النبي صلى الله عليه وسلم والطفولة

النبي صلى الله عليه وسلم والطفولة خطبة الجمعة ١ ديسمبر ٢٠١٧ للاستاذ : سالم عبود خندور بمسجد عمر حيمد بسيئون للاستماع للخطبة النقر على الرابط : https://f.top4top.net/m_70177o5e0.mp3 الخطبة النصية : النبي صلى الله عليه وسلم والطفولة ١٣ ربيع أول ١٤٣٩هـ الموافق: ١ ديسمبر ٢٠١٧م أيها الاخوة المؤمنون : كثيرا مانراجعُ علاقاتنا مع الناسِ .. نحاول أن نُصلحَ ما فسدَ .. وأنْ نُحسِّنَ من تعاملاتِنا مع من حولنا .. فنراجعُ علاقتنا مع أهلنا وأزواجنا وآبائنا وأمهاتنا وعلاقتنا مع أقاربنا وجيراننا وأصدقائنا . وكلُّ ذلك حسنٌ جميلٌ .. فإنَّ الدينَ المعاملةَ .. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بُعِث ليتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ ... ولكنَّ هناك شريحةً من المجتمعِ نتناساها في الغالبِ ونحنُ نراجعُ هذا كله! ربما لأننا نظنُّ أنها لاتستحقُّ التفاتاً واهتماماً وربما لأننا نظنَّ أنها فئةٌ لاتعي ولاتفقه ما يدور حولها لذا فنحن لا نبالي بتحسين التعامل معها، إنَّهمُ الأطفالُ أو الصبيانُ ، زينةُ الحياةِ وجمالُها ، هؤلاء الأطفال نحبُّهم ونأنس بهم ، ولكن هل ياترى نتعامل معهم كما ينبغي؟ لذا دعونا في هذه الخطبة وهي الثالثة من سلسلتنا (مع الحبيب) وعنوانها (النبي صلى الله عليه وسلم والطفولة) أن نوضح كيف كان التعامل النبويِّ مع هذه الشريحة من المجتمع. كيف كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال ؟ مع الصبيان ؟ مع الصغار ؟ وهو عليه الصلاة والسلام السراجُ المنير والنبراس المضيء (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا).. أيها الاخوة الكرام : إنَّ السمةَ العامةَ التي يمتاز بها تعامل نبينا صلى الله عليه وسلم مع الصغارِ هي سمة (الرحمةِ)، فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيماً بهم ، يتفجّر رحمةً في كل موقفٍ وقصةٍ وحكايةِ. ومن سماتِ هذه الرحمةِ (إعلانُ محبته لهم) .. كان حريصاً صلى الله عليه وسلم أن يصرحَ بحبه لهؤلاء الجميلين البريئين .. ، فعن أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذُه والحسنَ بن علي فيقول: (اللهم أحبَّهما فإني أحبُّهما). [رواه البخاري] وعن أنس بن مالكٍ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ ببعض المدينة فإذا هو بجوارٍ يضربْنَ بدفِّهنَّ ويتغنَّيْنَ ويقلْنَ :نحنُ جوارٍ من بني النجارِ .. ياحبذا محمدٌ من جارِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهُ يعلمُ أنَّ قلبي يُحبُّكنَّ) . [ أخرجه الألباني] . وخرج صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى فسجد سجدة أطالها، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته» [رواه النسائي] فيالها من رحمةٍ نبوية .. ومن سماتِ الرحمةِ النبوية بالأطفال القبلة. والقُبلة رسولُ محبةٍ .. وعنوانُ اشتياق .. يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم – ولدُ المصطفى عليه الصلاة والسلام- مسترضِعاً في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحنُ معه، فيدخلُ البيت فيأخذه فيقبله ثم يرجع! [رواه مسلم].. مشوارٌ خاص يقطعه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ضواحي المدينة ليقبل ابنه إبراهيم، بل كان صلى الله عليه وسلم يُنكر على من لا يقبل الصغار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ وعنده الأقرعُ بن حابسٍ التميميّ جالساً، فقال الأقرعُ: إن لي عشرةً من الولدِ ما قبلتُ منهم أحداً فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (وما أصنع إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك)؟ .. أيها المؤمنون : ومن السماتِ المهمةِ للمعاملةِ النبويِّة لللأطفالِ تحملُ ما يصدر عنهم من أذى محتمل بحكم صغر سنهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم حاملاً الحسن بن علي على عاتقِهِ ولعابُهُ يسيلُ عليه! [رواه أحمد] وأعجب من ذلك ما رواه أبو ليلى الأنصاريّ رضي الله عنه قال: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صدره أو بطنه الحسنُ أو الحسين، قال: فرأيتُ بوله أساريع ، أي أنه بال على صدر المصطفى صلى الله عليه وسلم بولاً قوياً مطرداً لسرعتهِ قال أبو ليلى: فقمنا إليه ، أي: قمنا لنحمله من صدر النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا قال المصطفى الرحيمُ المحبُّ للأطفال عليه الصلاة والسلام؟ قال: (دعوه لاتفزعوه حتى يقضي بوله) فلما فرغ أتبعَ بولَهَ الماءَ [رواه أحمد]. ومن سماتِ المعاملة النبويّة للأطفال التطلفُ لهم وملاعبتُهُم وإعطاؤُهم مدىً من الحرية في حركتهم وعدم الضيق بتعلقِهم. تأمل فعله صلى الله عليه وسلم مع حفيدتِهِ أمامةَ بنتِ ابنتِهِ زينب رضي الله عنها، فقد حضرتْ صلاتُهُ صلى الله عليه وسلم وهي تلاعبُهُ فقام يصلى عليه الصلاة والسلام وهو حاملٌ أمامةَ فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها. [رواه الشيخان]. وانظر كذلك إلى حكايته صلى الله عليه وسلم مع أم خالد بنت خالدِ بن سعيد بن العاص رضي الله عنهما، وقد رواها البخاريّ، فقد دخلتْ على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي طفلةٌ عليها قميصٌ أصفرُ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: (سنهْ سنَهْ) وهي بالحبشية بمعنى : حسنةٌ. كأنه يقول لها: أنتِ جميلةٌ. قالت أم خالدٍ: فذهبتُ ألعبُ بخاتم النبوةِ فزجرني أبي، فقال صلى الله عليه وسلم: (دعها). ثم قال: ( أَبْلِي وأَخْلِقي، أَبْلِي وأَخْلقي، أبلي وأخلقي). وهو دعاءٌ بطولِ العمرِ معناه: مدَّ الله في عمركِ طويلاً حتى تبلى ثيابُكِ وتخلَقَ، فتغيرينها فتبلى لطول المكثِ وتخلقَ وهكذا.فاستجاب الله لدعاء نبيه ، فلم تعش امرأة من الصحابة ما عاشت أم خالد .. وكان صلى الله عليه وسلم فوق ذلك يداعبُ الصغار ويلاعبهم ويمزحُ معهم . عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير وكان إذا جاء عليه الصلاةُ والسلام قال: (يا أبا عُمير ما فعل النُغير). وهو عصفورٌ كان يلعبُ به. أقول قولي ... الخطبة الثانية : أيها المؤمنون عباد الله : لم تكنْ معاملةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مع الصغارِ مقتصرةً على التلطفِ والإحسانِ والتحببِ. بل كان من ملامِحها البارزةِ التي لاتخطئها العينُ التوجيهُ والتربيةُ والتعليمُ والتهذيبُ. ومن تتبعَ سيرةَ المصطفى صلى الله عليه وسلم وجدَ العديدَ من المواقف التربوية التوجيهية المؤثرة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كخ، كخ.. ثم قال أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة).[رواه البخاري]. وعن عمر بن سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا غلام: سمّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك). ولا يقتصر التوجيه النبوي للصغار على الآداب والسلوكيات، بل كان يرسخ في نفوسهم المعاني الإيمانية العميقة لينشؤوا عليها منذ صغرهم، وكلنا يعرف حديث ابن عباسٍ العظيمِ حين قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات الخالدات البليغاتِ: (يا غلام إني أعلمك كلمات؛ أحفظ الله يحفظك؛ أحفظ الله تجده تُجاهك؛ إذا سألت فاسأل الله؛ وإذا استعنت فاستعن بالله؛ واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلامُ وجفّت الصحف). وحين يقتضي الموقفُ التربوي شدةً وحزماً كان صلى الله عليه وسلم يأخذ بالشدةِ والحزمِ، لكنه يجعل ذلك في وقته، وله ضابطُهُ وشرطُهُ، أما الأصلُ في التعامل كما أسلفتُ هو الرحمة والتوجيه الرقيق. قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) [رواه الحاكم، وأبو داود]. أيها الاخوة الأفاضل : بعد هذا الاستعراض لتعامل الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه مع الأطفال والصغار ، ينبغي علينا أن نسأل أنفسنا ، كيف هو تعاملنا مع الأطفال؟ هل يقوم على الحب والرحمة أم على الشدة والغلظة؟ هل ننزل هذا الشريحة المهمة من المجتمع مكانتها التي أنزلها الحبيب صلى الله عليه وسلم؟أم أننا نحتقرها ولانكترث بها ؟ أسئلة كثيرة أترك الاجابة عليها لكل واحد منا يجيب عليها بينه وبين نفسه .. وصلوا وسلموا ..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص