للقيادة قلوبها .. وللسياسة عقولها ...

في تعامله مع أحداث ( مجزرة ) خاشقجي ( رحمه الله ) , أثبت التخبط السعودي الشامل أن إدارة شؤون الحكم أمر عسير وشائك , ويحتاج إلى دراية وإحاطة وحكمة . وهو أمر افتقدته تماما منظومة السلطة الشابة في مملكة محمد بن سلمان المعاصرة الحديثة . لقد قدم هذا الارتباك والتضارب دليلا قويا على أنه مهما أمتلك النظام داخليا من قدرة وسطوة , وأسس خارجيا دعما عبر صفقات مصالح متبادلة , إلا أن ذلك كله لا يضمن له تحقيق رؤيته وأهدافه . ونحو تحقيق مخططه الغير ملائم لرمزية المملكة ومكانتها , فقد ذهب الملك الفعلي الشاب بكل تبعية نحو الانفتاح الفجائي التام على ما لم تعهده المملكة ولا شعبها , كما مارس القهر والتسلط نحو شرائح كانت بالأمس القريب تعد من ركائز البناء السعودي سياسيا وشعبيا . فبدأ بالعائلة الملكية ورموز الدولة , ثم رجال الدعوة والأعمال والإعلام .. وغيرهم . وهنا تتجلى حقيقة لا مراء فيها ولا جدال . لقد فشل ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان في تحمل مسؤولية مملكته ورعيته ، على ما ينبغي له أن يكون عليه من فطنة السياسة والقيادة ، وبعد النظر وحسن التدبير . الشاب المتهور النرجسي لم يحمل في تركيبته السياسية والقيادية ، ولو شيئا يسيرا من جينات أسلافه الملوك ، الذين أدركوا جيدا أن الشَعرة تجلب لهم من الرسوخ والسيادة والريادة ، أفضل مما تحققه لهم الجمرة . وشتان بين من شيدوا بالشعرة ملكا ممدودا وحكما سديدا ، وبين من سيحرق بالجمرة التاج والمنهاج ، والمُلْكَ والرعية ، والدعوة والداعية . فهلا تدارك المَلِكُ مُلكَه ؟ ، وأطفأت رقةُ الشعرةِ شرارةَ الجمرةِ قبل الضعف والخسف . وهذا شبيه بما عشناه في جنوب اليمن ، حينما أمسك زمام السلطة بعد عام 69م صغار السن ، وممن لا يملكون أدنى خبرة وتجربة في ألف باء الدولة وإدارتها الشاملة ، حينها وبكل تخبط وحماقة وتبعية ! دمروا وطنا معمورا ، واقتصادا مزدهرا ، واهلكوا أرواحا مطمئنة ، وكوادر وطنية , وفرضوا على المجتمع ما يرفضه خُلقه وفطرته , وأدخلوا البلد في صراعات وتصفيات كل بضع سنين ، كان آخرها مجازر 86م ، التي أثبتت فشل سياسة التبعية العمياء ، وعقم حكومة العقول الخاوية . واليوم نشهد في الجنوب ما قد يذهب بنا نحو تلك المأساة مجددا . قيادات سياسية وأمنية وعسكرية صغيرة السن ، منعدمة التأهيل اللازم ، مفتقدة الخبرة الكافية . شباب عشريني وثلاثيني ، منهم من كان بالأمس لا يملك حتى مسمى وظيفيا تشريفيا ، وفجأة وجدوا أنفسهم يتحلون بلقب القائد والمسؤول وغيرها من المراكز والرتب , التي كانت تتطلب سنوات طوال من العمل والخبرة , ومن الدورات والتدريبات , حتى يصل إليها الموظف المدني والعسكري والأمني . اليوم نخشى أن تعود تلك العقليات بتبعيتها العمياء وتهورها إلى إعادة كتابة التاريخ السابق بقلم القهر وحبره الدامي . فهلا اتعظ الجميع وتداركوا أمرهم قبل الدعس والرفس .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص