الإمارات بين روح «الآباء» وجسد «الابناء»

في ظلِ شعارِ “روح الاتحاد” احتفلت دولةُ الإماراتِ العربيةِ بالعيد ال ( 46 ) لتأسيسها . لقد كان الاتحادُ روحا رفرف بالخير على أمة الإسلام والعرب ، وكان يوما تجسدت فيه روحُ القوةِ والسلام ، والوحدة والحرية . اليوم هل مازالت الإماراتُ تجسد روحَ (الأباء) ؟، أم أنها أضحت جسدَ (الأبناء)، جسدا خاليا من أية روح ؟ . ـ أيقن الروحُ وجوبَ إقامة كيان سياسي موحد قوي ، يؤسس حياةً عزيزةً لمواطنيه وأمته ، فكان إتحاد الإمارات العربية في 2 ديسمبر71م . منتهجا سياسة خارجية أساسها العدل والحكمة ، وتاجها الحق والرحمة . ـ اليوم هيمن الجسدُ بنرجسيته على جوارح الاتحاد قاطبة ، فأصبحت له الكلمة القوية النافذة , متفردا بالقرار دون مساءلة من أحد في الاتحاد . ومنتهجا سياسة قائمة على مخالفة روحِ المؤسسين الداعية للخير والسلام . ـ تجسدت روحُ الاتحاد ، حينما عمل الشيخُ زايدُ مع الشيخ جابر الأحمد ” رحمهما الله ” على تأسيس مجلس التعاون الخليجي . فاستضافت أبو ظبي في 25 مايو 1981م أول اجتماع قمة له. ـ أما جسد الاتحاد فهو اليوم يعمل على تفتيت وحدة هذا المجلس الحيوي ، وتفكيك انجازاته في كل مجال. ـ حلقت روحُ الاتحاد في سماء الخير والسلام ، حيث قدمت الإماراتُ مليارات الدولارات في مساعدة الدول الفقيرة . وفي تنمية عدد من مشاريع الخير لصالح أسر معوزة في عدة بلدان . كما نفذ مشروعَ إعادة بناء سد مأرب باليمن . وبكل إخلاص ساهمت في حل كثير من مشاكل العرب ، حيث قامت إلى جانب دولة الكويت بالوساطة بين عُمان واليمن الديمقراطي أثر نزاع حدودي ، نتج عنه توقيع مصالحة بالكويت في نوفمبر 82م . ومثل ذلك بين مصر وليبيا ، كما نجحت في التوصل إلى حل خلافات وطنية أخرى ،داخل البلد الواحد. ـ والجسد يقوم اليوم بدك البنية التحتية لعدد من الأوطان ، عبر تحريك أياديه وأدواته من خونة تلك الأوطان لتحقيق أهدافه التوسعية والخفية . كما ينفق البلايينَ ليبسط على حقوق شعوب أخرى ، معطلا مصادر خيرها ومنافذ دخلها القومي ، ليبقى هو حيا اقتصاديا على حساب حياة غيره . يتضح هذا من خلال تعطيل ميناء عدن ، وتوقيف مشروع قناة السويس . وفي ندوة بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة ، قال المفكرُ الأمريكي نعومُ تشومسكي ” إن الدراساتِ تؤكد على أن تنفيذَ مشروعِ تطوير قناة السويس يهدد الاقتصادَ الخدمي لموانئ الإمارات ، وسيدمر دبي اقتصاديا خلال 20عاماً ” . وبات الجسدُ اليوم عاملا فاعلا في التفريق بين أبناء البلد الواحد . وله يدٌ لا تخفى في فتنةِ مصرَ ، ومحنة ليبيا ، وحرب اليمن ، وحصار قطر ، وميل بوصلة السعودية . ـ تألق الروحُ في مواقفه الوطنية العربية ، واضعا كل إمكانياته لصالح معركة الأمة . ففي حرب أكتوبر 73م ، قال الشيخُ زايد ” إن البترولَ العربي ليس أغلى من الدم العربي ” ، فتم قطعه عن الدول الداعمة لإسرائيل . ـ والجسد الاتحادي اليوم ، لا يبالي بتلك المواقف،فله أهدافٌ خاصة ، وأجندة محددة ينفذها . ولا ندري أين يقفُ من الصراع العربي الإسرائيلي . هل دورُه في انقلاب العسكر بمصر ، وإصراره على بتر سواعد حماس الدفاعية ، ومحاربة كل من يدعمها ،يخدمُ قضيةَ العرب وفلسطين ؟ أم يخدم إسرائيل وأعداء الأمة والدين ؟ . ـ أثر غزو العراق للكويت ، لجأ 66 ألف كويتي إلى الإمارات، وقد هيأت لهم سبلَ المواصلاتِ من حافلات وطائرات لحملهم إليها . وأمر حينها الروحُ بمنحهم سكنا لائقا، ومساعدات مالية وإعفائهم من دفع أي رسوم . ـ وجسدُ الاتحادِ اليوم يحاصر شعبَ قطر من أجل إجبارها على التغريد ضمن سرب الكناري والببغاوات . وداخليا قام بسن قوانين جزائية تقيدُ المواطنَ وتقهرُ المقيمَ . ومن خلالها شن حملة اعتقالات وإجراءات نفي واسعة ، طالت كل مشتبه في معارضته ، من العلماء والدعاة والمثقفين والحقوقيين والمحسنين وغيرهم ، مواطنا كان أو مقيما . ـ أعطى الروحُ بحسه العربي الأصيل ، بعداُ قوميا لواجبات القوات المسلحة الإماراتية . ففي الحرب الأهلية بلبنان 75م ، قال الشيخُ زايد لقواته المشاركة ضمن قوات الردع العربية ، والتي أوكلت لها مهمة أمن لبنان وسلامته : ” إننا جزءٌ لا يتجزأ من الأمة العربية ، لنا حقوق وعلينا واجبات وأول واجباتنا المشاركة بكل ما نستطيع للدفاع عن أمتنا والذود عن كل شبر من أرضها يتعرض لعدوان أجنبي ” . وشاركت قواتُ الإماراتِ مع قوات حفظ السلام الدولية في كوسوفو ، والصومال 93م . وفي كل ذلك كانت تعمل ضمن أطار هذه القوات ووفق برامج مهامها. ـ اليوم يعطي الجسدُ بُعدا محدودا ضيقا لواجبات قواته المسلحة ، فمشاركته ضمن قوات التحالف في اليمن لم تعد تهدف إلى حماية روح المواطن وحرية الوطن . حيث تؤكد تقارير دولية وشهادات موثقة ، مسؤولية الإمارات عن تغييب مواطنين واعتقالهم قسرا إلى جهات مجهولة ؟ . وعن اغتيال علماء ودعاة ، ورجال دولة وأمن ، ورموز وطنية واجتماعية غيرهم . وطالبت وكالة أسوشيتد برس ، ومنظمة هيومان رايتس ،والعفو الدولية ، وغيرهم ، دولة الإمارات بالكشف عن معلومات حول معتقلات سرية وغير سرية ، تحت إدارتها . حيث وثقت المئات من حالات سوء المعاملة بمراكز الاعتقال،في السجن المركزي بعدن ، ومطار الریان ، والقصر الرئاسي بالمكلا , وقاعدةٍ لها في إريتريا . ورجحت أن تكونَ معظم الاعتقالات من تنفيذ قوات ” الحزام الأمني ” في عدن ، و” النخبة الحضرمیة ” في حضرموت . وهما قوتان تأسستا في 2016م ، ويُفترض رسميًا تبعيتهما لوزارة الداخلية ، والجيش اليمني ، إلا أنّ للإمارات اليد الطولى في توجيههما وتسييرهما ، وفقًا لتقارير ووقائع أكدت عملهما خارج سلطة الحكومة اليمنية بشكل كبير . وتجلى هذا في التحدي السافر لرأس القيادة الشرعية ، ففي فبراير2017م ، منعت قوات حماية مطار عدن ، الموالية للإمارات ـ عمدا ـ طائرة الرئيس (هادي) من الهبوط ، وهو على متنها . الأمر الذي أدى بعدها إلى اشتباكات للسيطرة على المطار ، وحينها قصفت مروحيات الإمارات مواقع تتبع الحماية الرئاسية . فأي أهداف سياسية واقتصادية تريد الإمارات تحقيقها ؟، عبر تنفيذ أجندتها الخاصة ، بعيدًا عن سير الشرعية والتحالف . ـ قد يظن البعض أن هذا المقال دليل كراهية للإمارات وشعبها ، والحقيقة أنه حبٌ وحنينٌ لروح الاتحاد الموءودة ، وفخرٌ وعرفان لرجالها المؤسسين الكرام ، وما قدموه بالأمس من بناء ودعم لشعبهم ، وما جسدوه من مواقف عزة ونصرة لشعوب بلدان أخرى . واليوم بكل أسف يستخدم الجسدُ الاتحادي كلَ إمكانياته الماديةِ والعسكريةِ في التدخل بشؤون بلدان أخرى ،تدخلا لا يخدم أمنَها واستقرارَها ، ولا يحيي اقتصادَها وشعبَها. كم نفتقد ( روح الإتحاد ) السامية ، والتي لا نرى من ذكراها اليوم إلا جسدا متخبطا ، يحطم البنيان ويقهر الإنسان . وجسد كهذا لن يلبثَ إلا أن يسقطَ متهشما . وهذا ـ واللهِ ـ الذي لا نتمناه لإمارات الخير والسلام.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص