معاناة حضرموت: ثروات باطن الأرض لا تغني عن الألم فوقها.

في عاصمة حضرموت، تلك البقعة التي تختزن في جوفها ثروات طبيعية هائلة، يعيش سكانها حياة تقف على حافة الانهيار، حيث يبدو أن كل ما تحت أقدامهم من ثراء لم يعد يعني شيئًا في مواجهة واقع مرير يتفاقم يومًا بعد يوم.

حضرموت التي يُفترض أن تكون منارة للرخاء، أصبحت مسرحًا لمآسي متتالية.

من أزمة كهرباء خانقة إلى نقص حاد في المشتقات البترولية، يعيش الناس على إيقاع الألم والمعاناة.

الكهرباء، التي كان ينبغي أن تضيء حياة الناس، أصبحت تأتي وتغيب كما يحلو لها، تاركة خلفها ساعات من الظلام الطويل الذي يحاصر الجميع.

إنها معادلة مقلوبة، حيث يسود الظلام لسبع ساعات مقابل ساعتين من النور بالكاد تكفي لقضاء أبسط الاحتياجات.

والناس في حضرموت يلهثون خلف هذه القليل من الساعات المضاءة، ويحاولون خلالها جمع ما يستطيعون من حياة في مدينة تغمرها الحرارة القاسية نهارًا والظلام القاتم ليلًا.

أما النفط، ذاك الذهب الأسود الذي يجري في باطن الأرض، لم يعد ينفع سكان حضرموت بشيء.

على الرغم من أنهم يعيشون فوق واحدة من أغنى حقول النفط، إلا أن الطوابير الطويلة للحصول على المشتقات البترولية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.

شحّ المشتقات وارتفاع أسعارها يجبران الناس على الوقوف لساعات، وربما لأيام، في طوابير لا تنتهي، كل ذلك من أجل بعض الوقود الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من مداخيلهم البسيطة.

وفي مشهد أشبه بالسراب، يأتي الغاز المنزلي في حضرموت ويختفي كأنما يلعب لعبة الاختباء مع السكان، يأتيهم مرة ليغيب مرات، ليجد الناس أنفسهم في حالة من التوتر والقلق المستمر حول كيفية تدبير احتياجاتهم اليومية.

إنها حالة من اللااستقرار يعيشها أهل حضرموت بشكل دائم، حيث لا شيء مؤكد ولا شيء مضمون.

ولكن الأزمات في حضرموت لا تقف عند الكهرباء والمشتقات والغاز، فالشوارع المتهالكة التي تشق قلب المدينة، والطرق غير المعبدة التي تتحول إلى مصائد سيول عند هطول الأمطار، تعكس واقعًا مريرًا من غياب البنية التحتية.

إنها طرق معبدة بالمعاناة، حيث يصبح التنقل من مكان لآخر مغامرة محفوفة بالمخاطر، وتصبح التجارة حلمًا صعب المنال. أما عن غلاء المعيشة، فهو قصة أخرى من قصص الألم اليومي في حضرموت.

في بلد يُفترض أن تكون تكاليف الحياة فيه أقل، تصاعدت أسعار السلع الضرورية بشكل جنوني، حتى أن الصيد، الذي يُفترض أن يكون مصدرًا للرزق الوفير، بات يباع بأسعار خيالية لا يمكن لكثيرين تحملها.

إنها مفارقة قاسية؛ أهل حضرموت الذين يعيشون على بحر من الأسماك، باتوا عاجزين عن شرائها بسبب الغلاء الفاحش. وفي هذا المشهد المأساوي، كان التعليم هو الضحية الأكبر.

المدارس التي كانت يومًا ملاذًا للأمل أصبحت تعاني من نقص حاد في الموارد والمعلمين، والطلاب يعانون من الإهمال والتجاهل. التعليم في حضرموت يحتضر ببطء، ويصبح مستقبل الجيل القادم على المحك.

من المسؤول عن هذا الوضع الكارثي؟ الأسباب متعددة، لكن الفساد وسوء الإدارة على رأس القائمة، تضاف إليها الصراعات المستمرة .

إنها معضلة معقدة، حيث تبدو الحكومة المركزية والمحلية عاجزة عن توفير الحلول، أو ربما غير راغبة في ذلك.

الحلول الجذرية تبدو واضحة؛ تحسين الإدارة المحلية، توزيع عادل للثروات، تعزيز الأمن والاستقرار، وإصلاح البنية التحتية. لكن هذه الحلول تحتاج إلى جهود حقيقية وتعاون دولي ومحلي. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: ماذا على الشعب أن يفعل؟ عليهم أن ينظموا أنفسهم، ويطالبوا بحقوقهم بطرق سلمية، أن يمارسوا الرقابة الشعبية، أن يتعاونوا مع المنظمات الدولية، وأن يعززوا من وحدتهم وتضامنهم. إن ما يحدث في حضرموت ليس مجرد معاناة عابرة، بل هو صرخة من أجل العدالة، من أجل التغيير الحقيقي والجذري الذي يعيد لهذه الأرض حقوقها المسلوبة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص