أقاصيص من أجل الأقصى ..

( 1 )

 

كان يمشي مترنحاً من هول ما رآه وسمعه من أحداث تجري في المسجد الأقصى .. مرّ على شباب يتضاحكون بأصوات هستيرية .. لا يبدو عليهم الاهتمام بأي شيء .. تألم من داخله وصرخت أعصابه .. بينما هو في غمرة تفكيره رأى شاباً يبكي بحرقة .. آه الآن وجدتُ من يقاسمني جبال الهم والألم .. لا تبكِ يا أخي فالنصر قادم بإذن الله .. أجابه .. أي نصر والحكم ضدهم .. وفريق الخصم يضم في صفوفه عدة محترفين .. ثم إن مدربنا فاشل فاشل .. تفاجأ ولم يدرِ بما يرد .. غير أن كليهما ذرفاً دمعاً .. لكن شتان بين البكاءين ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 2 )

 

يمرّ عليه وهو بالمقهى .. يلقاه في مجالس الناس .. رأى أوداجه منتفخة ووجهه محمراً وهو يصيح في القوم كأنه منذر حرب .. يستحثهم لنصرة الأقصى الجريح .. ينصت الناس إليه باهتمام بالغ دون أن يقاطعوا حديثه الناري .. أيها الناس .. يجب أن نعدّ أنفسنا لملاقاة يهود .. لزاماً علينا أن نجاهد في الأقصى إن دعا داعِ الجهاد .. وفي المسجد صلى الجميع بخشوع سائلين الله العون والنصر .. سلّم تسليمته الأولى .. وفي تسليمته الأخرى رآه في آخر الصفوف .. يقبع في أقصى صف المسبوقين للصلاة .. وقد نقر صلاته كما ينقر الغراب الدم ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 3 )

في آخر حصة لها مع طالبات الشهادة الثانوية، وقفت معلمة الصف لمادة التربية الاسلامية ملقية نصيحتها الاخيرة على طالباتها، حذرتهن من الغش وروت لهن الآثار التي تنهى عنه .. وأنهن مربيات الأجيال ويُعهد إليهن تربية جيل التحرير للأقصى وحماية بيضة الإسلام .. تبودلت نظرات الاستخفاف بما قالت المعلمة .. وفي اليوم المعهود سمعت المعلمة بما يندى له الجبين .. تذكرت بائعة الحليب ورفضها أن تخلطه بالماء حينما أمرتها أمها .. تساءلت في نفسها هل سيلدن جيل التحرير .. وكيف سيربى على الصدق والإخلاص ولسان حالهن يقول : " إن كان المراقب لا يرانا.. فلا بأس إن كان رب المراقب يرانا".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 4 )

تملكته يد الحيرة .. واستبدّ به اليأس .. كيف وزوجته قد أمرته بشراء فستان لعرس قريب .. مرتبه لا يكفي .. والشهر بعيد راتبه .. لكنه يعلم ما الذي سيحدث له إن خالف.. ذهب للمعرض واشترى فستاناً وأخرج من جيبه ما تبقى من دم قلبه قبل أن يخرج المال .. حال خروجه من المعرض ممسكاً بكيس الفستان الفخم .. رأى حصالة لجمع تبرعات لأجل الأقصى .. توقف فجأة .. نظر إليها نظرة المفزوع .. لمس جيبه خلسة.. كمن يتحسس حيواناً أليفاً أو وحشاً مروضاً.. نظر حوله .. ثم نظر داخل جيبه.. أخرج ورقة نقدية من أقل الفئات.. كانت مهترئة الجوانب باهتة اللون .. لكن لا يهم .. تسارع في خطوه راحلاً.. بدت على محياه ابتسامة حيرة.. تُرى هل أرضيتُ زوجتي ونصرت الأقصى أم فضلت أحدهما على الآخر ؟؟؟

بقلم / أحمد عمر باحمادي ..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص