الفأل الصالح للاستاز : سالم خندور

الفأل الصالح خطبة الجمعة ١٠ نوفمبر ٢٠١٧ للاستاذ : سالم عبود خندور بمسجد عمر حيمد بسيئون للاستماع للخطبة النقر على الرابط : https://a.top4top.net/m_679h31v41.mp3 الخطبة المكتوبة : الفأل الصالح ٢١ صفر ١٤٣٩هـ الموافق: ١٠ نوفمبر ٢٠١٧م أيها الاخوة المؤمنون : يقول أحد الاخوة الدعاة كنت أستحضرُ كلمةَ هارون الرشيد الشهيرة لسحابةٍ عابرة في زمنِ الوحدة والتئام الشمل : أمطري حيث شئتِ فسيأتينا خراجُكِ ، ونظرا لما تمر به الأمة الاسلامية اليوم من التشرذم والانقسام فقد جادت قريحة أخينا هذا بقصيدة كان عنوانها : ( خطاب جديد لسحابة هارون الرشيد ) قال فيها : لاتمطري لا تنثري المننا ... فجميعُ ماتسدين ليس لنا لاتمطري راياتنا كثرٌ ... وحدودنا صارت سطور عنا قد أصبحت مزقاً قبائلنا .. كل على إيقاعه زفنا الوجهُ عند الوجهِ مبتسمٌ .. والكف خلف الظهر قد طعنا وشفاه هذا الخل ضاحكة .. عند اللقاء وقلبُهُ لعنا عيبٌ لدينا ياسحابتنا .. أن يستوي البادي وما بطنا لاتمطري فالعهد مختلفٌ ... ورشيدكِ الميمونُ ليس هنا يقول كتبت هذه الأبيات ونحن نرى ما يحل بأمتنا ،ونحنُ نرى بلدا اسلاميا يمزَّقُ أو يكادُ، ونرى أخرى تتشظّى وتنزفُ ، وثالثة تدمر وتخرب . ولذلك اسمحوا لي في هذه الخطبة أن أحدثكم عن المشكلة الذي تطلُّ علينا مع كل نازلةٍ عامةٍ أو خاصةٍ . إنّه اليأس .. وفقدانِ الأمل .. والإحباطِ .. والقنوط، لقد أصبحنا اليوم أحوجَ ما نكون إلى جرعةٍ بل إلى جرعاتٍ من التفاؤلِ .ذلك أننا في كل أمرنا كبيره وصغيرِهِ بتنا ننزعُ إلى اليأس ، يأس من كل شيئ ، يأس من حل مشكلة فلسطين ، يأس من إطفاء نيران الفتن والنزاعات على امتداد العالم العربي والإسلامي . يأسٌ من تحسُّنِ الأوضاع الاقتصاديّة والقضاء على مشكلات البطالةِ والفقر ، يأس من ايقاف تدهور العملة وارتفاع الاسعار الذي قصم ظهور الناس ، يأس من إصلاح الأوضاع السياسية بما يحفظ الحقوق ويرفعُ المظالمَ ويحفظ الثروات.يأس من استقرار الأوضاع الأمنية وايقاف العبث بأرواح الناس وممتلكاتهم .. يأس حتى من اصلاح الكهرباء وانقطاعاتها ، هذا الحجمُ من اليأس الذي يحسه الإنسان فيما حوله لابدَّ له من وقفةِ نذيرٍ .. ومهما كان الواقع سيئاً فإن ذلك لايعني النهاية .. أبداً . قد يكون الواقع سيئا .. لكن غياب التفاؤل يجعله أكثر سوءاً . عباد الله : إنَّ التفاؤل سمةُ الشخصية المسلمةِ .. وهو هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم .. فقد كان عليه الصلاة والسلام يعجبه الفأل الصالح والكلمة الحسنة وقال صلى الله عليه وسلم : لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ [ رواه مسلم ] .وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه ، فإذا أعجبه اسمُهُ فرح به ، ورؤي بشر ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها ، فإن أعجبه اسمها فرح بها ، ورؤي بشر ذلك في وجهه ، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه . [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على التفاؤل كان يغير الاسم القبيح ويجعل مكانه اسماً آخر يدل على المعاني المحمودة المتفائلة ، فقد غير حَزْناً إلى سهل ، وبني مُغوية إلى بني رِشدة ، ويثرب إلى طيبة ، وعاصية إلى جميلة ، وشعب الضلالة إلى شعب الهدى . وحتى في أحلك الظروف كان صلى الله عليه وسلم يتفاءلُ .. فعندما رماهُ أهل الطائف بالحجارة وطردوه وجاءه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين ، قال : ( لا ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا ) . أرأيتم حجم التفاؤل ؟ في لحظة الطرد والنكران يتفاءل بالجيل القادم الخارج من الأصلاب ، الجيل الذي لم يولد بعد ، وحينَ حوصر يوم الهجرة في الغارِ ودنا منه المشركون تفاءَل بنصر الله ، فقال : ( لا تحزن إن الله معنا ) . وحين طارده سراقةُ تفاءلَ له بسواري كسرى ، وحين أجلبت عليه قريش ونقض اليهود عهده في الخندق تفاءل بفتح بلاد كسرى وقيصر ، إنها روحٌ متفائلةٌ مستبشرةٌ حتى في أحلك الظروف ، وأصعب الأوقات .. هكذا كان نبيّنا صلى الله عليه وسلم . أيها الأحبة .. لقد ضاقت مكة برسول الله فجعل الله نصره و تمكينه في المدينة . وارتدت قبائل العربِ عن الاسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فنصر الله أبا بكر وعمّ الإسلام الدنيا. واقتتل خير الأمة وأشرافها بعد مقتل عثمان حتى خيف على بيضة الإسلام .. فلم تلبث أن أخذت دولته بشرق الأرض وغربها. وقتل التتار في بغداد مليوني مسلمٍ .. ثم كسرهم قائدٌ مسلمٌ على أرضِ فلسطين. ولُعِنَ الصحابةُ على منابر بغداد أيام الفاطميين ثم انقشعت الغمَّةُ وذهب صلاح الدين بالفاطميين بين يدي ذهابه بالصليبيين.وألقى الاستعمار بثقله على بلدانٍ مسلمةٍ زماناً ثم هزمتْه إرادة الأبطال والمجاهدين. ولذلك فليس بدعاً أن ندعو للتفاؤل في واقعٍ قد يبدو للناظر العجلانِ محبِطاً .. نعم في واقعنا مثبطاتٌ كثيرة .. هناك الواقع السياسي الذي وصفتُ .. وهناك فوق ذلك هوانٌ وتأخر في السباق الحضاري .. وأمراضٌ اجتماعيّةٌ كثيرةٌ تنخرُ في جسد أمتنا .. ومع ذلك كله .. فلا بدّ من التفاؤل .. لابدّ من التفاؤل مع كل ما نراه حولنا .. لأنّ هذا الواقع المرّ الذي نعيشه اليوم قد عاشته الأمة من قبل أو عاشت بعضه على الأقل حتى إذا استيأس الناسُ وظنوا أنهم قد كُتب عليهم الهوانُ جاءهم نصر الله من حيث لم يحتسبوا . ودعوني أعطكم جانباً واحداً من المبشرات الموجبة للتفاؤل .. إنه استعصاء هذه الأمة على الموت ، لم تمتِ الأمةُ وقد خاض الصليبيون في دمائها إلى الركب. لم تمت وقد أباد المغول عاصمتها العظمى وألقوا جثث أبنائها من فوق البيوت . لم تمت وقد اجتاح الاستعمار المعاصر ثلث أراضيها . لم تمتْ وقد تناهب الشرق والغرب ثرواتِها .. وهاهي غزة ماتزال محاصرةً .. ومايزال جرح فلسطين الذي يقترب من عامه السبعين نازفاً ومع ذلك .. مازال الشعب صابراً مجاهداً .. ولو نظرتَ إلى كل بقعةٍ إسلامية فيها ألمٌ وجراحٌ فستجد صوراً مذهلة من استعصاء هذه الأمة على الموتِ تصديقا لدعوة نبيها : (بِأَنْ لَا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ) . أفليس هذا وحده داعياً للتفاؤل ؟ موجباً للأمل ؟ وحسبنا موجباً للتفاؤل وعودُ القرآن الكريم .. ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) ( ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا وكان حقا علينا ننجي المؤمنين ) . ( ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) أقول قولي هذا .... الخطبة الثانية : أيها المؤمنون عباد الله : دعونا نخرجُ من الشأن العام إلى الشأن الخاص .. فالدعوة إلى التفاؤل ليست محصورةً في جانب واقع الأمة وجراحاتها الدامية .. بل حتى على المستوى الشخصي .. مستوى الحياة اليومية وهموم المعيشة .. نعلم جميعا أنّ بعضنا أجلبت عليه الديون وأطبقت .. نعلم جميعا أن بعضنا أنهكته الأمراض .. نعلم جميعا أن بعضنا عضّه الفقر بنابه .. نعلم جميعا أن منا من حفيت أقدامه بحثاً عن وظيفة له أو لولده فلم يجد .. نعلم جميعا أنّ منّا من يرزح تحت وطأة الخلافات الأسرية والعائلية .. ومع ذلك فأنتم مدعوون إلى التفاؤل ..لماذا ؟ لأنَّ التفاؤل أولاً سنةُ نبينا صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا .ولأن التفاؤل ثانياً علامةُ حسن الظنِّ بالله .. وحسن الظنّ بالله سيماء المؤمن فقد قال تعالى : ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) وقال جل جلاله في الحديث القدسي : أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ماشاء . ولأن التفاؤل .. هو الدافع إلى العمل الإيجابيِّ النافع ، والعطاء الإنساني الرائع ، وتكرار المحاولة حتى يصل الإنسان لمراده بإذن الله . ولأن التفاؤل مقتضى العقل الراشد .. فالعاقل يعلم أن اليأس والإحباط لا يغير من الواقع شيئاً بل يضيف إلى مرارته مرارةً أشدّ .. بينما التفاؤل إن لم يحقق المأمول فهو على الأقل يخفف من وطأة المصائب ووقعها على النفس .. ولأن التفاؤل ..يعين على تحسين الصحة العقلية .. فالمتفائل معتدل المزاج ، حسن التفكير ، يجيد النظر في واقعه ، والبحث عن المخارج والحلولُ فيهتدي لأفضل الآراء ، وأحسن العلاجات أما المحبطُ قابعٌ مخذولٌ معطّلٌ فكره وعقله . ولأن التفاؤل يعين على صحة البدن ، وقد ثبت أن كثيراً من الأمراض مردها للهموم والأحزان والآلام .. ختاما أيها الأعزاء : لانريد بحديثنا عن التفاؤل تسكينا أو تخديرا للناس عما يجري من حولهم أو أن يتقاعسوا عن المطالبة بحقوقهم .. لا .. ليس هذا مقصودنا ، بل أنه لاتعارض بين التفاؤل وبين السعي لتغيير الواقع المؤلم الى واقع أفضل ، بل أن المتفائلين هم دائما مايكونون في مقدمة المنادين باصلاح الأوضاع ، أما اليائسين المحبطين فهم أبعد مايكونون عن العمل ويميلون الى تثبيط الآخرين من حولهم .. وصلوا وسلموا ..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص