع الدرجات في جنان الخلد , ولعل الرضا أوجب لك محبة الرحمن , ولعل الشفاء قد قرب وقته وحان موعده .

- في ذلك المنزل أسرة تعاني من مشاكل الديون وتكالب الأزمات المالية, فرسالتي لراعي تلك الأسرة :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾  فعليك بالصبر والدعاء وملازمة التقوى , فلعل الفرج قريب وما يدريك ماذا تحمل الأيام القادمة من أرزاق من الرزاق سبحانه وتعالى .

أيها المؤمنون عباد الله :

 ان في مجتمعاتنا اليوم فتنٌ وابتلاءات ، أحداثٌ وتداعيات ، صراعٌ وجولات ، نغرق في قراءة الأحداث ، وتشغلنا التحليلات ، وننسى هذه الآية الكريمة : :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾.

 

لا يقلق من كان له أب فكيف بمن كان له رب . ويبقى الأمل مادامت الحياة  ، فسوف يبدل الحال .. وتهدأ النفس .. وينشرح الصدر .. ويسهل الأمر .. وتحل العقد وتنفرج الأزمة :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾

﴿ فعسى الله أن يأتي بالفتح﴾ فيفتح الأقفال .. ويكشف الكروب الثقال .. ويزيل الليالي الطوال .. ويشرح البال .. ويصلح الحال (لا تغضب .. ولا تنزعج .. ولا تتشاءم)فكل لحظة ألم  ، وكل أزمة لابد أن تنفرج بتوفيق الله ..وكل خسارة لابد أن تعوض إذا توكلت على الله ..فالدنيا حافلة بالأمل والألم ..وبالمكسب والخسارة ..وبالفرح والغضب ..ليس هناك سعادة دائمة .. وليس هناك شقاء مستمر ..

ونصوص القرآن تضمنت ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾  و ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾  .

فالله الله في تربية النفس على الرضا بالأقدار , والنظر للحياة من زاوية الأمل , والاعتقاد بأن الأيام القادمة تحمل معها ألواناً من السعادة والفرح والبهجة والأرزاق .﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾

 

الخطبة الثانية :

أيها الأخوة الكرام الأعزاء :

يقول الحق تبارك وتعالى :﴿ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾) ، فإن فرجه قريب, ولطفه عاجل, وتيسيره حاصل, وكرمه واسع, وفضله عام. ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ يشافي ويعافي ويجتبي ويختار, ويحفظ ويتولى, ويستر ويغفر, ويحلم ويتكرم.

﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً ﴾ ، يحفظ الغائب, يرد الغريب, يهدي الضال, يعافي المبتلى, يشفي المريض, يكشف الكرب.

﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا) فوضوا الأمر إليه, وأعيدوا الشأن إليه, واشكوا الحال عليه, ارضوا بكفايته, اطمئنوا لرعايته ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ﴾

﴿ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾  فيذهب غماً ويطرد هماً ويزيل حزناً ويسهل أمراً ويقرب بعيداً.

﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ يكشف كرباً ويغفر ذنباً ويعطي رزقاً ويشفي مريضاً ويعافي مبتلى ويفك مأسوراً ويجبر كسيراً.

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا﴾  مع الفقر غنى, وبعد المرض عافية, وبعد الحزن سرور, وبعد الضيق سعة, وبعد الحبس انطلاق, وبعد الجوع شبع.

﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا﴾ سيحل القيد, وينقطع الحبل, ويفتح الباب, وينزل الغيث, ويصل الغائب, وتصلح الأحوال

﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) فسوف يبدل الحال, وتهدأ النفس, وينشرح الصدر, ويسهل الأمر, وتحل العقد, وتنفرج الأزمة.

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ ليصلح حالك, ويشرح بالك, ويحفظ مالك, ويرعى عيالك, ويكرم مآلك, ويحقق آمالك.

﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ يكشف عنا الكروب, ويزيل عنا الخطوب, يغفر لنا الذنوب, يصلح لنا القلوب, يذهب عنا العيوب.

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ هديناك واجتبيناك, وحفظناك ومكناك, ونصرناك وأكرمناك, ومن كل بلاء حسن أبليناك.

﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينالك عدو, ولا يصل إليك طاغية, ولا يغلبك حاسد, ولا يعلو عليك حاقد, ولا يجتاحك جبار.

﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ خلقك ورزقك, علمك وفهمك, هداك وسددك, أرشدك وأدبك, نصرك وحفظك, تولاك ورعاك.

﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ أعطى الخلق والرزق, والسمع والبصر, والهداية والعافية, والماء والهواء, والغذاء والدواء, والمسكن والكساء .

فلا شيء يُريح القلبَ المتعب أكثرَ من سماع قول الله تعالى:﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾

اللهم أبدل عسرنا يسراً ، وفرج عنا كل ما ضاقت به صدورنا .

 

رابط خطبة الجمعة بمسجد عمر حيمد بسيئون – حي القرن (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) للأستاذ : سالم عبود خندور  

   8/جماد الأولى/1436هـ   الموافق27/2/2015م

http://cdn.top4top.net/d_f6e90a4a661.mp3    

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص