مكانة العمل في الإسلام – سالم خندور (تسجيل صوتي)

الحمد لله ...

أيها الإخوة المؤمنون :

لقد وجهت الشريعة الإسلامية أفرادها إلى العمل وحثتهم على التكسب وطلب الرزق، وبينت لهم أن الكسب باليد هو خير ما يجمع المسلم، وهو سبيل الأنبياء والمرسلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده) رواه البخاري، وورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (كان زكريا نجاراً)، ولقد باشر الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام رعي الأغنام، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما بعث الله من نبي إلا رعى الغنم، فقال أصحابه : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) . بل رفع الإسلام من منزلة العمل، وجعله عبادة لله سبحانه وتعالى يؤجر عليه المسلم إذا راعى فيه حقوق الله وحقوق الناس، ما أعظم هذا الدين، يعمل الرجل ليكسب رزقه من حلال ليأكل هو وأولاده فيجعل ذلك في ميزان حسناته، فلقد مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه، فقالوا : يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج على نفسها يعفها فهو في سبيل الله ...) .


وأعلى الإسلام من مكانة العامل الذي يتعب ويكدح في عمله ليكسب الرزق الحلال له ولأسرته ونال بذلك العمل الدنيوي المغفرة من الذنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له)، بل ووصل الأمر إلى ما هو أكبر من ذلك، فلقد كرم الإسلام العامل الذي يعمل ويتسبب العمل في خشونة يده، كمن يعمل في أعمال البناء أو النجارة وغيرها من الأعمال فإن ذلك العامل ينال محبة الله وتنال يده محبة الله عز وجل، يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  صافح عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فخجل ابن مسعود لأن يده كانت خشنة من العمل فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (هذه يد يحبها الله ورسوله)، وبشر النبي صلى الله عليه وسلم المزارعين وكل من يزرع زرعاً بالأجر العظيم فقال : (ما من مسلم يزرع زرعاً، أو يغرس غرساً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) متفق عليه .


وهكذا يعلي الإسلام من مكانة العمل والعاملين، ولا ينتظر النتائج، فقال عليه الصلاة والسلام : (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن لا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها، فإن له بذلك أجر)، والفسيلة هي النخلة الصغيرة التي لا تثمر إلا بعد سنوات من غرسها ومتى ؟ عند قيام الساعة، فمن ذا الذي سيأكل منها، ولكن الأمر يظهر عظمة الإسلام واحترامه للعمل .


أيها الأخوة المؤمنون :

وكما حث الإسلام على العمل والكسب فإنه وفي نفس الوقت حذر من ان يبقى المسلم عاطلاً دون عمل عالة على غيره فلا رهبانية في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم : (من لزم المسجد وترك الحرفة وقبل ما يأتيه فقد ألحف في السؤال)، ولقي عمر رضي الله عنه قوماً لا يعملون فقال : من أنتم ؟ قالوا : متوكلون، فقال : كذبتم ، أنتم متواكلون إن المتوكل رجل ألقى حبة في التراب وتوكل على رب الأرباب، وكان يقول أيضاً : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقني اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وكان الفاروق رضي الله عنه إذا نظر إلى رجل فأعجبه فقال : هل له من حرفة ؟ فإن قالوا : لا، سقط من عينيه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً – أي فارغاً – لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة .


وكما نهى الإسلام عن أن يبقى المسلم بلا عمل، فقد نهى عن التسول واستجداء الناس والتذلل لهم، لما يورثه ذلك من المذلة والمهانة في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيأتي به فيبيعه فيأكل منه ويتصدق خير له من أن يسأل الناس) رواه الشيخان، ويقول صلى الله عليه وسلم : (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليست في وجهه مزعة لحم) متفق عليه، فالإسلام يرفض هذه الصورة الكريهة التي نراها في المساجد وأصبح هناك من جعلوا التسول مهنة لهم يقتاتون منها، وواجب الدولة أن تضع حداً لذلك كمن كان عاجزاً كفلته، ومن كان قادراً على الكسب وجهته إلى طريق العمل .


ولننظر إلى  النبي صلى الله عليه وسلم وهو رأس الدولة الإسلامية  كيف يحارب التسول ويحول البطالة إلى عمل ، عن أنس رضي الله عنه قال : " جاء رجل من الأنصار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله (أى طلب منه صدقة) فسأله صلى الله عليه وسلم : أما في بيتك شئ؟ قال : بلى، حلس (غطاء البعير) نلبس بعضه، وقعب (إناء من فخار) نشرب فيه الماء ، فقال : ائتنى بهما ، فأتاه بهما ، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وقال : من يشترى هذين ؟ قال رجل : أنا أخذهما بدرهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يزيد على درهم ، مرتين أو ثلاثاً ، قال رجل : أنا أخذهما بدرهمين ، فأعطاهم إياه ، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصارى، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالأخر قدوماً فائتنى به ، فأتاه به ، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ، ثم قال : اذهب فاحتطب وبع ولا أراك خمسة عشرة يوماً ، ففعل ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضهما ثوباً وببعضهما طعاماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من أن تجئ المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث ، لذى فقر مدقع، أو لذى غرم مفظع ، أو لذى دم موجع " رواه أبو داود والبيهقى.

لقد دافع الإسلام عن حقوق العمال والمستأجرين من قبل 1400 عام، قبل أن تظهر الاتحادات والنقابات العمالية، فلقد حذر الإسلام من عدم إعطاء الأجير أجرته عقب انقضاء عمله، فقال صلى الله عليه وسلم : (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) ولكن اليوم هناك من يماطلون العمل والموظفين في أجورهم، وإن أعطوهم فلا يعطونهم حتى يجف ريقهم .

أقول ما تسمعون ...


الخطبة الثانية :

الحمد لله ..

أيها الإخوة الكرام :

وكما أن الإسلام حث على العمل ورغب فيه وأعطى ألأجر للعاملين، ونهى عن التسول فإنه كذلك حث على أن يكون علم الإنسان فيما أحله الله سبحانه وتعالى، ونهى عن العمل في المحرم فقال صلى الله عليه وسلم : (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به)، وأعظم الأعمال حرمة المتاجرة في المخدرات التي يؤلمنا كثير أن نسمع بين الحين والآخر أخباراً تنقلها الصحف والمواقع الإلكترونية عن عصابات للمخدرات في اليمن، ونسمع أن اليمن ممراً لهذه الآفات إلى دول الجوار، ومتى ما كانت ممراً فإنها ستصبح مستقراً .


واعلموا أيها ألإخوة أن المخدرات آفة خطيرة لم تفش في عصر كما فشت في عصرنا الحاضر، وهي إحدى الوسائل التي يستخدمها أعداء الإسلام حيث زجوا بكميات كبيرة من هذه السموم إلى بلاد المسلمين يريدون للأمة أن تتورط فيها، ووجدوا من ضعفاء النفوس من أبناء المسلمين ممن باعوا ضمائرهم ودينهم ورضوا بأن يدمروا وطنهم ويدمروا أهلهم بهذه السموم الفتاكة الذين يتلقون هذه السموم وينشرونها لقد أعماهم المال الحرام عن كل شيء وهذا الأمر جد خطير، ويتطلب :


أولاً : توعية عامة للشباب من هذه السموم في المدارس والجامعات وعبر وسائل الإعلام والمحاضرات والمواعظ والخطب في المساجد لتنبيه الأمة إلى خطورة ذلك حتى لا يقعوا في حبائلها .


ثانياً لابد أن يتحرك العقلاء والوجهاء وأصحاب الرأي إلى الجهات العلياء في الدولة حتى تقوم بدورها المطلوب في حماية المجتمع من هؤلاء الذين لا هم لهم إلا المال .


ثالثاً : وهذا هو حجر الزاوية واجب الدولة وواجب الأجهزة الأمنية التي يظهر التقصير في أدائها واضحاً في هذه القضية، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأن تضرب بيد من حديد – إن بقي لها أيدي – لحماية الناس وحماية الشباب، وعلى المجتمع كافة أن يفضح كل المتورطين في هذه الجريمة وكل المتواطئين معهم أو يغضون الطرف عنهم من الأمن أو المسئولين، فإنها والله جريمة كبيرة إذا تساهل المجتمع فيها، وتهاون في التعامل معها، فحينها سيقع الفأس في الرأس..


نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بالبلاد والعباد من شجع الطامعين، ومن تآمر الأعداء والمجرمين ..

وصلوا وسلموا....


الجمعة 13/6/1433هـ - الموافق 4/5/2012م بمسجد عمر حيمد بسيئون – القرن

(تسجيل صوتي)

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص