ذكرى معاقة

عيد ميلادها يستبشر أهاليها بقدومه ، ويتباهون بذكرى مولد الحسناء الجميلة التي طالما حلمت بها الأسرة السعيدة.

 منذ مولدها كان أهلها يتفاخرون بها ويرون ألا أحد في هذا الكون محظوظ مثلهم ورزق فاتنة مثلما رزقوا .

 تطفأ الشمعة الرابعة من عمرها بمالم يكن في الحسبان ، مايزيد عن الشهرين من العلاج والكي و بالكاد تخرج محبوبتهم الحسناء من عنق المحنة بعد أن تبرأ جانب من الأسرة عنها باعتبار روحها قد ارتقت وإن بقيت أشلاء جسدها الذي تمسّك به الجانب الآخر آملاً عودة الروح إليه ولو بعد حين .

 هذا الطرف المستمسك ببقايا الجسد لم ينتبه إلى ما أصابه من إعاقة دائمة كان بالإمكان تفاديها لو أخذ بنصح الحكيم .. مرّت الأيام .. يحتفل الحاضنون للجميلة المعاقة كل خمس سنين يتنقّلون بالشموع بين حيٍّ وآخر مبتهجين –لابذكرى ميلادها - ولكن بما تجود به عليهم أرض أسرتها العريقة من الخيرات.

 مع كل خمس يتناقص الملتفّون حولها من المخلصين الأوفياء كردة فعل على استحواذ أحد الجشعين على قربها في حين يتقرّب فئام من المرتزقة حول الكسيحة طمعاً في ثروة والدها الغني.

.. هكذا بدا لي مشهد الحلم الجميل ومعاناة الأسرة اليمنية التي طالما حلمت بوحدة الأرض والإنسان.

 يبالغ كثيراً من يزعم أن الوحدة ماتت مثلما يبالغ من يدّعي أنها معافاة سليمة .. أنا لا أرى إلا بقايا حسناء جميلة أخذت منها الإعاقة بمرورالزمن قوام الحياة .

في هذا المقام لا أبحث عن جمهور معجب من هذا الفريق أو ذاك بقدر ما أسعى جاهداً لتشخيص العلة ووصف الدواء الناجع الذي أتمنى أن تجد الحسناء

 به طريقها للخلاص وليكن ماكان.

 من المحزن أن يحتفل الفريقان كل عام بنفس المناسبة ولكن بمشاعر متناقضة ففي حين يدعو أحدهم بالسلامة وطول العمر يؤمّن الآخر بالوفاة.

 ولو مرحلنا عمر الوحدة لوجدناه ثلاث مراحل في كل مرحلة مراحل ومراحل..

 فالأولى : زمن الماضي بما فيه وقد أجمع الكل على ألا أحد عنه راضٍ.

والثانية : زمن الحاضر ، واتفق الأغلبية أنه أقرب للماضي منه للمستقبل خصوصاً و"الكل ينظر بعين طبعه" و" عين الرضاء عن كل عيبة كليلة ".

والثالثة : فهو المستقبل المجهول وهو موطن الخلاف والاختلاف .

فمن نظر بتجربة الماضي ومشاعر الحاضر فلن تجد عينه في المستقبل مبشرات للتفاؤل ، وحينها فمن حقّه أن يقيس ألا أمل إلا بدفن الأشلاء

وقراءة الفاتحة .

 ومن قرأ الماضي للعبرة وعاش الحاضر بالتفاؤل وربط القطر بالمحيط ربما يجد شيئاً من الأمل في أن يكون القادم أجمل خصوصاً إذا كان لايرى في غير هذا الخيار من أمل .

هكذا أنا أفسّر مواقف الفريقين ، فلا أحد عندي على حق مطلق وبهذا الفهم أتفهّم حتى المواقف المتشنجة مع أو ضد ابنتنا المسكينة.

مايحزّ في نفسي أن بعضاً ممن كانوا إلى الأمس القريب هم من يوقدون شموعالميلاد كل عام مبتهجين بل وقابضين ثمن الشموع والدموع نجدهم اليوم من يسكبون العبرات ويتباكون على موت الفتاة من عقود ..- سبحان الله- كيف عادت لهؤلاء أرواحهم قبل أن تعود الفتاة للحياة!.

 - أحدهم – كان يتهمنا بأننا أعداء الوحدة والديمقراطية وخصوم الزعيم حين رفعنا صوت المظالم وصرخنا " رئيس من أجل اليمن ،،لا يمن من أجل الرئيس" ..نجده – ذاته- اليوم قد أخذ لقب المناضل وأصبح في الطرف النقيض يكرر لنا نفس التهم ولكن لأننا لازالنا نطالب "برئيس من أجل اليمن ،، لا يمن من أجل الرئيس".

 بصراحة ..أنا أعيش هذه الأيام بمشاعر أخ المعاقة الذي لا يتمنى موتها في حين يعاني من طول بقائها معاقة .

 حين يبشرني أحدهم ويسرد لي حالات الشفاء المماثلة ويقرأ عندي بشائر الفرج القريب ،أكون على أتم استعداد لفدائها ولو تطّلّب الأمر نزع قلبي من بين جنبيّ لتعيش وأموت بعد أن ألقي نظرتي الأخيرة على أولى خطواتها .

 أما حين تتزعزع ثقتي فيمن يمسك بالمشرط ولا أجد من خطواته جديّة الحكيم الماهر ولا حرص الطبيب الحاذق ولا عجلة المحبّ الحريص ..أقول وبكل حزن عليها وعلينا السلام .

بقلم : عبدالرحمن بن غانم

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص