مملكةُ الأمير الشاب ! كيف الإياب ؟

لا ينكرُ أحدٌ ما للسعوديةِ من مكانةٍ عظيمةٍ ، لما تمثله مِن روحِ الدينِ وسمو المكانِ , ومِن حكمةِ التعامل مع الأحداثِ بمختلف مستجداتها داخلياً وخارجياً . ولكن منذ تولى الأميرُ محمدٌ بنُ سلمان مقاليدَ التصرفِ في شؤونها ، بدأتْ تنهجُ درباً لَمْ يسلُكْهُ قبلَه أحدٌ من الملوكِ والأمراء .

 

 لقد قامَ بخطواتٍ مرتجلةٍ , أدت إلى شقٍ في بُنيةِ الدولة ، ونسيجِ الشعب ، وقدسيةِ المكانِ . لقدْ ظَنَ ظنونا فأوردته الظنونُ منونا .

 

1ـ ظن أنَّه حينَ يُبعدُ الكبارَ من الأسرة الملكيةِ ، ممن لهم مكانةٌ وإرادةٌ وخبرةٌ ، سيزيحُ حجرَ عثرةٍ في طريق طموحِه .

 

وذهَبَ يولي حفنةَ شبابٍ مقاعدَ هي أكبرَ من مداركِ عقولِهم وأوسعَ من مجالِ خبرتهم ، ممن تسهلُ قيادتُهم لتحقيقِ المطلوب .

 

واستهدفت التغييراتُ مواقعَ وزاريةٍ شاملة ، وقياداتٍ عسكرية مهمة . وكلَ ما له علاقة باتخاذِ القرار ، ونجاحِ أهداف مخطط سياسته وآلية تنفيذها ، داخلياً وخارجياً . ولكن تلك الأيدلوجيةَ أوردته ما لم يكنْ في الحسبانِ . لقد كانَ سلفُه في السياسةِ يضعون نُصبَ أعينِهم سمعةَ ومكانةَ آل سعود ، كأسرةٍ تمتلك بتماسكها كلَ مقوماتِ الحكمِ المتزنِ ، والقادرِ على ضبط الخلافات ، ورعايةِ الاختلافات في دولة متسعة الأطراف . وكانت الأسرةُ هي من تتداولُ الملفات السياسيةَ الحساسةَ ، وتجزمُ فيها بالقرار الحصيفِ المناسب .

 

واليوم تخلت القيادةُ السعوديةُ الشابةُ عن السياسة التي كانت تَقُودُ ولا تَنْقَادُ ، فأوردت الوطنَ تبعيةً وعجزاً وكساداً .

 

2ـ ظنَ أنَّه بالاعتقالات والحجزَ سوف يرهبُ مفاصلَ الدولةِ وشرائحَ الشعب ، ويلجمُ الألسنةَ من الخوض في سياستِه حيث نفذَ حملةَ اعتقالاتٍ لمئتي شخصيةٍ من الأمراء والمسؤولين ورجالِ الأعمال بتهم الفسادِ . وبعد تسوية بلغت 107 مليارات دولار تقريبا ، تم الإفراجُ عنهم . ومنساقاً وراءَ أوهام أبو ظبي في حربِه المسعورةِ ، اعتقل عدداً من ناشطي الإعلام والحقوقِ ، ومن العلماء والدعاةِ ، المشهود لهم بالوسطية والاعتدالِ ، بتهمة التطرف والعملِ في نشاطٍ مشبوه . وظن أنَّه بذلك سيصبحُ بطلا دولياً ، وأنَّه قد أتى بما لم يأتِ به أسلافُه . والغريب أنَّ هؤلاء ومؤسساتِهم وأنشطتَهم ، كانوا تحتَ عينِ من سبقه من الملوك ، الذين أدركوا بما حازوه من حكمةٍ ودرايةٍ أنَّهم ليسوا بمتطرفين ، فتمَ استيعابُهم لما فيه خير الأمة ، وكلِ ما من شأنِه خدمة الوطن . فكيف لم يدركْ ذلك الأميرُ الشابُ ؟ . ولو أنه يسرَ اللقاءَ بهم ، مبينا خطورة الوضعِ ، وأهمية دورهم في الذود عن عقيدتِهم ووطنهم ، لوجدَ رجالا يجمعون حولَه كلَ خيرٍ ، ولكانوا درعا يحمي كلَ غالٍ ونفيس . ولكنه لم يفعلْ ، فكانت المفاجأةُ أنَّه وخلال عامين فقط ، أصبحَ متهما بالإرهاب والوحشيةِ ، يتصدرُ وحاشيتُه الشبابيةُ الشبكاتِ والصحفَ العالميةَ ، وتشهدُ مدنٌ عالميةٌ ضده مظاهراتٍ غاضبةً ، لمْ تشهدْ المملكةُ شيئاً منها خلال عقودٍ من حكمِها . ويكفي فقط ما أحدثته عالميا قضيةُ مقتل خاشقجي ، لبيان مدى فشلِ وتخبطِ الدبلوماسية السعوديةِ ، وفقدانها المصداقية والاتزان .

 

3ـ ظن أنَّه بالانفتاح الثقافي والترفيهي الفني سيحسنُ صورةَ المملكةِ عصريا ، ففي إطارِ سياسته الانفتاحية ، شهدت المملكةُ تثقيفا ! رَوَّعَ المجتمعَ المحافظَ ، من السماحِ للراقصات بدخول الفنادق ، والحفلاتِ الفنية المختلطة ، وغيرها ، مما قوبل بالرفض والشجبِ . فالشعب السعوديُ ملتزمٌ بأخلاقياتِ دينه ، ومعتزٌ بأعرافِه وتقاليده . وهكذا أخلاقيات لم يكنْ يوما ليتقبلَها ، ولا ليدعمَ من بثَها .

 

4 ـ ظن أنَّ وراءَه دولاً تقوده للعزة بينما هم يسوقونه للخسران . الإماراتُ عند أول ضربةٍ صاروخية حوثيةٍ لها , ومع تفجر نواقلِ نفطٍ في مياهِها ، بادرت إلى عقدِ لقاءٍ مع القائد العسكري الإيراني لتصلحَ وضعَها وتحمي نفسَها , تاركةً المملكة تواجه صواريخَ وهجمات الحوثي ، متعرضةً لهزة اقتصاديةٍ وعسكرية ومأزقٍ سياسي خانق . وهذا بفعل سباحةِ النظام كليةً في فَلكِ محمدٍ بنِ زايد ، الذي رسمَ للملكة الحديثةِ علاقاتها ومواقفَها تجاه الدول والمكوناتِ السياسية والجماعاتِ الأخرى . وهذا ما جعلَ القيادةَ الشابةَ ، من موقفِ الضعف والاهتزاز ، ترغبُ اليومَ في الحوار مع إيران والحوثي ، وقد كانَ بإمكانها فرضُ ذلك بالأمس من موطنِ القوة والاعتزازِ . كما ظن أنَّ ترامبَ يحميه ، وأنَّه سيوجه ضربةً أمريكيةً لإيران ، تبعدُها كلياً من المشهد . وذلك ما لم يفكرْ فيه ترامبُ مطلقا ، فهو رجلُ تجارةٍ ينظرُ للجيوب لا الواجب ، واليوم هو في ورطةٍ قد تطيحُ برئاسته . فعادت سياسةُ ابنُ سلمانَ على دولته بالخسران .

 

5- ظن أنه كلما أبقى شرعيةَ اليمنِ تحت يده وعينه فهو يضمنُ قوةَ القرار وحق التصرفِ . لكنها شرعيةٌ هجينةٌ ، من هنا وهناك ، مخلصون وخونة ، ورجالُ ثورةٍ وبقايا نظامٍ مخلوع . حتى فاجأته أبو ظبي بزرع سلطةٍ ثالثةٍ في عدنَ ، ليفقد معها وحدةَ القرار وشرعيةَ التصرف . وفي ظل غدرٍ متلاحقٍ نحوه من الشركاء والحلفاءِ ، وغرسِ مليشيات عسكرية وسياسية ماكرةٍ في خاصرتِه ، لم تعدْ الرياضُ تثقُ بالحل العسكري ، وأبدت رغبتَها في حوارٍ يحفظُ ماءَ الوجهِ .

 

لقد راهن ابنُ سلمان على أوراق عربيةٍ وأقليمية ودولية خاسرةٍ ، متخليا بسذاجة عن سيوف قاطعة . ولكن هل كانَ حقاً غراً متهوراً ؟، يريدُ الأفضلَ ، ولكنه لم يحسن التصرفَ ؟. أم إنَّه كان منفذاً لمخططٍ قد تم إعدادُه مسبقا ؟، وما هو فيهِ إلا وسيلةٌ من وسائلِ تحقيق أهدافِه . أياً كان الرجلُ ! فقد أحدثَ في بضعِ سنينٍ بالمملكةِ تصدعا داخليا وخارجيا ، لم تحدثْهُ فيها نوازلُ عقودٍ من الخصومات والأزماتِ .

 

اليوم هل يمكنُ تداركُ الأمرِ ، والعودةُ من جديد للقيادة والسيادةِ ؟. وتثبيتُ بوصلةِ المملكة السياسيةِ نحو بيتِ اللهِ الحرامِ ، بدلاً من ذبذبتِها نحو بيوتِ الخبث والإجرامِ ؟. سؤالٌ يجيبُ عنه أهلُ الشأنِ في قابلِ الأيام ، وإلا فهو الختامُ ، وعلى دولتِهم السلامُ .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص