كتاب تحت الطبع للأستاذ / محمد بشير من حوالي300 صفحة

رجل الحوار  : منهجية واقتدار

 يبدأ الكتاب  بـ :

 الإهداء

         إلى كل من رضي الحوار ثقافة وطريقاً لحل المشكلات الشخصية والأسرية ، والمشكلات المجتمعية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية كتبتُ هذه المذكرات سجلت فيها معاني الحوار المشروع وضوابطه ، والفرق بينه وبين الجدال المذموم . شخَّصت قيم الحوار وآداب ومواصفات رجاله ، وضربت الأمثلة من القرءان وهدي ولد عدنانصلى الله عليه وسلموصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان .

        واعتذر ابتداءً عن أية هفوة أو خطأٍ فالموضوع لا يزال يحتاج إلى مراجعة لغوية وإملائية ، ذلك أن فرقاء العمل السياسي في بلدي اليمن تنادوا إلى حوار وطني بعد أن استفحلت قضايانا وتدهور اقتصادنا ودخلنا معاً النفق المظلم وعيّن كل فريق ممثليه لذلك الحوار كدليل على جدية بدء الخطوات العملية لذلك .

        ولأننا أصحاب مرجعية واحدة يحكمنا دستور ينطلق من القرءان الكريم والسنة والمطهرة . وكل حوار بين فرقاء متشاكسون متنازعون غالبا يؤتي ثماره متى ما صدقت النوايا وأخلص القصد لله الرحمن وقدِّمت المصلحة العليا للوطن وكانت أجواء الحوار مفعمة بالإيمان ، وجعلوا من هدي حوار أصحاب السقيفة يوم وفاة النبي محمدصلى الله عليه وسلمديدنا لهم ونبراسا .

      أسأل الله العلي القدير أن يجعل اجتماعهم اجتماعا مرحوما ومن وسعيهم مشكورا ، والله من وراء القصد وآخر دعوانا أن : (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

  يتناول المؤلف في هذا الكتاب الذي تمنى كاتبه أن يرى النور قبل مؤتمر الحوار الوطني لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن :

 فبعد المقدمة كان هذا التمهيد :  

الإنصات لرواية القرءان وحوار الأنبياء مع أممهم لأخرج منها بالتعرف عن قرب على مقومات وخصائص ومؤهلات ، بل ومنهجية الحوار اللازمة للمسلم المعاصر الملتزم فقد تعارف الناس على أن التاريخ يعيد نفسه وقضايا الحوار تتكرر وإن اختلفت الصورة ، لهذا ففهم الرواية القرآنية لتلك القصص صارت ملحة في عصرنا لكل محاور فندبت نفسي لتقديم هذا الجهد الذي لن أستوفي فيه كل الصور والأمثلة ولكنني سأكتفي ببعضها وسأستعين بالسنة النبوية والتاريخ وسير بعض شخصيات الحوار الإسلامية التي أدارت حوارا هادفا ورصينا أخذا وعطاء وبتجرد بهدف الوصول إلى الحق ، وتمتعت بتلك المقومات والخصائص أقدمها من خلال هذا الجهد المتواضع ، ولكنني سأبدأ بهذه المقدمة الموجزة بين يديه ملخصة في نقاط رئيسية على النحو التالي :

          موضوع البحث وأهمــــيته : 

   الحوار : والحوار على مدار التاريخ ذو أهمية بالغة ، في الدعوات الربانية ، وللأفكار الشيطانية على حد سوى ، فهو أحسن آلية من آليات التفاعل والتقليل من أسباب التوتر وأفضل وسيلة لإشاعة أجواء التفاهم الذي يبني جسور التعارف وتصحيح نظرات سوء الظن  والرؤى المغلوطة والأحكام المسبقة وبالتالي يؤدي إلى التعايش السلمي ثم التعاون وتحقيق المصالح المشتركة، اقتصر فيما مضى على النخبة والصفوة ومؤسساتها الثقافية والعلمية .

  لكنه اكتسب في عصرنا الراهن بسبب ما يواجه المجتمع الإنساني من تحديات مشتركة أهمية بالغة لم يعرف لها التاريخ مثيل حيث صار ثقافة شعبية في المؤتمرات والندوات والحلقات التي تعقد له وتتناقلها بعد ذلك الفضائيات فاتحة حوارا حول مضمونها فيدلي العامة فيها بدورهم معلقين ناقدين ومستدركين ومعقبين من يفهم منهم ومن لا يفهم ، وركب موجهته أناس تباينت أفكارهم واختلفت مشاربهم وتنوعت أهدافهم وغاياتهم .  

لقد صار الحوار منشطا إنسانيا لا تستقر حياة سليمة دونه ، وفُتحت العديد من المواقع والنوافذ والغرف للدردشة على الإنترنت ، فاحتجنا إلى أن نتقن لغة الاتصال وأساليب الحوار ، إن غرف الدردشة في الأنترنت قد انتقلت بالحوار من أن يظل نخبويا إلى الشعوب وأفراد عامة الأمة والأمم فصار متاحا لمن أراد عبر ما تقوم به المدونات والفيس بوك واليوتيوب وكل ما يساعد في تحقيق التفاهم ويشجع على التخاطب بين الأمم والثقافات والحضارات والعقائد ، فكانت تلك المدونات من أخصب المجالات التي تستقطب الشباب ، لكن من كانت بضاعته منهم قليلة وقدراته ضعيفه ومهاراته لا تؤهله يقع في شراك الأشرار فاحتاج الأمر إلى تأهيل الأمة كلها للتبليغ ففي الحديث:( بلغوا عني ولو آية ) [رواه البخاري وانظر فتح الباري 3461] وتبصيرها إلى السلاح الذي ينبغي أن تتزود به لمواجهة تكاليف التبليغ من قدرات ومهارات الاتصال ، فمجالات الدعوة والتبليغ في عصرنا متاحة شريطة أن تتسلح بالإيمان وكثرة الاستغفار والإطلاع العميق على الثقافة الإسلامية والاعتذار عن كل ما تجهله بأدب الإسلام : ( الله أعلم  ) ، والحذر من تشكيك الآخرين ، إلى جانب التسلح بمقومات رجل الحوار المتميز وخصائصه ومهاراته وأدب الحوار ، ولنعلم أن كل كلمة طيبة صدقة وكل حوار مفيد بناء دعوة تثاب عليها .

   أمر آخر فقد زخرت المكتبات الإسلامية المسموعة والمرئية والمقروءة مؤخرا هي الأخرى بجدل واسع ، وردَّ بعض الدعاة أو الجماعات على بعض ، وردَّت كتب على أخرى ، ورافق ذلك أحيانا سؤ أدب وتجريح وتسفيه وتفسق ، وعلى كل ما فيها من عيوب إلا أنها أثرتْ الثقافة الشعبية والحركة العلمية بحثا وتأصيلا ، ثم نقاشا وجدالا يحتاج إلى ضوابط وتقعيد آداب ومعرفة بالمعوقات والتخلق بمقومات وخصائص رجال الحوار الأفذاذ حتى تُعطي العملية أكلها المرجوة .

   إن أهمية الحوار تكمن في أنه وسيلة تفاهم بين البشر يستهدف التعاون على الخير والبر والفضيلة والتقوى وغيرها من ركائز الفطرة الإنسانية ، فالبشرية اليوم رغم تقدمها العلمي تعاني من ضعف أو ضياع القيم ، والتباس المفاهيم ، وتفشي الجرائم العابرة للقارات ، وتنامي الإرهاب الدولي وتبادل العنف ، وقضايا تفكك الأسرة ، وإنهاك المخدرات لعقول الشبيبة والإيدز لأبدانها وصحتها ، إلى جانب التظالم الاجتماعي الذي يمارسه الأقوياء على الفقراء ، وسعي الأقوياء للهيمنة ونهب مقدرات وخيرات الشعوب الضعيفة ، ومؤامرات الكبار للإطاحة بالتجمعات البشرية في القارات الأخرى لتوفير ملاذ آمن لهم مستقبلا  عند حلول النكبات بهم ، والإخلال بالبيئة الذي أدى إلى تلوثها ، وانتشار الأوبئة ، والنزاعات العنصرية ، والترويج للفوضى والانحلال والدعوة إلى نظرية صراع الحضارات والثقافات ، بل وفلتان الأمن والسلام ، وانتشار أسلحة الدمار الشامل . ولاعتقادي أننا لن نهزم : الكراهية إلا بالتسامح ، ولا الرذيلة إلا بنشر الفضيلة ، ولا الظلم إلا بالعدل ولا الصراع والاحتراب إلا بنشر قيم وثقافة السلم ، ولا العنصرية إلا بالأخوة الإنسانية ، ولن يتحقق كل ذلك بشكل كافي إلا بتعزيز القيم المشتركة التي تنبذ الخيانة وتنفِّر من الجريمة وتحتقر الكذب وتؤسس لمكارم الأخلاق ، وإشاعة أجواء الحوار وثقافته ، وتكوين قناعات وتأسيس علاقات قائمة عليه ، ومد جسور التواصل النفسي القائمة على التواصل والتفاهم والتعارف والتعاطي والتعايش الإنساني الذي لا يحمل توجها سياسيا معينا ولا يتبنى إيديولوجية محددة في دائرة التنوع والتعدد وسنن التدافع التي تحقق التوازن ، نذرت نفسي لهذه المهمة ، لذلك كان هذا البحث الذي بين أيدكم . 

:منهجية البحث 

    اخترت للبحث : المنهج التاريخي الوصفي : من خلال جمع معلومات تاريخية من مصادرها وترتيبها وتنظيمها .

 والمنهج التحليلي : من خلال جمع جزئيات متفرقة ، ربطتُ بينها مكونا منها مسائل متكاملة .

         أهـــداف البــحث :

  1ـ تنمية قدراتنا ومهاراتنا الحوارية من خلال التعرف على تجارب بعض المحاورين .

  2ـ الكشف عن وسائل وأساليب ونماذج حوارية متميزة تلائم عصرنا .

  3ـ تحسين أدائنا الاتصالي الشفوي بشكل عام .

  4ـ تكوين اتجاه ميل عقلي ووجداني لأهمية الحوار وضرورته .

   5ـ دعم ثقافة الحوار واعتماد مبدأه منهاجا للتواصل بين الأفراد وحل المشكلات والنزاعات في مجتمعاتنا. 

  6ـ اعتماد الحوار وسيلة لتربية الأفراد وأداة للدعوة والإصلاح لأوضاعنا . 

 7ـ تعميق روح الالتزام بآداب الحوار وفنونه . 

  8ـ غرس روح الثقة في نفوس الأبناء وإبراز كيانهم المستقل وتعزيز مكانتهم وإثبات جدارتهم من خلال إدراك أهمية الحوار الجاد والبنَّاء معهم بما يتناسب مع قدراتهم وإعطائهم فرصة الانتصار بين حين وآخر  

      أهـــم مــــصادره :

   نماذج من الحوار في القرءان الكريم بمساراته الثلاثة :  حوار مع الذات لتوافق القناعات الفطرة ، أو مع إخوانه المسلمين من حوله ، أو مع الآخر ، وكلها تعين على رسم سمات المنهجية لرجل الحوار الرباني المسلم والقدرات اللازمة له .

 فالمتدبر للقرآن الكريم  يجده زاخرا بأنواع متعددة من أساليب الحوار القائمة على الطيِّب من القول والدعوة بالتي هي أحسن والوصول إلى الآخر من خلال أرقى ما عرفه العقل البشري من القيم والمبادئ والمثل الهادفة إلى تقوية نوازع الخير والصلاح والإحسان والعدل وغيرها من الأخلاق الفاضلة وكل ما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته .

ومع الاستعانة : بالتفاسير المتاحة ، والسنة النبوية والسيرة ، وسير وتراجم بعض مشاهير الحوار في التاريخ الإسلامي قديما وحديثا تتضح الرؤية . وقد استعنت إلى جانب ذلك بالكتب التالية :

1)         التعددية الفكرية والحوار في المجتمع المسلم تأليف :  أ. د محمد عبد الغفار الشريف .

2)         فنون الحوار تأليف : محمد راشد ديماس .

3)         ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة تأليف : عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني . 

4)         إدارة وتوظيف الخلاف في وجهات النظر تأليف : محمد أحمد عبد الجواد

5)         أعداد من مجلة المجتمع والوعي الإسلامي الكويتيتين وأعداد من مجلة الرابطة التي تصدرها رابطة العالم الإسلامي ومجلة الجسور السعودية . 

          خــــطــة البــــــحث :

يقدم هذا البحث  أبرز مقومات وخصائص رجل الحوار ومنهجيته العلمية والعملية ، الفكرية والخلقية يتضمنها : تمهيد ، و   أبواب ، وخاتمة

  أما التمهيد فيشمل : مدلولات أهم الألفاظ في البحث

  وأما الأبواب :

فالباب الأول : حــــقائق لا بد مــــنها بين يدي الــــحوار

ويشمل أربعة فصول هي :

الفصل الأول : ضوابط ترشيد الحوار  المستنبطة من :

1ـ قواعد وأصول قرآنية .

2ـ  قواعد وأصول نبوية .

3ـ حكم وأمثال عقلية مستفادة مما سبق .

الفصل الثاني : آداب الحوار التي هي كالشروط لحوار ناجح .

الفصل الثالث : أهداف الحوار .

الفصل الرابع  : معوقات الحوار .

الباب الثاني : ما يستفاد من الحوارات القرآنية وتطبيقاتها .

ويشمل ستة فصول وهي:

الفصل الأول:إشارة إلى التأصيل الشرعي للحوار والمناظرة والمجادلة .

الفصل الثاني : سمات المنهجية للمحاور الرباني .

الفصل الثالث:النظر للآخر من منطلق الاعتراف برأيه وكينونته المستقلة

الفصل الرابع  : تربية الناشئة منذ نعومة أظفارهم على الحوار .

الفصل الخامس : مقومات الحوار الناجح .

الفصل السادس : توظيف الحوار لقضايا الأمة الكبرى .

الفصل السادس : مبادئ مستفادة من تجارب الحوار المعاصر .

الباب الثالث : قدرات رجل الحوار .

ويشمل المهارات الأربع التي ينبغي أن يتقنها المحاور وهي :

1ـ صياغة الرسالة .

2ـ قراءة المستقبل وتحليله .

3ـ توصيل الرسالة .

4ـ  إدارة الوقت أو تنظيمه .

الباب الرابع : الخاتمة .

ويشمل :

1ـ أهمية الحوار وثماره .

2ـ نتائج البحث والخلاصة :

إن حياتنا اليومية ، في هذا العالم الذي أصبح في ظل ثورة تقنية المعلومات والاتصال أشبه بالقرية الصغيرة الواحدة ، حوارا متنوعا ومستمرا لا ينقطع أبدا ، فالرجل في بيته في حوار مع زوجه وأولاده وسائر أفراد أسرته وهو مبدأ قرآني قال تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة233 .

 هذا الحوار الأسري صمام أمان لتماسك بنيان الأسرة وتمتين أواصر العلاقات بينها ، وحتى يؤتي مثل هذا الحوار ثماره توصي الكاتبة منى السعيد الشريف ، انظر موضوع لها بعنوان : لغة الحوار بين الزوجيين ( مجلة الوعي الإسلامي العدد480/ ص: 71) بعشر وصايا نقدمها بتصرف وهي الوصية :

الأولى : أن يكون الزوج محور حياة الزوجة التي تدور حياتها حوله مما يجعل مساحة الحوار تزداد .

 الثانية : لغة الحوار تكون داخل نطاق الحب ، فالزوج لا بد أن يكون ودودا ويعكس روح طيبة سمحة حتى في أشد الأوقات عصبية وثورة وغضبا ، فالزواج مودة ورحمة .

  الثالثة :إطهار إعجاب كل بصاحبه وترجمة ذلك إلى كلمات .

 الرابعة :أن يسعد كلا بجانب الآخر ويكون ذلك بالمرح والكلمة الطيبة .

 الخامسة : فصل الأحاسيس بينهما عن حياتهما الاقتصادية فلا يكون كل شيء في العلاقات مدفوع الثمن .

 السادسة : أن يكونا معا اليد في اليد ، والنفس في النفس ، ممتزجان طوال الوقت بما يولد الحنان الجارف المستمر ، والتوق المتجدد الدائم .

 السابعة : كلمة الطلاق لا تقل بشاعة عن كلمة الموت ، فالانفصال موت ، والموت انفصال ، فتجنبهما.

 الثامنة : كل منهما يتق الله في الآخر ، ففي الحديث خطاب للرجل قالصلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا ) وخطاب للمرأة قال(حسن تبعل المرأة لزوجها يعادل الجهاد في سبيل الله)

 التاسعة : لا بد أن يحارب الزوجان الأفكار السلبية في الحياة الاجتماعية .

 العاشرة : ارسما خطة معاملة أهاليكم بدبلوماسية . 

   والمرأة في حوار مع صويحباتها وجاراتها وحديث أم زرع يريك نموذجا للحوار اليومي الذي تشهد مجالس النساء مع فارق اللغة والوصف وبراعة الحديث (أنظر صحيح البخاري كتاب النكاح: باب حسن المعاشرة مع الأهل ، ومسلم ) فعن  عائشة  قالت : جلس إحدى عشرة امرأة ، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً.

    قالت الأولى : زوجي لحم جمل غث ( قال أهل الشرح : المهزول )، على رأس جبل : لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل.

   قالت الثانية : زوجي لا أبث خبره ( لا أنشره وأشيعه ) ، إني أخاف أن لا أذره ، إن أذكره أذكر عجره وبجره ( عيوبه)

   قالت الثالثة : زوجي العشنق (الطويل – والمقصود طول بلا نفع ) ، إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق .  

  قالت الرابعة : زوجي كليل تهامة ( مدح بليغ – والمقصود ليس فيه أذى بل هو راح ولذاذة عيش كليل تهامة ) ، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة .  

  قالت الخامسة : زوجي إن دخل فهد ( وهو مدح أيضا ، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي )، وإن خرج أسد(وصف بالشجاعة)  ، ولا يسأل عما عهد .   

 قالت السادسة : زوجي إن أكل لف (اللف في الطعام الإكثار منه مع تخليط صنوفه حتى لا يبقي منه شيئا) ، وإن شرب أشتف (استوعب جميع ما في الإناء) ، وإن اضطجع التفَّ ، ولا يولج الكفَّ ليعلم البثّ .   

  قالت السابعة : زوجي غياياء ، أو عياياء (العنين الذي لا يلقح ، وقيل الغبي الأحمق) ، طباقاء ، كل داء له داء ، شجَّك (جرحك في رأسك) أو فلك (الفلُّ : الكسر والضرب ، وقيل الخصومة ) أو جمع كلاًّ لك .    

 قالت الثامنة : زوجي المسُّ مس أرنب ، والريحُ ريح زرنب (نوع من الطيب معروف، قيل أرادت طيب ريح جسده وقيل : ريح ثيابه في الناس)    

 قالت التاسعة : زوجي رفيع العماد ( بيته رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه) ، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد .   

 قالت العاشرة : زوجي مالك ، وما مالك (له أبل كثيرة باركة بفنائه ، إذا نزل به الضيفان يقريهم من ألبانها ولحومها ) ، مالك خير من ذلك ، له إبل كثيرات المبارك ، قليلات المسارح ، وإذا سمعن صوت المزِهر (المعازف) ، أيقن أنهن هوالك ( منحورات)

  قالت الحادية عشرة : زوجي  أبو زرع  ، فما  أبو زرع  ، أَنَاسَ ( النوس : الحركة من كل شيء متدل) من حليِّ أذني ، ومَلَأَ من شحمٍ عضُدي ، وبجحني فبجِحت إلي نفسي (فرحني ففرحت ، أو عظّمني فعظمت عند نفسي) ، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس (الذي يدوس الزرع) ومُنَقٍّ (الذي ينق الحب من تبنه ، أي أنه صاحب زرع) ، فعنده أقول فلا أقبَّح، وأرقد فأتصبح ، وأشرب فأتقنَّح ، أم  أبي زرع  ، فما أم  أبي زرع  ، عكومها  (أوعيتها التي فيها الأطعمه) رداح، وبيتها فساح. ابن  أبي زرع  ، فما ابن  أبي زرع  ، مضجعه كمسل شطبة (مما يمدح به الرجال : خفيف اللحم ، والشطبة ما شقّ من سعف النخيل)، ويشبعه ذراع الجفرة (أنثى الماعز ، أي قليل الأكل ، والعرب تمدح به) . بنت  أبي زرع  ، فما بنت  أبي زرع  ، طوع أبيها، وطوع أمها، وملءُ كسائها ، وغيظ جارتها ، جارية  أبي زرع  ، فما جارية  أبي زرع  ، لا تبث حديثنا تبثيثاً (لا تشيعه وتظهره ، بل تكتمه)، ولا تنقث مِيرَتنا ( الطعام المجلوب) تنقيثاً ( فهي لا تفسده ، لا تفرقه ولا تذهب به ، فوصفتها بالأمانة)، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً.

    قالت : خرج  أبو زرع  والأوطاب تمخض ، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين ، يلعبان من تحت خصرها برمانتين ، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خطباً ، وأراح علي نعماً ثرياً، وأعطاني من كل رائحة زوجاً، وقال : كلي  أم زرع  ، وميري أهلك ، قالت : فلو جمعت كل شيء أعطانيه،ما بلغ أصغر آنية  أبي زرع . 

   قالت  عائشة  : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كنت لك  كأبي زرع   لأم زرع) ( معاني الكلمات بتصرف من موسوعة نظرة النعيم 10/4677-4679) 

    وبين زملاء العمل في المرفق والمؤسسة والمنظمة والمعمل والمتجر حوار يبلغ أحيانا حد الإسراف وتضييع الوقت حتى صارنا نشاهد من يكتب على طاولته : إذا لم يكن لديك عمل فدع الآخرين يعملون ، وأصبح الحوار من مواصفات المدير الديمقراطي إذ تشهد المؤسسات الناجحة حوارا لا يكاد ينقطع بين القادة والمدراء وصناع القرار وفرق العمل.  وفي المدرسة بين المعلمين في مكاتبهم حوار وبينهم وبين تلاميذهم وطلابهم في الصفوف حوار يستخدمه المعلمون الناجحون في العملية التعليمية التعلمية .

 كما أن الحوار عبر التاريخ كان من ركائز الدعاة والمصلحين وقادة الحركات الديمقراطية والمجددون .

  بل إن المذاهب الأربعة في الفقه الإسلامي ما لقيت هذا القبول على امتداد الساحة الإسلامية إلا لأن أصحابها بعد إخلاص وجهتهم لله قد أشبعوها بحثا وخدمة وإعمال رأي فهذا

  والحوار من مقومات كل مجتمع في المناسبات والاجتماعات فلا تكاد تجد مائدة بسطت أو وليمة أقيمت أو اجتماع قام أو جلسة  عقدت إلا والجميع يتحاورون في قضايا الساعة أو الأحداث الساخنة .

  ثم دعوات الحوار اليوم بلغت ذروتها بين التجمعات والجماعات والمجتمعات ، بل وبين الشعوب والثقافات والحضارات في عالم يحاول فيه القوي فرض ثقافته وسلوكه وحضارته وسلطته وسلطانه بالمنطق أو القوة على المستضعفين خاصة .

 وذلك لا يمثل اكتشافا حديثا ولا يضيف لمعلوماتنا كمسلمين جديدا، فالإسلام دين حوار وتعارف واعتراف بالآخر وتطوير للقواسم المشتركة بين الإنسان وأخيه ، وإيجاد السبل الكفيلة بتحقيق التعايش والأمن والسلام ، يرسم قواعد الحوار على أساس الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن .

 الحوار هو المبدأ الذي قامت عليه دعوات الأنبياء والرسل والمصلحين السائرين على دربهم ، الذين ينبغي لمسلم اليوم أن يقتفي أثرهم ويسير على هداهم : {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90 يقف وقفة تأمل أمام نماذج من محاوراتهم يستلهم منها الدروس والعبر،فقد وورد في القرءان نماذج منها ذلك الحوار :

 1ـ بين الله سبحانه وتعالى وملائكته من الأمثلة عليه شأن خلق آدم ، وأمر الله عز وجل لملائكته السجود له .

 2ـ الحوار الإلهي  مع الشيطان ، الذي أبرز حقيقة الثواب والعقاب ، والخير والشر ، والإيمان الكفر، وذلك عندما أمر إبليس بالسجود لآدم .

 3ـ وحوار الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء الذي أبرز حقيقة الإعجاز الإلهي في أكثر من موطن في القرءان ، من أمثلته الحوار مع إبراهيم عليه السلام المتشوف إلى كيفية الخلق.

 4ـ الحوار الإلهي مع عباد الله الصالحين وغيرهم الذي أبرز حقيقة العدل الإلهي : {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى }طه125-126 .

 5ـ حوار الأنبياء مع الناس الذي أبرز حقيقة التربية الربانية : {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }آل عمران181  .

 6ـ حوار الناس مع الناس الذي أبرز مكامن الخير والشر في النفس البشرية كالذي في سورة الكهف بين الجشع الذي أتاه الله جنتين وصاحبه المؤمن المحتسب .  

 وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أهمية الحوار والأهمية الخاصة لاحترافه وإنشاء جيل من المحترفين ، و من خلال جعل ثقافة الحوار أهم أهداف مناهجنا التعليمية التعلمية في كافة مستوياتها ومراحلها ، ومن خلال تعميم ثقافته في مجتمعاتنا الناهضة نحو إعادة عرض المشروع الحضاري الإسلامي في عالم هو بأمس الحاجة إليه لإنقاذه من التياهان الذي يعيش فيه والمستنقع الحضاري الغارق فيه ، لقد استيقظت البشرية من سباتها المخيف ولكن على الرعب الهيستيري في ألفيتها الثالثة كما يذكر د. مراد هوفمان المفكر المسلم الألماني ( في مجلة المجتمع الكويتية العدد 1710/56 ) ! فأمريكا رائدة النظام العالمي الجديد الذي تبشر به تنفق ثلث ميزانيتها على مواجهة  ما يسمى بالإرهاب فإلى أين سيصل بها شططها وصلفها وكبريائها ؟ والعالم بحاجة أن يسمع القرءان من جديد فهو السبيل الوحيد لشفائه من أمراضه وإنقاذه من نفسه ! فهو الحق وهو الصدق وفيه طريق الخلاص للبشرية المعذبة لولا أنه اليوم بأيدي محامين فاشلين كما ذكرت إحدى الألمانيات ذات مرة ، لا بد أن يتأهلوا من جديد ويعدوا أنفسهم مرة أخرى لحمل اللواء . لا بد أن نتقن فنون الحوار حتى نتمكن من تبليغ الدعوة للدين الحق إلى البشرية أجمع ونقيم الحجة على الإنسانية كافة ونكون بحق شهداء الله في أرضه وعلى كل أمم الأرض يوم القيامة بجدارة : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } البقرة143 فالمستقبل للإسلام هذه حقيقة لا جدال فيها تظافرت على تأكيدها النصوص المعصومة والواقع المنظور ، والشرف كل الشرف لمن يشارك في وضع أساساتها ، والخيبة والخسارة والخسران لمن يتخلف ويضعف أو يستكين أو يستسلم لمحاولات الأعداء في إجهاض مشروعها ، فالمطلوب من كل مسلم غيور أن : يصلح نفسه ويكمل نقصه الثقافي ليتأهل من خلاله أن يدعو غيره في زمن فتح فيه باب الحوار على مصراعيه عبر كل وسائل الاتصال المعاصر ، فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها ، فإن كان هذا الرجل قويا في الحق صادعا به آتاه الله منطقا وبيانا وجرأة كان هو المؤمن القوي وهو خير وأحب إلى الله وإن كان ضعيفا عاجزا عابدا طائعا لله لم تعدم الأمة دعوته فهو يدعو في صلاته : {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}الفاتحة6-7  قال ابن حجر رحمه الله: قال القفال – رحمه الله - في فتاويه : ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين ، لأن المصلي يقول : اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات ، ولا بد لأن يقول في التشهد : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فيكون – غير المصلي – مقصرا بخدمة الله ، وفي حق رسوله ، وفي حق نفسه ، وفي حق كافة المسلمين ، ولذلك عظمت المعصية بتركها ، واستنبط السبكي – رحمه الله – أن في الصلاة حقا للعباد مع حق الله ، وأن من تركها : أخل بحق جميع المؤمنين ، من مضى ومن يجيء إلى يوم القيامة ، لوجوب قوله فيها : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .. ( انظر فتح الباري 2/461)

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص