لاتحزن خطبة 29 ديسمبر 2017 للاستاذ : سالم عبود خندور

لاتحزن

خطبة الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٧

للاستاذ : سالم عبود خندور

بمسجد عمر حيمد بسيئون

للاستماع للخطبة النقر على الرابط :

https://b.top4top.net/m_7280j0le0.mp3

الخطبة النصية :
لاتحزن

١١ ربيع الآخر ١٤٣٨هـ
الموافق: ٢٩ ديسمبر ٢٠١٧م

أيها المؤمنون عباد الله :

لا تخلو الحياة من مصاعب ومصائب ومنغصات ومنكدات ، فهكذا طبيعة الحياة الدنيا كما قال تعالى ( لقد الانسان في كبد) ،بالأمسِ يتعرض اخوان لنا في العقيدة لحرب ابادة على أيدي البوذيين والصليبيين كما يتعرض شعب عربي مسلم للقتل والتشريد ويتعرض بلده للخراب والتدمير لأن حاكما مستبدا لا يريد أن يتزحزح عن كرسي الحكم ، وبالأمس يعلن المدعو ترامب أن القدس عاصمة لبني صهيون في تحد واضح لكل المسلمين ،بالأمس يبدـأ انهيار في قيمة الريال اليمني ويصاحبه ارتفاع فاحش في الأسعار ، بالأمس تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي خبرا مزعجا وهو أن عدد المصابين بفيروس الأيدز في حضرموت بلغ عددا كبيرا ، هذا على المستوى العام ، أما على المستوى الفردي فهناك مصائب تحل بالأفراد فهذا يصاب بمرض خطير ومزمن ، وآخر يفجع بموت ابنه الصغير في حادث مروري وثالث يخسر في تجارته .. هذه أمثلةٌ للحوادثِ التي تزرعُ في قلوبنا الحزنَ والألمَ والحسرةَ والوجعَ. ولأنَّنا بشرٌ.. فنحنُ نضعفُ ونحزنُ ونبكي ونتوجَّعُ ونتألمُ ، وفي خضم هذه الأحزانِ يفتحُ أحدُنا كتابَ الله عزوجلَّ فإذا قول الجليل العظيم: (لاتحزنْ إنَّ الله معنا) هذه الآيةِ التي نتلوها كثيراً، ونستشهدُ بها كثيراً ينهانا الله فيها عن الحزن:هل هو النهيُ الوحيدُ في القرآنِ عن الحزنِ؟ تُرى ماموقف القرآن الكريم من ظاهرة (الحزنِ)؟ وما الذي شرعه للمؤمن تُجاهها؟ وكيف مارس النبيّ صلى الله عليه وسلم عملياً توجيهاتِ القرآنِ في هذا الصددِ؟

أيها المؤمنون :

لقد ذكر الحُزن في القرآنِ إحدى وسبعين مرةً، ووجدتُ أنَّ هذه المواضعَ كلها إلا سبعةً منها نَهْيٌ عن الحزنِ أو نفيٌ له! ويؤكّد هذا المعنى ما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، و ضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبةِ الرجال) [ رواه البخاري ]. فهاهو سيدُ الخلقِ صلى الله عليه وسلم يتعوّذُ من الحزنِ، وينهى عنه، ويدعو بصرفِهِ، ويُعَلِّمُ أمتَهُ كلماتٍ يصرفُ الله بها الحَزَنَ. ولو نظرتَ في سيرتِهِ صلى الله عليه وسلم لرأيتَ كيف كان يدافع الحُزْنَ عملياً ويدفعُهُ، ألمْ يطيِّبْ قلبَ أبي بكرٍ في الغار ويقلْ له: (لاتحزن ان الله معنا)؟ ألم يقلْ لأصحابه يوم الخندقِ وقد بلغتِ القلوبُ الحناجرَ: الله أكبر فُتحَ كسرى! الله أكبر فُتح قيصر! الله أكبر فُتِحَ اليمن! ألم يغضبْ من نفادِ صبرِ بعضِ أصحابِهِ وتسللِ الحزنِ إلى قلوبهم فانتفض وقال: (وَاللهِ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) [رواه البخاري]. ألم يعلِّمِ ابنته فاطمةَ رضي الله عنها وهو صلى الله عليه وسلم على فراش الموتِ، ألم يقل لها يومها: لاكربَ على أبيك بعد اليوم؟ ونهى من قبلُ صلى الله عليه وسلم عن النياحة وشقِّ الجيوبِ ونحو ذلك من مظاهرِ الحزنِ؟ أمّا الحُزْنُ البشريُّ العابرُ الذي يورث يأسا ولا قنوطا ولا سخطا على قضاءٍ وقدرٍ، فقد عبر عنه صلى الله عليه وسلم يوم وفاة ولده إبراهيم، حين بكى وقال: (إن العين لتدمعُ وإنَّ القلبَ ليحزنُ ولانقول إلا مايرضي ربنا).

أيُّها الإخوةُ المؤمنون ..

إنَّ واقعَ الأمَّةِ المتردّي اليوم هو من أعظمِ موجباتِ الحزنِ. فإنْ بقي هذا الحزنُ شعوراً بشرياً عابراً يدافعه الإيمانُ، ويغالبُهُ الصبر، ويقاومُهُ اليقين فنعمّا هو؛. وإن تحوَّل إلى يأسٍ وقنوطٍ وإحباطٍ واستسلامٍ فبئسَ هو،. ويجبُ حينئذٍ أن تصرخَ في نفسك وقلبك وروحك بنداءِ القرآنِ الربانيّ: ((لاتحزن)). والحقّ أيها السادة أنَّ هذا النهي القرآني عن الحزنِ والذي تكرر كثيراً في كتابِ الله، قد جاء في كل مرةٍ مقروناً بعلةٍ أو معنى أو سببٍ يبينُ لماذا ينبغي على المؤمن ألا يَحزنَ هذا الحزنَ المميتَ.على المؤمنِ ألا يحزنَ لأنَّ (الله) معه (لاتحزنْ إن الله معنا)، على المؤمن ألا يحزنَ لأن حوادث الدنيا لاتدوم، والأيام دولٌ: (ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين*) .على المؤمنِ ألا يحزنَ لأنَّ مايفعلُهُ الظالمونَ مرصودٌ مكتوبٌ لايفوتُ منه شيء (فلايحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون ومايعلنون). على المؤمن ألا يحزنَ لأنّه يوقنُ أن هناك آخرةً يُقتصُّ فيها للمظلوم من الظالمِ، فإن أفلت الظالم من العقاب في الدنيا ، فلاحظَّ له في النجاةِ يومئذٍ ((وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) .. على المؤمن ألا يحزنَ مهما تسلطَ الظلمةُ والبغاةُ لأنَّ العزَّةَ الحقيقيةَ إنما هي للهِ ((وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)). وهكذا تجدُ في كل موضعٍ قرآنيٍّ نهى فيه الله عن الحزنِ علةً إيمانيةً عجيبةً تمنحُكَ طاقةً على مواجهةِ البلاء ومكافحة أسبابِ الحُزنِ.

أيها الاخوة المؤمنون:

ان أكثر صيغ نفي الحزنِ تكرراً في القرآن الكريم، وهي قوله تعالى: ((فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون)). هذا التركيب الذي تكرر بلفظِه ِأو بلفظٍ مقاربٍ ثلاث عشرة مرةً في كتاب الله يستحقّ منا أن نتتبع الموصوفين به. من هؤلاء الذي نفى الله عنهم الخوف والحزن؟ ((فمن اتبع هداي))، ((من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً))، ((من أسلم وجهه لله وهو محسن))، ((الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لايتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى))، ((الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة))، ((فمن اتقى وأصلح))، ((ألا إنَّ أولياء الله))، ((إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)). هذه هي صفاتُ الناسِ الذين نفى الله عنهم الحزن والخوف، تجمعها كلها وصية النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفيَّ، رضي الله عنه لما قال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غَيْرَكَ، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((قل آمنتُ بالله ثمَّ استقم)). والله يقول وقوله الحق المبين : ( ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )

أقول قولي هذا ......

الخطبة الثانية:

أخي الحبيب :
"لاتحزن.. لأنَّ الحُزْنَ يزعجك من الماضي، ويخوِّفُك من المستقبل ويُذهبُ عليك يومك لا تحزن..لأنَّ الحزن ينقبضُ له القلب، ويعبس له الوجه وتنطفئُ منه الروح، ويتلاشى معه الأمل. لا تحزن..لأنَّ الحُزن يسرُّ العدو، ويَغيظُ الصديق ويُشمت بك الحاسد، ويغيِّر عليك الحقائق.لا تحزن..لأن الحزن مخاصمة للقضاء، وخروج على الأنس ونقمة على النعمة.لا تحزن..لأنَّ الحُزْنَ لا يردُّ مفقوداً، ولا يبعث ميتاً، ولا يردُّ قدراً، ولا يجلب نفعاً. لا تحزن..إِنْ كنتَ فقيراً فغيرك محبوس في دَيْن، وإنْ كنتَ لا تملكُ وسيلةَ نقلٍ فسواك مبتور القدمين، وإن كنتَ تشكو من آلام فالآخرون راقدونَ على الأسرة البيضاء، وإن فقدت ولداً فسواك فقد عدداً من الأولاد.لا تحزن..إِنْ أذنبتَ فتُبْ، وإن أسأتَ فاستغفرْ، وإن أخطأتَ فأصلح، فالرحمة واسعة، والباب مفتوح، والتوبة مقبولة. لاتحزن..إنِ انتفشَ الباطلُ وصارتْ له صولةٌ، فإنَّ مصيره إلى زوال، ((إنَّ الله لايصلحُ عملَ المفسدين)). لا تحـزن..لأنَّ القضاءَ مفروغٌ منه، والمقدورَ واقعٌ، والأقلامَ جَفَّتْ، والصُّحُفَ طُويتْ، فحُزنك لا يقدم في الواقع شيئاً ولا يؤخر.
ولربَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى *** ذرعاً وعندالله منها المخرَجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فٌرِجَت وكان يظنُّها لا تُفرجُ"

وصلوا وسلموا ...

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص