كتبتُ مقالاً في أحد المواقع الجنوبية الشهيرة عما حدث قبل فترة وجيزة عن مداهمة مقر للإصلاح في حضرموت فتفاجأت بشدة نبرة التعليقات التي تتهم الإصلاح بتهم شتى يندى لها الجبين وتدمع لها العين، ومع أن بقية مقالاتي سيّما الاجتماعية منها لا تحظى بأية تعليقات إلا فيما ندر، فإنني قد لاحظت أن المقالات المتعلقة بالإصلاح تحظى بتعليقات أقرب إلى الهجوم والتجريح والافتراء وجميعها متشابهة الأفكار والنبرة مما جعلني أعتقد أن هناك مطابخ إعلامية هجومية مهمتها تشويه الإصلاح وإلصاق التهم به أو أن هناك من الناس من قد غُسلت أدمغتهم ثم غُذّيت بالكره للإصلاح وقد ساهم في تلك المهمة قنوات كثيرة لعل أبرزها قناة ( عدن لايف ) التي توقفت قبل أيام، وأبواق المخلوع عفاش عليه من الله ما يستحق. نعلم جميعاً أن الإصلاح قد التزم الصمت والحكمة على طول مسيرته التاريخية حيال ما قيل فيه من إساءات، ولم يَرُد أو يحرص على الرد على إساءات المسيئين وتقولات المبطلين وتخرصاتهم بل كان حريصاً على العطاء والعمل، لأن من كان قوالاً لم يكن فعالاً، وتعلمنا منه هذه الدروس العظيمة فانشغلنا بما يرتقي بنا ولم نأبه للشائعات والمفتريات وإن كانت قاسية بعض الشيء، وإن أثّرت على فئامٍ من الناس خاصة ممن يأخذ المقولات على عواهنها دون التبين أو التأكد والتمحيص. من حيث المبدأ أعتقد أن كل ما قيل ويُقال عن الإصلاح هو محض كذب وافتراء، لأن الأيام سريعاً ما تأتي لتثبت العكس، ولئن كان القوم الإصلاحيون كما أسلفت لا يحرصون على الرد إلا أن عناية الله سبحانه وتعالى غالباً ما تقيض الأسباب لنقض تلك المفتريات وهي سنة أو عناية إلهية لاحظناها على الدوام ولا ينكرها إلا كل جاحد حقود. ما لاحظته من نبرة مستحدثة أو ربما قد تكون نغمة قديمة جديدة استرعت انتباهي شخصياً في هذا الوقت بالذات هي نعت الإصلاح بالحزب التكفيري، أضف إليها البهارات السابقة من اجتياح الجنوب عام 94م وإباحة قتل الجنوبيين بفتاوى ظالمة لبعض العلماء الأفاضل، مع أنني وأترابي ورغم صغر أعمارنا إبّان حرب الانفصال في التسعينات إلا أنني لم أسمع إلى اليوم تسجيلاً موثقاً أو وثيقة تثبت صحة ما يزعمون، مما أعطاني القناعة التامة ـ بعد البحث والتحقق بنفسي ـ بأن ما يُقال هو محض افتراء لا غير، وإلا فليأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين، وكم تمنيت وفي بعض الأحيان تحديت أن يأتيني أحدهم بتسجيل صحيح أو وثيقة حقيقية لا تقبل مجالاً للشك حتى أصدق مزاعمهم، ومما وثّق من قناعتي أن أمر الفتاوى التكفيرية التي افتُريت على الشيخ عبد المجيد الزنداني مؤخراً كما افتريت على الشيخ عبد الوهاب الديلمي فيما مضى قد أثبتت المحاكم بطلانها وأثبتت الحقائق أنها قد طُبخت في مطابخ الأعداء، فاعتبروا يا من تصدقون مثل هذه الترهات وابحثوا عن الحقيقة بأنفسكم ولا تكونوا مجرد أبواق أو ببغاوات تردد ما يُقال لها دون وعي أو إدراك. ما شدني كذلك قول بعضهم أن الإصلاح هو حزب شمالي، ولو رجع هؤلاء إلى أبجديات التاريخ لوجدوا أن امتدادات الإخوان المسلمون في عدن والإصلاح جزء منه لا ريب قد كان منذ زمن بعيد، فهل تنسى ذاكرتهم الشيخ بن سالم البيحاني والشيخ طرموم وغيرهم من القادة والمصلحين الذي كانوا سبباً بعد الله تعالى في بعث أنوار الصحوة في عدن حاضرة الأحرار وملهمة الثوار خاصة والجنوب عامة، وكان لهم كثير الفضل بعد المولى عزّ وجل في تربية الشباب والعلماء في معاهدهم ومدارسهم ومساجدهم التي أسسوها على تقوى من الله ورضوان، وهم الذين نالهم الضيم من الشيوعيين الماديين بل كان الماركسيون يخافونهم أشد الخوف لعلمهم أن تأثيرهم على الناس عظيم فخصوهم بأليم العذاب، وعاقبوهم على سلوكهم درب الرشاد، فمن العيب كل العيب أن نرى من يأتي اليوم وينكر كل ذلك ويزعم أن الإصلاح حزب شمالي، فأي تهافت لحجة ما يقولون، ولو علموا التاريخ حقاً ما قالوا هذا الهراء لكنهم جهلة بتاريخهم ونضالهم، جهلة برموزهم ومصلحيهم. ومن أصعب المسائل التي يحار العقل البشري في حلها أن يزعم الحاقدون أن الإصلاح لا يعنيه ما يحدث اليوم للجنوب ولعدن وهم يتعامون عمداً عمّا يقدمه الإصلاح كل حين من خيرة شبابه وقادته شهداء على ساحة الجهاد، بعد أن أعلن تأييده لعاصفة الحزم وأدان الحرب التي تشنها جحافل المخلوع وحلفاؤه من مليشيات الحوثيين على محافظة عدن والجنوب عموماً، وقد دفعوا ثمن ذلك من شبابهم المخطوفين حتى اللحظة ومقراتهم المنهوبة وبيوتهم المدمرة وجمعياتهم وأموالهم المسروقة المصادرة ودور القرآن الكريم ومدارس التحفيظ التي تمّ تفجيرها، ثم أفلا يرون هذه المؤسسات الخيرية وقوافل الإغاثة ونداءات النجدة؛ من يرعاها ومن يقوم على شأنها ؟!، على أن ما نقوله ونثبته ليس مناً بل هو حقائق ساطعة حتى يراها الجاحدون الحاقدون ممن سقطوا سقوط مريعاً في مستنقع الأكاذيب والتلفيقات والافتراءات، ولا تزال قافلة الإصلاح سائرة بالخير والعطاء والمعروف مهما أنكر المنكرون وتعامى المتعامون، فما على الناس إلا أن ينظروا بتمعّن في الوجوه ليروها بوضوح، فيجدونها نفس الوجوه الطاهرة الوضيئة التي تكفل اليتيم وتساعد المحتاج وتنقذ الملهوف وتساعد المريض وتعطي العاجز وتمد يد العون للبائس المسكين. لقد رأينا شباب الإصلاح ومؤسساته بمعية المكونات الأخرى كيف فتحوا قلوبهم قبل منازلهم ومؤسساتهم ومراكزهم لاستقبال وإغاثة إخوانهم من أهالي المحافظات المنكوبة بالعنف الحوثوعفاشي، وكيف استحثوا الجهود للتخفيف من الأوضاع الإنسانية البائسة التي يمر به إخواننا في عدن والمحافظات الأخرى، وهم لا يزالون مستمرين متفانين على جهدهم، مهما لاقوا من الأذى والعنت، ومهما قابلوا من أساليب الصد والإنكار فيكفي أن الله يعلم بهم، وسيأتي دون شك اليوم الذي يعلم فيه الجميع فضلهم ومعروفهم وإحسانهم وكأني به كفضل القمر على سائر الكواكب. إنني أستطيع أن أزعم أنّ الإصلاح بما يمتلكه من قاعدة جماهيرية كبيرة، و رصيد فكري وسطي معتدل وخبرة وحنكة سياسية رائدها الثبات والتوفيق ومنهج قويم يصلح لانتشال الأمة من وهدتها قد صار الهدف الأبرز للقضاء عليه من قبل خصومه، وتكالب عليه القريب والبعيد بكل شراسة ودون رحمة ولا هوادة، إنهم يخططون ليل نهار وما زالوا لاجتثاثه نهائياً، ومن المستغرب أن يأتي أحد المغفلين ليقول بكل سذاجة وبلاهة " لماذا لم يتصدَّ الإصلاح للحوثيين يوم أن اجتاحوا صنعاء ؟! "، إنهم لو فعلوا ذلك لاستحالت اليمن اليوم إلى سوريا أو ليبيا أو عراق أخرى، ولما تسنى لهذا المسكين أن يطرح سؤاله الأبله هذا، لأنه سيكون حينئذٍ بكل بساطة في خبر كان، بأن يكون قد قضى تحت نير براميل الموت أو سيكون ضحية لأحد محتويات مخازن الأسلحة المكدسة منذ سنين أو يكون قد تشتت في مهاوي الصحراء لطلب اللجوء من سعير الحرب التي ستأكل الأخضر واليابس، لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنهم آثروا مصلحة الوطن على مصالحهم الخاصة، ولو نُعتوا بالجبن والخوَر، ألا فليفهم المنصفون، وليقرأوا ملابسات الواقع بتجرد بعيداً عن النظرة أو الفكرة المسبقة، لأنهم لو فعلوا ما قلت لاستنتجوا أن الإصلاح أكثر من أي وقت مضى لم يزل منقذاً للوطن، وأنه سيظل نجماً زاهراً من الأمل بمستقبل جميل وغد أفضل. بقلم : احمد عمر باحمادي
إضافة تعليق