في ذكرى التأسيس إذاعة المكلا محطة هامة في حياة إعلاميي حضرموت

حضرموت اليوم / المكلا / * احمد زين باحميد

لان شهر سبتمبر شهر تأسيس الإذاعة منذ عقود من الزمن مرت الإذاعة بتسميات كثيرة ذات دلالات من إذاعة الشعب إلى  إذاعة المكلا  إلى إذاعة الجمهورية اليمنية من المكلا فترة زمنية تنوعت فيها حناجر المذيعين من حسن بامطرف إلى كمال سالم مرورا بفيصل باعباد وغيرهم وصولا إلى سالم الشاحت وعلي باقي والقائمة تطول إنها إذاعة المكلا تلكم المحطة الهامة في حياة إعلاميي حضرموت

ولان الإعلام شأنه شأن غيره من أدوات المجتمع وأجهزته ليس فوق الشبهة أو المساءلة أو الاتهام بالتقصير وحين نقول هذا فإننا لا نقصد بطبيعة الحال رجال الإعلام لا فرادى ولا مجتمعين وإنما الدور والبيئة والمسؤولية الإعلامية والتي يتحكم فيها رؤساء التحرير وأصحاب المؤسسات الإعلامية ومن يمولهم أو يعينهم أو يساندهم أكثر مما يتحكم فيها الصحفيون أنفسهم.

وهناك صفات مثالية عديدة يجب أن يتحلى بها الصحفي كالاستقلالية والجرأة والحياد والموضوعية وهناك مهام كثيرة مطلوبة من الصحفي مثل الالتزام بقضايا المواطنين وخدمة المجتمع والحرص على السلم والالتزام بالقوانين وتعميم كل ما ينفع من معلومات ونقل مختلف الآراء بكل صدق وإتاحة أوسع مجال للنقاش بهدف الحصول على مقترحات مثمرة يجري تشكيل رأي عام حولها  إلا أننا نستطيع الاقتصار على صفة واحدة تجمع كل المواصفات والمهام المطلوبة ألا وهي صفة (  المهنية )  .

ولآن رسالة الإعلام نبيلة كما هي رسالة الطب فإننا نستطيع إجراء المقاربة التالية بين عمل الصحافي وعمل الطبيب : فلا يستطيع الطبيب العمل في إي مكان دون الحصول على شهادة علمية معترف بها ودون رخصة حكومية لمزاولة المهنة وأما الإعلامي فان الشهادة العلمية ليست شرطا لعمله في حين أن إجراءات ترخيص مزاولة المهنة والتي تختلف من مجتمع لآخر تعتبر إجراءات ميسرة قياسا بمزاولة مهن أخرى وقد يكتفي بالخبرة للحصول عليها.

قد يرتكب الطبيب خطأ طبيا بحق احد مرضاه نتيجة التشخيص الخاطئ أو الخلل في الجراحة او الخطأ في وصف الدواء فيتسبب له بضرر أو إعاقة أو وفاة لا سمح الله فيخضع في غالب الأحيان للمساءلة أو المقاضاة التي قد تكلفه المنع من مزاولة المهنة أو دفع تعويضات طائلة لمريضه وهو ما يدفع بالأطباء في الدول المتقدمة إلى التأمين ضد الأخطاء الطبية عبر المؤسسات الطبية التي يعملون لصالحها في حين قد يشخص الإعلاميون الوقائع بشكل خاطئ وقد يخطئون في وصفها ولكن سيكون من الصعب الإمساك بالأضرار التي قد يسببها الإعلاميون ولا يفقدون مهنتهم ولا يغرمون بسبب ذلك إلا في أحوال نادرة.

ولا يستطيع الطبيب رفض معالجة أي مريض حتى لو كان عدوه فقسم المهنة وأخلاقياتها تمنعه من ذلك في حين يتخير الصحفي ما يريد من الأخبار والوقائع وقد يمتنع عن نشر أخبار رغم إدراكه لأهميتها وقد يتعمد تقليل أهمية أخبار لحساب أخرى اقل أهمية ولن يناله جزاء ذلك إلا التوبيخ في أسوأ الأحوال.

لن نختلف  على تشخيص مدى تعقيدات  الوضع الحالي وطنيا وتنمويا ولكن قد نختلف على نسبة مسؤولية السياسيين عنه إلى نسبة مسؤولية الإعلام والإعلاميين .

أتفهم أن يعلق الجمهور آمالا عريضة على الإعلام( الإذاعة هنا تحديدا )  ويبني طموحات وسقف توقعات عال جدا منها متناسيا أنها إنما هي انعكاس للواقع القائم ومجرد فرع من السلطة الرابعة لا تستطيع العمل بكفاءة إن لم تعمل السلطات الثلاثة التي تسبقها بفاعلية وكفاءة ولكن ما لا أتفهمه هو أن يعلق السياسيون هذه الآمال على وسائل الإعلام ومنها الإذاعة لا على برامجهم وخططهم وسياساتهم وتنظيماتهم قبل أن يعلقوها على الإعلام . المشكلة ليست في الإعلام وليست فيما يبثه أو ينقله إنها في السياسيين ---  الذين أعطوا قرارا و أوامر ارتفاع الأسعار وانفلات الأمن أو بتنفيذ اعتداءات وجرائم الإحراق وإطلاق النار على الأرجل وتعذيب المعتقلين مثلا أو تدني خدمات الصحة والتعليم في أحايين أخرى أو ... أو ...  وهكذا دواليك --  , ولكن المجتمع لا يميل لمحاسبة هؤلاء المسؤولين بقدر ما يميل إلى محاسبة الإعلام ربما لأنها لا تملك سجونا ولا تمنح رواتب يمكن قطعها بمجرد الاشتباه .

مسؤولية الإعلام عما جرى ويجري لا تزيد إطلاقا عن دور ومسؤولية  لاعبي كرة القدم عن شغب الملاعب : جمهور الفريق مشحون وحاقد وتكفيه أية ركلة خاطئة حتى ينقض على جمهور الفريق الآخر , فهل تعمد هذا اللاعب أن يخطأ في التسديد حتى يتسبب في نشوب العركة .

 ومن هنا تأتي أهمية المعيار المهني الاحترافي للإعلامي كمعيار يجمع كافة المواصفات ويحولها إلى ضوابط تحكم الأداء وتوجهه نحو أداء الرسالة النبيلة لمهنته بالتزام واع يقوم على أسس احترام مصالح وذكاء الجمهور والانحياز للصالح العام 

إذا كان على الإعلام كسلطة رابعة أن يعرف كل ما يجري من أمور ولو خفية إن كانت تهم الناس وان يخبرهم بالوقائع بكل صدق وان يرشدهم إلى ما ينفعهم وان يحذرهم مما يضرهم وان ينقل آرائهم بكل نزاهة وان يحرص على إسماع أصواتهم بحياد الى جهات الاختصاص كما تفعل الإذاعة في برامجها الحوارية المباشرة وان تفتح المجال أمام تعددية الآراء بموضوعية وان تحرس الحريات العامة وان تشكل رقيبا بكشف كل انحراف أو خطأ،  إذا كانت هذه مهام الإذاعة  كسلطة رابعة فمن الطبيعي أن تتعدد مهام وواجبات القوى المجتمعية الأخرى بحيث تتوزع على حماية المجتمع من كل سوء سواء كان كارثة طبيعية أو حرب خارجية أو داخلية أو جريمة أو فساد أو إرهاب عبر الوقاية التي تركز على التثقيف والتحذير للحيلولة دون وقوعها إن أمكن ذلك وعبر العلاج بكل ما يحمله من تخفيف لوطأة الأضرار ومنع تفاقمها ومعاقبة مرتكبيها لضمان عدم تكرارها ما أمكن .

و يريد الإعلاميون نشر الحقائق مدعمة بالبراهين وإجراء نقاش حولها لتجميع الأفكار ثم خلق رأي عام حولها ودفع الهيئات الحكومية للعمل وتعزيز دور الرقابة الأهلية والمساهمة في إصدار التشريعات والدفاع عن الحريات ومساندة الضعفاء والمنتهكة حقوقهم .

ولكن نجاح الأعلام في ذلك  ليس رهنا بمهنيته فقط  بل بمنظومة الأمن والسياسة والاقتصاد والأحوال الاجتماعية فهو يتأثر بها وتتفاعل معها، ولا يستطيع أن يتطور بمعزل عنها فقوة تأثير وسائل الإعلام في المجتمع تستمد من المصداقية وهو ما يحتاج إلى مصادر معلومات موثوقة يستطيع توفيرها لأن حجب الأخبار يؤدي إلى ظهور الشائعات والى تبنيها من قبل الجمهور والى تعقيد مهمة تفنيدها فيما بعد.

يقوم الإعلام بمهمات مجتمعية وقائية وعلاجية تهدف إلى توافق المجتمع ووحدته وتجانسه في كتلة واحدة تواجه الأخطار المتربصة بأمن المجتمع واستقراره وعلى رجل الإعلام أن يدمج هذه السياسة في خطط تنموية هادفة إلى تعميق الشعور بالانتماء وبالمواطنة ( 1 )

فجمهور البرامج الإذاعية وأساليب وطرق مخاطبته مفردة ينبغي التوقف عندها فإذا ما تفحصنا ما يقدمه الزملاء سواء  من حيث المادة أو الإلقاء أو النطق نجد أنفسنا أحيانا  أمام أخطاء لغوية شديدة الوضوح مما يعكس نفسه على المتلقي خاصة وأننا جميعا ندرك  أن البث الإذاعي  لإذاعة المكلا يصل إلى مساحات كبيرة وشرائح مجتمعية  واسعة من حملة الدكتوراه وأساتذة الجامعات إلى العمال البسطاء وربات البيوت ولنا أن نتخيل هذا الكم الهائل من المستمعين  وكيف يتلقون الحوارات الإذاعية والندوات والمناقشات و برامج المنوعات وإذا ما زدنا على ذلك إن البث يتجاوز فضاء حضرموت واليمن  الى عوالم لانهائية على شبكة الانترنت ،

 

هنا تأتي أهمية توصيف البرامج الإذاعية لإذاعة المكلا حيث يجب ان تعكس ثقافة حضرموت وتاريخها وارثها الثقافي وخصائص مجتمعها بروح العصر والتطلع الى دور ريادي بأصالة الماضي ومعاصرة الحاضر وامل المستقبل وذلك بالتركيز على العناصر التي تتكون منها البرامج الإذاعية والمحتوى الذي تقدمه البرامج الإذاعية والسياسة الإعلامية التي تعكسها البرامج الإذاعية والرسالة التي نريد إيصالها إلى المستمع من كل برنامج  ثم الذهنية التي يراد رسمها للمتلقي

 وأما بالنسبة للقائمين بالاتصال في البرامج الإذاعية  المعدين والمقدمين فعلينا ان نحدد سماتهم وخصائصهم وما يعوقهم  ويمكن هنا ان نقول ان معظم منفذي البرامج ومخرجيها يتمتعون بحس رائع من خلال الفواصل الموسيقية والكليشات البرامجية والشارات والفلاشات خاصة المصاحبة لمواجيز الأخبار والأخبار الرياضية ولو كان الصوت بمستوى الإخراج لكنت تستمع إلى إذاعة بلغت شأوا من التقدم والرقي لكن اللحن الواضح يعيدك إلى حالة من الحسرة والألم لما تتلقاه لغة الضاد .

فمهمة الإعلام المسموع اشد صعوبة وعسرا وأكثر تعرضا لمزالق الأخطاء وآية ذلك إن الإعلام المسموع كاشف لعيوب النطق من حيث خشة الحنجرة أو حبسة او تاتاة في الكلام كما انه أيضا فاضح للأخطاء ، وبكلمة واحدة انه امتحان دائم وعسير للمذيع  ( 2 )

فباللغة عرفت المجتمعات دينها وصوبت أو كونت عقائدها وقد كان للقران الكريم إشارة رائعة وذك في قوله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ... الآية ) فلا رسالة بدون لغة ولا عقيدة أو إصلاحا دينيا بدون هذه الوسيلة الخطيرة . (3)

ولكي نصل إلى تقويم جيد لما نقدم نسال أنفسنا :  

  - هل يستمع كل منا إلى نفسه من خلال تسجيل ما يقدمه خاصة البث المباشر  ؟

  - هل لكل منا إذاعة مفضلة يحاول أن يستمع إليها ليتعلم منها ؟

  - هل نفرق بين نبرة الصوت في نشرة الأخبار أو البيان الهام ؟ والبرامج الخفيفة والمنوعة ؟

  - هل لنا مراجعات لغوية بين الفينة والأخرى لتجاوز اللحن ؟

  - هل يقوم الفرد منا بتقويم برامجه ؟

  - هل نستمع للنقد بهدف التعلم والاستفادة ؟

  هل نطمح للتطور ومغادرة مربعنا الحالي إلى أفق أرحب ؟

وتقويم البرامج يحتاج إلى اخذ عينة منها  ووضعها تحت مجموعة من الضوابط الإذاعية ومنحها لكل مفردة درجة حينها يتبن لنا مدى نجاح هذا البرنامج أو إخفاقه وماهية نقاط قوته وأيضا نقاط ضعفه .

ويمكننا بكل فخر أن نقول إن إذاعة المكلا اليوم تشكل مدرسة لكثير من إعلاميي حضرموت وتشكل نافذة للتواصل ومحطة هامة في حياة معظم أبنائها من خلال برامجها المختلفة ومن خلال مساحات التواصل مع المستمعين

         (1) الإعلام صناعة الحياة   -    عماد الأصفر -2009م

         ( 2) واقع اللغة العربية في الإعلام المرئي والمسموع – د :عمر الدقاق –متابعات إعلامية 1999م

         (3 ) علاقة اللغة بوسائل الاتصال : د يحي علوان حسون

جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا قسم الإعلام والصحافة

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص