نصائح في إدارة السلطات" من الأوراق السياسية المجهولة "

حضرموت اليوم / سيئون / بقلم : الاستاذ / محمد علي باحميد

وقع في يدي وأنا أقلّب أوراقاً في ملف رسمي مرت عليه عقود طويلة نص لخطاب مترجم ألقاه – على ما أعتقد – المندوب السامي البريطاني في مؤتمر أقيم بحضرموت في عقد الخمسينيات ، حضره السلطان الحسين بن علي  الكثيري سلطان الدولة الكثيرية (1) والسلطان ناصر بن محسن سلطان سلطنة الواحدي ، وسعادة القدال سعيد القدال الذي كان يتولى منصب وزير السلطنة القعيطية يومها (2) وجمْع من مديري مرافق السلطنات الثلاث والأمراء والوجهاء والأعيان .

 

ولقد شد انتباهي واستحوذ عليّ ما جاء في محتوى ذلك الخطاب وهو الموقف المشرّف الذي ينتزع الإعجاب من المسئولية وتبعاتها ، ومن يتحمل أعبائها ، ويتحمل أمور الناس وقضاياهم .

 

فهو قد مس مساً مباشراً ، ووخز وخز الإبرة التي تشد انتباه الذاهل في الكثير من مسائل الوطن والوطنية ، والفساد في الإدارة والحكم ، كما شخص وعالج الأمراض التي تنخر عادة في مؤسسات ومصالح الدولة كعدم الجد في العمل والكفاءة ، وفساد الأخلاق ، وأنواع الظلم ، وعدم الاستماع إلى المرؤوسين والتعايش معهم .

وبما أننا قد خرجنا للتو من خضم وزخم الحملة الانتخابية وإعلان نتائجها على مقعد رئاسة الجمهورية ، ومقاعد المجالس المحلية للمحافظات والمديريات ، أراها فرصة مواتية للكشف عن تلك النصائح وتقديمها كما وردت في ذلك الخطاب لكل أولئك الذين حالفهم النجاح والفوز بتلك المقاعد التي لا شك أنهم يدركون أن لها إغراء وإغواء ، وأن للمنصب والسلطة مغريات ونفوذ وجاه ومال ، ليجعلوا منها نبراساً يضيء لهم طريق البدء في مباشرة أعمالهم (3)

 

فالوطن والحمد لله ليس فقيراً كما يُدعى ، أو يخلو من الإمكانيات والقدوة الحسنة ، بل الحقيقة التي يـجب مواجهتها أن الوطن تُساء إدارته ، وتدمر مؤسساته ، وتبدد ثرواته فالسلطة المتجبرة غالباً ما تتسبب في إفقار الأوطان وتخلفها .

 

لقد جاء في ذلك الخطاب :

( ... إنكم لفي أول الشوط ، كما وأنكم في طور لو أردتم أن يكون كيانكم ثابتاً لا يؤثر عليه الزمن والظروف ، يـجب عليكم أن يكون تقدمكم خاضعاً للحكمة القائلة : « في التأني السلامة » لا تحاولوا الإسراع بل تأكدوا من أن أساس بنائكم يمتاز بطابع

     المتانة قبل أن تستمروا في البناء .

 

لا تظنوا أنني أشير إلى الظواهر المادية للإدارات : كالمكاتب والماليات والمستشفيات والمدارس والبلديات والبنايات العامة الأخرى – كلا – هذه البنايات هي الهياكل المادية المهمة ، ولكن أهم من ذلك كله أو حجر الأساس ، أو قطب الرحى لأي إدارة هو وضع تقليد صحيح والمحافظة على ذلك التقليد .

يمكنك أن تخلق كياناً إدارياً مدهشاً ، وكياناً اجتماعياً ممتازاً يفوق كل النظم الموجودة في العالم ، ولكن كل هذه المنظمات تصير عديمة الفائدة إذا كان موظفوك فاسدين ، ومدرسوك غير أكفاء ، وأطباؤك تعوزهم الكفاءة والمقدرة ، فإذا كان لديك الموظفون الإداريون المستقيمون الذين يعملون بجد ، ولديك المدرسون والأطباء الذين لديهم الكفاءة والخبرة إذا كان لديك كل ذلك فإنك في موقف تستطيع معه أن تعمل بدون تلك الإدارات الهائلة .

 

إن المبدأ الأساسي الذي أرجو أن يكون قد وضع هو النزاهة ، دع النزاهة والأمانة أن يكونا ديدن كل موظفيك ، وعليك أن تغرس هذه الروح فيهم منذ البداية ؛ لأنه إذا فعلت ذلك فسوف لا يكون هنالك ما يقلقك من ناحية الخدمات الإدارية ، إذا استطعت البدء بدون تفشي الرشوة ، وعدم المقدرة ، والمحسوبية ، فإنك قد قطعت شوطاً بعيداً في تكوين بنائك ؛ لأن عدم وجود هذه العناصر الهدامة أساس لقيام أية إدارة صالحة .

بكل أسف إن هذه المساوئ الثلاثة غالباً موجودة أكثر مما نريد وهنالك خدمات يعوق تقدمها وجود الموظفين الذين يرتشون ، والذين يعيّنون أقاربهم في الوظائف التي ليسوا لها ، ولا شيء نصّبهم فيها غير قرابتهم لذلك الموظف .

 

إنني أحذركم بكل جد أن لا تتركوا مجالاً لحصولها ، إن النقطة الأساسية هي تأكدكم أن موظفيكم نزهاء وقديرين . ثانياً : ينبغي أن لا تتكرر نفس الغلطات التي ارتكبت في أماكن أخرى ، كما يـجب عليك أن ترسم خطة ظاهرة واضحة لتدعيم إدارتك قبل أن تبدأ في أي عمل ، إنكم لأبرع الموظفين إذا كنتم لديكم الخبرة وإلا فإنكم محتاجون إلى النصح من وقت لآخر وإن الذين تعوزهم التجارب ربما احتاجوا إلى النصح .

 

لا تتردد في طلب النصح من أي شخص لديه خبرة وتجارب ومؤهلات أكثر منك ؛ لأنه ليس عيباً أن تطلب النصح ، إنك لست مقيداً بإتباع النصائح التي تعطى إليك ، ولكن هذه النصائح ستساعدك على اتخاذ قرار .

لا تقل لنفسك أنك بلغت من العمر ولبست من التجارب ما يـجعلني أشتغل بدون معونة ، ليس هناك أي شخص مهما كان عمره وتجاربه غير محتاج لنصائح ذوي الخبرة والذكاء . فمن خلال خبرتي الشخصية هناك إدارات كثيرة فشلت في أداء مهامها فقط بالغرور واستيراد صغار الموظفين .

 

لا تنس أنك لم تعيّن في وظيفتك بقدرة إلهية ، ولكن قد تعينت بواسطة الحاكم لكي تخدم الجمهور ، في الحقيقة إنك خادم الجمهور ، ويعني ذلك أنك الشخص الذي ينبغي أن تخدم الجمهور ، إنك جئت لكي تقدم لهم كل المساعدات التي في مقدورك إعطاؤها ، إنهم دائماً ينتظرون مساعدتك لا تنتظر الشكر منهم لأنك سوف لا تجده إلا في مناسبة أو مناسبتين في كل سنوات خدمتك التي ربما تربو على الثلاثين سنة ، فبالرغم من هذا فإنك تشعر براحة الضمير عندما تعمل لصالح الشعب وتعمل في تحسين أحواله ، إنني لا أظن أن هناك أي وظيفة تُقيم لصاحبها رضى أكثر من الخدمة الاجتماعية العامة .

 

أخيراً عندما تعالجون شئون الرعية لابد أن يكون ذلك بطريقة مهذبة وأن لا تألوا جهداً في معالجة مشاكل الطبقة الفقيرة بنفس الحماس الذي تعالجون به مشاكل الأغنياء ، إنهم جميعاً يستحقون مساعدتكم ، كما ليس من حقكم أن تقدّروا كمية المساعدة التي يستحقها منكم أي فرد من أفراد الجمهور ؛ لأن الجمهور الذي أنت خادمه مستحق للحد الأقصى من المساعدة التي في استطاعتك أن تقدمها ) .

هذا هو فحوى الخطاب الذي أكد على أن عماد المسئولية هو المعرفة ، كما حث على أن توجه كل الطاقات وكل الجهود من أجل خدمة الوطن والمواطن .

 

إن إصلاح أمورنا يـجب أن يكون عن طريق تعاليم ديننا فهي الأيسر والأسهل ، ولكن ليس يمنعنا ذلك من الاستفادة من تجارب الأمم والحضارات التي سبقتنا تقدماً وتطوراً في مختلف الميادين ، فالرسول يقول : ( الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها ) رواه الترمذي عن أبي هريرة .

 

الهوامش

________

 

1) الحسين بن علي الكثيري كانت فترة حكمه من عام ( 1948 – 1967 ) ثم تمت تنحيته بعد استيلاء الجبهة القومية على سيئون عاصمة السلطنة الكثيرية في 2 / أكتوبر / 1967م وتوفي بالمملكة العربية السعودية بجدة ، ودفن بمكة المكرمة عام 1976م .

2) كان القدال سعيد القدال وزيراً للسلطنة القعيطية في عهد السلطان صالح بن غالب بن عوض القعيطي من عام ( 1950 – 1957 ) ثم عاد إلى وطنه السودان وتوفي هناك عام 1975م .

3) كتب هذا المقال عقب الانتخابات الرئاسية والمحلية 2006م .

 

الصور :

 

الصورة الرئيسية لمجلس السكرتارية للسلطنة الكثيرية -  مجلة العربي العدد (81)

الصورة الفردية للسلطان حسين بن علي الكثيري

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص