الذكرى الـ ( 53 ) لرحيل مجدد الأغنية الحضرمية الفنان ( محمد جمعة خان )

حضرموت اليوم / رشيد باصديق :

– بعد أيام قليلة ستحل علينا الذكرى الثالثة والخمسون لرحيل الفنان الخالد المرحوم (محمد جمعة عبدالرزاق خان) مجدد الأغنية الحضرمية, حيث أبت مؤسسة حضرموت للتراث والتاريخ والثقافة بالمكلا أن تمر ذكرى رحيله دون الإحتفاء بها ولو بالإمكانيات المتواضعة للمؤسسة وبجهود ذاتية للأستاذ خالد سعيد مدرك رئيس المؤسسة حيث ستنضم فعاليات متنوعة ابتداءاً من (25) ديسمبر حتى تاريخ (30) من نهاية هذا الشهر، بحسب البرنامج المخصص لذلك بالتنسيق مع إذاعة المكلا.. – ومعروف لدى الجميع بأن رحيل الفنان الكبير محمد جمعة في يوم 25 من ديسمبر/ كانون الأول من العام 1963م في مدينة المكلا، بعد حياة حافلة بالعطاء والإبداع أدخل للأغنية الحضرمية أيقاعات وألحان ساهمت في تطويرها وتألقها ومعانقتها للفن الخليجي وراقت كل الأذواق العربية آنذاك ناهيك عن إنسجامها مع فنون وترنيمات الأذواق المهجرية.. أما ولادته فكانت في عام 1903م في قرية قرن ماجد بوادي دوعن بمحافظة حضرموت، ومصادر أخرى ذكرت ولادته بمدينة المكلا. – وبرحيله فقدت الأغنية الحضرمية والساحة الفنية (فارسها الأول) الذي ظل متربعاً طيلة عقود على عرش الغناء الحضرمي الأصيل ومنافساً لكبار الفنانين العرب والخليجيين.. وفي أجواء نهاية السنة ستحل ذكرى وفاته، ولم يخالجنا يوماً الشك بأن الرجل القامة السامقة الذي أجاد الغناء بفروعه وبحوره الشرقية والعربية لم يغادرنا إلا جسداً فقط ومازال خالداً في قلوب عشاق فنه ومحبيه.. ترك لنا إرثاً فنياً وكماً زاخراً نتاج مسيرة حياته الناجحة.. وعلى المجال الشعبي هناك مواقف إنسانية أدخلته قلوب الناس بسلاسه وتوفيق.. وتبقى للمواقف الإنسانية ذكريات يتوارثها الأجيال تلو الأجيال.. وفي عجالتنا هذه خاطرة ورثناه من والدي رحمة الله عليه. – لم يكن (محمد جمعة خان) فناناً أصيلاً بفنه وقدراته وإمكانياته الإبداعية الموهب بها من الله تعالى جعله في قلوب الجميع فحسب بل أن هناك مواقف إنسانية لها ذكريات عالقة في الأذهان من نسائم تلك الأيام الجميلة لا ندري هل هناك من بقي يتناقلها ويتلاقها كموروث عن روعة الإنسان الحضرمي حتى حينما ينال الشهرة ويحوز المجد أطرافه.. والفنان من أسرة عريقة في الفن والغناء والموسيقى حيث شغل شقيقه المعروف الفنان/ عبد القادر جمعة خان/ وظيفة قائد الفرقة الموسيقية السلطانية النحاسية التابعة للسلطنة القعيطية بحضرموت حتى تقاعد منها عام 1969م بعد استقلال اليمن الجنوبي وهو أيضاً من وضع موسيقى السلام الوطني لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (سابقا).. – دائماً ما يحدثني والدي عن الفنان الأصيل الذي أتحف الساحة الحضرمية بفنه الرائع والمتميز وعلقت بخاطري تلك التي رواها لي في سن الطفولة.. عن موقف إنساني حصل مع الفنان (أبوعلي رحمة الله عليه) حيث كان لزواج شاب من أبناء المكلا في ذلك العصر والزمان ومع أوج مجده وعطائه الفني .. طلبوا من الفنان (محمد جمعة) بأن يحيي سهرة زواج (شاب فقير) عجز عن تحمل تكاليف (فرقة محمد جمعة الموسيقية الباهضة) حيث كانت أغلى الأجور تتقاضاها (الفرقة الموسيقية للفنان محمد جمعة) لمكانة الفرقة والفنان الأول في حضرموت والوطن, فبادر بالموافقة بأن يتنازل عن أجرته ولكن تكاليف الفرقة والمصاريف الأخرى لابد من تحمل نفقاتها، ولفقر الشاب أبدى لهم عدم مقدرته نهائياً وأن أمنية حياته أن يحيي ليلة عرسه الفنان الكبير محمد جمعة، وبعد فقدانه الأمل، أرسل بعدها (أبوعلي) إلى أسرة الشاب العريس بأنه متكفل شخصياً بكل تكاليف السهرة على حسابه الخاص, وكذلك متنازل شخصياً عن أجرته، وأن ذلك هدية منه للعريس الشاب بيوم زواجه. – شاع الخبر في أوساط أهل المكلا، وتضاربت التخمينات والتوقعات الذي ذهب إليها الكثير بأن لايصدر منه أي أبداع أو تميز في الحفلة الغنائية للسهرة، وأن يفقد تألقه وأبداعه لطالما دفع من جيبه الخاص كل مصاريف السهرة والفرقة ونثرياتهم المعروف آنذاك.. وعلى هذا الأساس ذهبت كل التوقعات عند جمهوره وعشاق أغنياته.. ولكن الواقع أبهر وأدهش الجميع ليلة السهرة وكانت ليلة صاخبة يتذكرها ذلك الجمهور الكبير الحاضر ليلة السهرة, حينما فاجئهم الفنان محمد جمعة وضرب لهم مثالاً في الإنسانية والمثل الأخلاقية العليا, مؤكداً لجمهوره كيف تكون الإنسانية هي الأساس في تعامل المشاهير والعمالقة مع أصحاب العوز وقليلي الحيلة من الفقراء والمعدمين. – فكانت ليلتها ظهر (محمد جمعة) الفنان الأصيل والإنسان الكبير بأدبه وعطائه وسخاءه وكرمه في أبهى مزاجه الفني وفي قمة سعادته وتميزه الغنائي فاق كل التوقعات فكانت سهرة العمر يتواصف بها كل من حضرها.. ومنها سكن (محمد جمعة) في قلوب الناس إلى يومنا هذا.. ومازلنا نترحم عليه كلما مرت نسمات ذكرى وفاته السنوية, وكلما سمعنا أغنية من أغانيه الخالدة.. وكلما خطرت في بالنا ذكرى من ذكريات الفنان التي جسدت حقيقة مشاعره الطيبة و أخلاقه العالية وجعلت منه ذاك الإنسان النبيل يضرب به المثل في القدوة الحسنة والمحبة والتسامح والإخاء.. أعطى درساً لمن عشق فنه وتراثه وتأثر به وبألوان أغانيه المختلفة, مؤكداً بأن أصحاب النفوس الكبيرة لا يعيرون إهتماماً للمال بقدر مايعوّلون كثيراً على رضى الناس وإسعادهم..فالكبار متواضعون يلامسون عامة الناس وفقرائهم ويكسبون مودتهم، ويدفعون من مالهم الخاص أن لزم الأمر لإسعادهم في أعراسهم وسمارهم ومختلف جوانب حياتهم ومعيشتهم.. – رحل عنا ولسان حاله يردد كلمات الشاعر عبدالنبي النابلسي في أغنيته الشهيرة: (عيني لغير جمالكم لا تنظر.. وسواكمُ في خاطري لا يخطر.. وجميع فكرى فيكمُ دون الورى.. وعلى محبتكم أموت وأحشر).. رحم الله الفنان الكبير مجدد الأغنية الحضرمية (محمد جمعة خان أبوعلي) رحمة الأبرار وأسكنه فسيح الجنان.. – ولنا في كل ذكرى وفاته السنوية من كل عام خاطرة تنبشها زاوية ذاكرتنا المثخنة بالمشاغل وهموم الوطن.. من حكاوي زمان المتوارثة حكى بها الآباء والأجداد لأبنائهم عن القصص المؤثرة في الوجدان وصدق الأحاسيس في الجانب المخفي لحياة المشاهير والعظماء من أبناء حضرموت.. ومازالت هناك خواطر إنسانية ومواقف سامية للفنان الخالد (محمد جمعة) التي قدمها أبان حياته في خدمة الناس وإبهاجهم والوقوف معهم.. لإسعادهم ومساعدتهم وقضاء حوائجهم.. كلما خطرت خاطرة لمن رواها وسكنت في أذهان سامعيها.. وهكذا بقي (محمد جمعة خان) خالداً في قلوب الجماهير يتناقل إرثه الغنائي والأخلاقي والإنساني عشاق فنه ومحبيه..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص