دعوة الى العزة خطبة جمعة ٦ أكتوبر ٢٠١٧

دعوة الى العزة خطبة جمعة ١٦ أكتوبر ٢٠١٧ للاستاذ : سالم عبود خندور بمسجد عمر حيمد بسيئون للاستماع للخطبة النقر على الرابط : https://e.top4top.net/m_644k9we80.mp3 للخطبة النصية : دعوة إلى العزة ١٦ محرم ١٤٣٩هـ الموافق : ٦ أكتوبر ٢٠١٧م أيها المؤمنون عباد الله : قبل أكثر من ثمانين عاما وقفَ شيخٌ مهيبٌ خطيباً على منبرِهِ في مدينةِ حيفا الفلسطينية، وقال للمصلين: هل أنتم مؤمنون؟ ! ثم أجاب: لا أعتقدُ، لأنكم لو كنتم مؤمنين لكانتْ لكم (عزَّةُ المؤمنِ)، فإذا خرجتُم من هذ المسجدِ وناداكم جنديٌّ بريطانيٌّ فلا تطيعوا نداءه"، لم يردْ هذا الشيخُ الجليل أن ينفي الإيمانَ عن هؤلاء المصلين، وإنما أراد أن ينبههم بعنف إلى خصيصةٍ مهمةٍ من خصائص الإيمان. كانت هذه الخطبةُ في وقتٍ تُحكم فيه بريطانيا سيطرتَها على فلسطين، بل وتبثُّ في المسلمين عبر "رؤوس القاديانية" أنّها (وليةُ أمرِ المسلمين) وأن طاعتَها واجبةٌ بحكم الشرع.. بعد هذا الموقفِ بسنتينِ كان ذلك الخطيبُ المهيبُ محمولاً على الأعناقِ بعد حياة حافلة بالجهاد انتهتْ باستشهادِهِ عزيزاً في معركة من معارك الشرف ، والعجيبُ أنَّ صمتَهُ بعد استشهادِهِ كان أبلغ خطبةٍ سمعها الناس منه، قال الأستاذ أكرم زعيتر: "لقد سمعتُك قبل اليومِ خطيباً مفوها تتكئُ على السيف وتهدر من على المنبر، وسمعتك اليوم خطيباً تتكئ على الأعناق، ولا منبر تقفُ عليه، ولكنك والله اليوم أخطبُ منك حياً" ولذلك أحيا موتُهُ من معاني العزَّةِ أضعافَ ما أحيتْهُ كلماتُهُ .. وتلك سنةُ الله. ذلك المجاهدُ الشهيدُ هو البطلُ عزُّ الدينِ القسَّام، الذي كان أوَّلَ – أو من أوائل- من بثَّ في الشعبِ الفلسطينيِّ بل في الأمةِ العربية وقتَها روحَ العزَّةِ، ونقل القضيةَ الفلسطينيةَ من حوار الفنادقِ ِ مع الإنجليز الماكرين، إلى قتال الخنادق ضدَّهم، وضدَّ ربيبتهم الصهيونية. وبعد أربعةٍ وخمسينَ عاماً من ذلك الاستشهاد المعطَّرِ بالعزَّةِ نشأتْ كتائبُ عزِّ الدين القسام، لتحملَ – مع اسم القسام- تلكَ الروحَ التي أحبها القسامُ .. روحَ العزَّةِ .. التي قضى عمرَهُ ليغرسَها في الأجيال..لقد نفختْ كتائبُه اليوم في الأمة روحَ العزَّةِ .. وذلك حين تمكَّنَتْ في حرب غزة الأخيرة رغم الحصار والتضييق والكيد و المكرِ والقصف والوحشية من إرباكِ الحكومةِ الصهيونيةِ، وجيشِها الذي زعموا أنّه لا يُقهر. ولستُ بحاجةٍ إلى أن أخبركم بأنّها المرةُ الأولى في التاريخِ التي ينكسرُ فيها أفضلُ ألوية الجيش الإسرائيليّ، والمرةُ الأولى التي يتسلل فيها المجاهدون خلف حراسات العدوّ ثم يعودون سالمين، والمرةُ الأولى التي تُباغَتُ فيها قواعد إسرائيل العسكريةُ من عمق البحر ، والمرةُ الأولى التي تجوسُ فيها طيارةٌ بدون طيارٍ فوق وزارة الدفاع الإسرائيلية، والمرةُ الأولى التي يسقط فيها على إسرائيل 1700 صاروخ وقذيفة في أيام معدوداتٍ تصيبُ مدناً بعيدةً وحساسةً كتل أبيب وحيفا، والمرةُ الأولى التي يسقطُ فيها عشراتٌ من جنود الاحتلال قتلى عبر كمائن إبادة جماعية، والمرة الأولى التي تُدمر فيها قرابة خمسين دبابة للعدو في اجتياح بريٍّ واحد، والمرةُ الأولى التي يتوقف فيها مطار بن غوريون الدَّوليّ، ثم هي المرةُ الأولى التي تتوسَّل فيها أمريكا لدى (وسطاء) ليقنعوا حماس بوقف القتال، الله أكبر .. لقد أحيا أبناء القسامِ العزَّةَ التي كان أحياها الشيخُ القسام رحمَهُ الله ثم برَدَتْ بعده قليلاً. أيها الأخوة المؤمنون : لماذا ينبغي أن يكون المؤمنُ عزيزاً؟ لأنَّ موجباتُ العزِّةِ في حياةِ المؤمنِ عديدةٌ. وأول هذه الموجباتُ الصلةُ بالله العزيزِ الحكيم. فالمؤمنُ موصولٌ بالله، والله هو ملك الملوك، وهو العزيزُ، (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً)، (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً)... وثاني موجباتِ العزةِ في حياةِ المؤمنِ تلك التوجيهاتُ الربانيةُ، والأوامرُ العلويةُ، التي تأمرُهُ أن يكون عزيزاً، وتنهاهُ أن يكون ذليلاً، (ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)... وثالث موجباتِ العزةِ في حياةِ المؤمنِ انتماؤُهُ لأشرفِ الأممِ وخيرِها. فهذهِ الأمةُ المحمديةُ التي ننتسبُ إليها هي خيرُ الأممِ وأكرمُها وأعزُّها، بشهادةِ كتاب الله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وقد فهم عمرُ بن الخطابِ رضي الله عنه هذا المعنى فهماً عميقاً حين قال كلمته الخالدة: "نحن أمَّة أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العِزَّة بغيره، أذلَّنا الله"... ورابعُ موجباتِ العزةِ في حياةِ المؤمن تاريخُهُ الذي ينتسب إليه. فتاريخُنا معاشرَ المسلمينَ تاريخٌ حافلٌ بالعطاءِ، مُتخمٌ بالإبداعِ، مليءٌ بالإنجازات الحقيقية للإنسانية. فأجدادنا المسلمون هم الذين نقلوا الطبَّ من حيِّزِ الخرافةِ إلى حيِّزِ العلم، فسبقوا إلى التشريح ، وتركيب الأدوية، وكنا أول من اكتشف الالتهاب السحائي، وأول من وصف السكتة الدماغية، وأول من كشف طرق العدوى لبعض الأمراض مثل الجدري والحصبة، وأول من كتب دراسةً مفصلة عن السكريّ إلى غير ذلك. وأجدادنا المسلمون هم الذين افتتحوا القول في عالم البصريات، ووضعوا أسس الفيزياء، واخترعوا الكاميرا، والنظارة الطبية. وأجدادنا المسلمون هم الذين وضعوا علم الجبر، واخترعوا الصفر، وأسسوا بكل ذلك لعلوم الرياضيات الحديثة. أضف إلى ذلكَ إسهاماتهم في الفلسفةِ، والفكر، والأدب، والإدارةِ، وتسيير أمور الدول، وغير ذلك. إنّها قائمةٌ طويلةٌ بالعطاءات الإنسانية تجعلُ المنتسبَ إليها يتيه فخراً وعزةً، أنْ كانَ من أمةٍ قدمتْ للبشرية هذا العطاءَ كله. ... وخامسُ موجبات العزَّةِ في حياةِ المؤمنِ إِخبارُ نصوصِ الوحيِ بأنَّ الغلبةَ والعزَّةَ في نهاية المطافِ هي لهذا الدين، وأنّ الباطل إلى خسرانٍ. (بل نقذفُ بالحقِّ على الباطل فيدمغُهُ فإذا هو زاهقٌ). وبشارة الصادق المصدوق :(ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيلُ والنَّهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر). فهذهِ موجباتٌ خمسةٌ لاينفكُّ المؤمنُ بها ولها عزيزاً.. أيها المؤمنون عباد الله : لقد سجلتْ لنا السيرةُ النبويةُ الكريمةُ مواقفَ عجيبةً من عزةِ المؤمنِ بإيمانِهِ، واعتزازهِ برسالتِهِ. فحين جهَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدعوتِهِ، حاربتْهُ قريشٌ بكل ماتملكُ، ثم لم تجدْ إلا أن تُساومَهُ من خلال أبي طالبٍ، فجاءه أبو طالبٍ فقال: "يامحمدُ، إنّ قومك قد جاءوني، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ، وَعَلَى نَفْسِك، وَلا تُحَمّلْنِي من الأمر ما لا أطيق" كانتْ كلمةً قاسيةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم ينكسرْ عليه الصلاةُ والسلامُ ولا تذللَ بل قال مقالته المشهورة: (يَا عَمّ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ). وعلى سيرةِ الهادي سار صاحباه أبو بكرٍ وعمر، أما أبو بكرٍ فإنَّه ثبتَ يوم الردةِ وقال بعزةِ المؤمن: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه"، وأما عمرُ رضي الله عنه فإنّه أسلمَ والمسلمونَ في حصارٍ من قريشٍ وأذىً، فما استخفى، روى الحاكم بسندٍ جيدٍ أنَّ عمر لما أسلمَ جاء إلى أبي جهلٍ فقال له : أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلتُ في دين محمد؟ فوالله ما راجعه حتى قام يجرُّ رداءه، قال صهيب بن سنان: لما أسلم عمر ظهر الإسلامُ ودعا إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا. وفي البخاري عن ابن مسعودٍ: "مازلنا أعزةً منذُ أسلمَ عمرُ". أقول قولي هذا ... الخطبة الثانية : أيها الاخوة المؤمنون : ان تاريخ المسلمين الطويل حافلٌ بآلافٍ من مواقفِ العزةِ .. عزةِ المؤمن، ولكننا نختار منها موقفا واحدا من العصر الحديث هو موقف الشيخ المجاهد سيد قطب عليه رحمة الله الذي حكم عليه نظام عبدالناصر بالأعدام شنقا .. فلمّا سمع حكم الإعدام عليه قال : "الحمد لله ، لقد عملتُ خمسة عشر عاماً لنيل الشهادة" .. وعندما طُلب منه الإعتذار مقابل إطلاق سراحه ، قال : "لن أعتذر عن العمل مع الله" .. وعندما طُلب منه كتابة كلمات يسترحم بها عبد الناصر ، قال : "إن أصبع السّبّابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ، ليرفض أن يكتب حرفاً يُقرّ فيه حكم طاغية" .. وقال : "لماذا أسترحم الباطل : إن سُجنت بحق فأنا أقبل حكم الحق ، وإن سُجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل" .. وأتاه أحد الضباط قبل أن يُشنق بقليل ليكتب الشيخ سيّد بضعة كلمات فيُفرج عنه ، وكانت تلك الكلمات "كنتُ مُخطئاً وإني أعتذر" ، فابتسم الشيخ سيّد رحمه الله وقال له بهدوء عجيب "أبداً ، لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول" ، فقال له الضابط "ولكنه الموت يا سيّد" ، فقال الشيخ سيّد رحمه الله "يا مرحباً بالموت في سبيل الله" قال الأستاذ أحمد رائف : قابلت سيد قطب في السجن بعد محاكمته والحكم عليه بالإعدام ، فقلت ، له : ماذا تنتظر يا أستاذ سيد ؟ فقال "انتظر القدوم علي ربي" ، الله أكبر .. ما أعظمها من عزة الله أكبر.. ما أعظمه من ثبات .. الله أكبر ما أعظمه من ايمان .. أيها الإخوةُ : وجديرٌ بنا ونحنُ نقرِّرُ عزةَ المؤمنِ أن ننبه الى نقطتين هامتين ..النقطة الأولُى: ان عزةُ المؤمنِ لا تعني الخيلاءَ والكبرَ والعنجهيةَ. فالكبرُ والفخرُ بالباطلِ من شرِّ الخصالِ، نهى عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم نهياً شديداً، وفي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذُّلُّ من كل مكان ...) [ رواه الترمذي،] ونحنُ نقرأ في كل جمعةٍ كيف أنكر الله على القائلِ: (أنا كْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا).. أما النقطة الثانية : ان عزةُ المؤمنِ لاتعني ظلمَ غيرِهِ. فالله عز وجل قد بين لنا بوضوحٍ ضرورةَ معاملةِ غير المسلم بالعدلِ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) قال ابن كثير: "أي: لا ينهاكم عن الإحسانِ إلى الكَفرة الذين لا يقاتلونكم في الدِّين .. أيها المؤمنون : ومن المهم أن ندركَ أنَّ العزَّةَ ليستْ في القتالِ فحسبُ، ولا هي خاصةٌ بمواقفِ العظماءِ الملوك والرؤساء، أو في غمراتِ التضحية والفداء. كلا .. فالعزَّةُ سلوكٌ يوميٌّ يسلكُهُ المؤمنُ في حياتِهِ. فحين يترفَّعُ الإنسانُ عن سفاسف الأمور وتوافهها فهو حينئذٍ يتحلى بالعزةِ. وحين يرفضُ الإنسان أبسطَ صور الظلمِ الواقعةِ عليه أو على غيره من الضعفاء فهو حينئذٍ يمارسُ العزةَ. وحين يتجنَّبُ الإنسانُ المال الحرامَ ولو أفضى ذلك إلى شدةٍ تصيبُهُ فهو حينئذٍ يتمتعُ بالعزةِ. وحين يسابقُ المؤمن في طاعةِ الله، ولا يرضى أن يسبقه أحدٌ إلى الله فيزيدُ في الطاعة فهو حينئذٍ يرتعُ في العزةِ. وحين يرتفعُ الإنسان عن أخلاقِ السوءِ، ويتحلى بالمروءاتِ، ويعمل بواجباتها فهو بلا شك يتمثَّلُ العزةَ. وحين يأبى الإنسان أن يخالطَ الفسقةَ والعصاةَ في مجالسِ اللهوِ والفجور فهو حينئذٍ يستشعر العزةَ. وحين يعتزُّ الإنسانُ باتباعِ السنةِ، ولا يتركُها مجاراةً للناس أو للأعراف غير المتبعة فهو بلا ريبٍ يتنشقُ نسيم العزةِ. وحين يترفع الإنسانُ عن ظلمِ من هو أضعف منه وإيذائه، ويراعى حقّ الله فيمن خوّله أمرهم فهو حينئذٍ يتخلقُ بالعزةِ.وهكذا في عشراتِ الصورِ بل مئاتها ... وصلوا وسلموا ..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص