صفات الحكام..الاعلام .. مقتل بن لادن

 

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله ..

أيها الإخوة الكرام الأعزاء :

سنتناول في خطبتنا إن شاء الله تعالى عددا من الوقفات أولها الصفات التي يجب توفرها في الحاكم :

تمثل القيادة ركناً أساسياً لنجاح فكرة أو قيام أي مشروع، ولقد أولى النظام الإسلامي القيادات أو ما يسمى في الشرع الإسلامي أولي الأمر اهتماماً خاصاً سواء من حيث مواصفاتهم وواجباتهم أو من حيث إعدادهم وتهيئتهم .

لقد عبر القرآن الكريم عن مواصفات القائد في الإسلام في مواضع شتى منها قول يوسف عليه السلام : (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وقول ابنة شعيب لأبيها : (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)، فأشار الإسلام بذلك إلى صفات العلم والأمانة كمقومات أساسية في القائد، ولأهمية دور القادة والزعماء والرؤساء في الإسلام فقد عظم الإسلام مسئوليتهم نحو من يقودونهم وجعل التقصير عند الحساب عسيراً فقال صلى الله عليه وسلم : (من ولي أمر عصابة من المسلمين ولم يجهد لهم لم يشم رائحة الجنة)، وفي نفس الوقت فإنه من عدل الإسلام وتوازنه فإنه يكافئ القائد العادل الذي يجتهد لرعيته ويعدل فيها، فالقائد العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( ليوم من إمام عادل خير من عبادة ستين عاماً) وحسبنا أن نتناول في هذه الخطبة إن شاء الله صفتين من الصفات التي يجب توفرها في القادة والرؤساء والحكام الذين يتولون أمور المسلمين، وأول هذه الصفات هي :

العفة عن المال العام :

أيها الإخوة المؤمنون : إن أشد ما يفتك باقتصاد الدول ويعصف بنموها هو الفساد ونهب ثروات البلاد وفساد الحكام والمسؤلين يضيع على البلاد مليارات عديدة تكفي لتطورها ونهضتها، وإن بذرة الفساد تنبت مع الحكام والرؤساء ثم تنتشر إلى بقية المسؤولين حتى يصل الأمر إلى أن يختار الرئيس أو الحاكم جميع معاونيه من الفاسدين حتى لا يعتب عليه أحد وحتى يظل هو ممسكاً بهم من زلاتهم، وبهذا تتحول الحكومات إلى عصابات تسرق شعوبها، إن كثيراً من الحكام يجدون مبرراً لهم أن يتربحوا هم وأبناؤهم وإخوانهم وأبناء إخوانهم وأقاربهم من مناصبهم، قائلين : ألسنا نتعب من أجل الناس ؟ فلماذا لا نعيش في سعة من العيش ؟ ولماذا لا نؤمن مستقبل الأبناء والأحفاد ؟ ولماذا .. ولماذا  ..؟

ولنرى أيها الإخوة كيف كان حكامنا الأوائل يتعاملون مع أموال الأمة، ولنقف مرة أخرى مع فاروق هذه الأمة مع عمر بن الخطاب، أجل .. عمر بن الخطاب، لقد تحدثنا كثيراً عن الفاروق وسنتحدث عنه كثيراً لأنه يمثل مدرسة عظيمة في الأمانة والعدل وما أحوج حكام الأمة اليوم أن يتعلموا ألف باء الأمانة من هذه المدرسة العظيمة .

يروى أن جندياً من جنود المسلمين جاء يحمل غنائم غنموها من معارك مع الفرس، فجاء رجل وجلس أمام عمر بن الخطاب في المسجد وفتح الصندوق وكان مليئاً بالمجوهرات والذهب، فتعجب عمر رضي الله عنه وقال : (إن الذين أدوا هذا لأمناء) فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقد كان جالساً معه موجهاً حديثه لأمير المؤمنين : (عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا) وموقف آخر للفاروق مع ابنه عاصم حين كان في الشام فأعطاه أمير الشام آنذاك مالاً وقال له : هذا المال لبيت مال المسلمين، ويمكنك أن تشتري به شيئاً من بضائع الشام وتبيعها في المدينة وتأخذ الربح، وترد الأصل لبيت المال، ولما علم عمر بذلك أمر عاصم أن يرد المال وربحه لبيت مال المسلمين قائلاً له : هل فعل أمير الشام ذلك مع كل المسلمين ؟ قال عاصم : لا ، فقال عمر : ولم يخص بذلك ؟ فرد عاصم : أرأيت لو أن المال هلك ألست ضامناً له ؟ فحكم الصحابة أن يرد عاصم أصل المال ونصف الربح، ويأخذ النصف الآخر على أنه مضارب بالمال لصالح بيت مال المسلمين .. لا إله إلا الله .. أين حكام اليوم منك يا عمر الذين جمعوا ثروات هائلة من أموال الشعوب التي يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر .

أيها الإخوة الأفاضل : الصفة الثانية التي يجب أن يتصف بها حكامنا هي : الابتعاد عن الغرور والتجرد عن الهوى ، لأن الغرور خلق قبيح وفعل صاحبه ممقوت عند الناس، فقد يغتر الإنسان بماله، وقد يغتر بعلمه، وقد يغتر بسلطانه، وسنقف في هذه النقطة مع غرور الحكام، وغرور الرؤساء والملوك، لأن ضرر غرورهم عام على الناس، فهذا أول خليفة للمسلمين أبوبكر الصديق رضي الله عنه الذي أختير للخلافة برضاء جميع الصحابة، فأول كلمة قالها على الأسماع وهو يعلن تواضعه : (أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني) .. أليس أبوبكر أفضل رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إنه التواضع .. وهذا عمر رضي الله عنه يقول متواضعاً : (رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي) فأفضل رجل عند عمر هو من يقول : يا عمر إنك أخطأت في كذا .. وقصرت في كذا .. أما حكام اليوم فإنهم يضيقون ذرعاً بالنصيحة والناصحين بل وزجوا بهم في السجون والمعتقلات، واتهموهم بالخيانة والعمالة، وأن قوى خارجية تحركهم، وغيرها من الأوصاف السيئة .

فالحاكم المغرور يا عباد الله لا يرى الحق إلا باطلاً، والباطل حقاً، ويرى الناصح شيطاناً رجيما، والمادح صديقاً حميماً، فالغرور آفة لئيمة ونهايته مخزية وأليمة، فبسبب الغرور طرد إبليس من الجنة عندما اغتر بجنسه على بني آدم : (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وبسبب غروره أُهلك فرعون في اليم عندما اغتر بملكه وجنده حتى قال : (أنا ربكم الأعلى) وبسبب الغرور بالمال أهلك الله قارون . والمغرور أيها الإخوة لا يقبل نصحاً ولا وعظاً ولا إرشاداً، المغرور إذا أمر فأمره لابد أن ينفذ، وإذا تكلم لابد أن يُسمع له، يعتقد أن كلامه صواب، هو الوحيد الذي يعرف مصلحة العباد والبلاد، وسواه على خطأ، رأيه لابد أن يؤخذ، ورأي غيره غير مقبول، أمره نافذ وغيره مرفوض، لا يظن أن أحداً سيصل إلى رتبته ومنصبه، بل هو وحيد عصره وفريد زمانه، غره الأمل والشيطان والدنيا والأتباع، وكلهم سيتبرأون منه غداً عندما يزول ملكه وسلطانه .

أيها الإخوة المؤمنون : وقفتنا الثانية إن شاء الله مع أحد وسائل العصر الحديث مع أحد وسائل التوعية والتوجيه ، مع وسيلة النصح والإرشاد للأمة، مع وسائل الإعلام بمختلف أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة .

فوسائل الإعلام في عصرنا اليوم أصبحت أحد أبرز الوسائل التي تتحكم في عقول الناس وعواطفهم، وللأسف أصبحت هذه الوسائل اليوم هي أحد الأسباب لمناصرة الظالمين وللفاسدين ونخص حديثنا هنا لوسائل الإعلام الرسمية، وسائل الإعلام المملوكة للشعب وموظفوها هم موظفون لدى الشعب، ويتقاضون أجورهم من أموال الشعب، فإذا بهم ينقلبون على هذا الشعب ويوجهون إعلامهم ضده وضد إرادته وأصبح الإعلام الرسمي في بلادنا مصدراً للكذب والدجل والنفاق وما تبثه وسائل الإعلام اليوم لا يمثل إرادة غالبية الشعب، وإنما يمثل إرادة مجموعة من المتنفذين .

ونوجه نصيحتنا هنا لإخواننا العاملين في وسائل الإعلام الرسمية وخاصة المحلية منها أن يتقوا الله فيما يقولون، وفيما ينقلون للناس، فإن الكذب حرام وكلما كان انتشار الكذب كبيراً كان إثمه عظيماً نطالبهم بالحياد في نقل الأخبار، فلا تتحدثوا عن مقتل شيخ عجوز كذباً وبهتاناً قتل من الشباب المعتصمين ما قتل، ثم تتجاهلوا العشرات من الشهداء الذين يسقطون على يد الأجهزة القمعية، اتقوا الله فإنكم محاسبون أمام ربكم يوم لا ينفع مال ولا بنون، أما إذا ظللتم على الحال الذي أنتم عليه وظللتم تحرضون على سفك الدماء وتصفون الشباب المعتصمين بالمخربين فإنكم والله تكونون شركاء في كل الجرائم التي تحدث لأبناء هذا الشعب، وستندمون على ذلك لأن الأفراد يذهبون والحكام يزولون ولا تبقى إلا الشعوب، سيذهب الزيف والكذب وسيفتح اليمنيون أعينهم على صبح جديد، صبح الحقيقة التي لا يستطيع إعلامكم أن يزيفها، فلا تحرموا أنفسكم من الاستمتاع بفرحة النصر، أنظروا حولكم ولا تضعوا أنفسكم في زاوية ضيقة مع الظلمة والمفسدين ، راجعوا أنفسكم، اجلسوا مع أنفسكم جلسة تقييم ومحاسبة، فأنتم من هذا الشعب، وأبناء هذا الشعب . قال تعالى : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.. )

أقول ما قد سمعتم ....

الخطبة الثانية :

الحمد لله ....

أيها الإخوة الكرام :

الوقفة الثالثة مع ثمرة الثورات العربية :

إن الثورات الشعبية العربية التي تحدث اليوم هي أمل الأمة للتخلص من الأنظمة الاستبدادية والانتقال بإذن الله إلى أنظمة تقوم على مبدأ العدل والشورى، تحفظ للأمة كرامتها، كما تحفظ لها ثرواتها وأموالها، وليس كما يصورها البعض بأنها ستؤدي بالشعوب إلى الحروب الأهلية .

فلا زلنا اليوم نتحدث عن الثورة المصرية وإنجازاتها التي يراها ويسمعها كل إنسان، ومن أبرز هذه الإنجازات بعد الثورة هو تحقيق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس بعد أكثر من أربع سنوات من الفرقة بين الإخوة الفلسطينيين، والتي اتضح لنا اليوم أن النظام المصري البائد هو الذي كان يغذي هذه الاختلافات بل ويسد أي طريق للمصالحة، لأنه يرى أن ذلك ليس من مصلحة حليفته إسرائيل، بالرغم من أنه يتظاهر بأنه يسعى للصلح بين الأشقاء، فما إن تهاوى هذا النظام فإذا بالإخوة المختلفين يتفقون وتتعانق أرواحهم قبل أن تتصافح أيديهم، وها هو النظام المصري الجديد يفتح معبر رفح رويداً رويداً استعداداً لإعلان افتتاحه بشكل كامل، فيتنفس إخوانكم في غزة الصعداء بعد أن كان النظام البائد يقف سجاناً للشعب الفلسطيني في غزة يحرمهم من أبسط مقومات الحياة كالغذاء والدواء امتثالاً لأوامر أسياده في إسرائيل، وها هي مصر الثورة تقطع إمدادات الغاز الذي كان يصدره نظام حسني مبارك إلى دولة العدو الصهيوني وبثمن بخس، وها هي الحريات تطلق بعد انتصار الثورة المصرية، وها هم الإخوان المسلمون الذين كان النظام البائد يزج بهم في السجون والمعتقلات ويقتاد قياداتهم إلى الزنازين وينصب لهم المحاكم العسكرية التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات العدالة، لا شيء إلا لأنهم يرفعون راية الإسلام، وها هم اليوم بعد الثورة يعقدون أول اجتماع لهم بصورة علنية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فنسأل الله أن يسدد طريق هذه الثورات إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، كما نتوجه إلى الله العي القدير بأن ينصر إخواننا الثوار في ليبيا على هذا الطاغية المجنون الذي أهلك الحرث والنسل، وقتل الآلاف من شعبه، وشرد الآلاف ليبقى هو وأبناؤه على كرسي الحكم، فنسأل الله أن يعجّل بزواله، وأن يقر أعين الليبيين بالنصر المؤزر .

أيها الإخوة الأفاضل :

وهكذا تتوالى الأحداث العربية والدولية وتفاجئنا كل يوم بالجديد، وكان آخر هذه الأحداث ما تناقلته وسائل الإعلام الأسبوع الماضي عن مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة على يد القوات الأمريكية في باكستان، هذا الرجل الذي أثار جدلاً واسعاً بين مؤيد له ومعارض، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه فإننا نسجل الملاحظات التالية على الحادثة لتكون وقفتنا الرابعة والأخيرة :

أولاً : لقد أساءت الطريقة التي قامت بها القوات الأمريكية في قتل أسامة بن لادن وإطلاق الرصاص عليه في رأسه، رغم أن بعض الأخبار تشير إلى أنه لم يظهر أي مقاومة، وهذا الأمر يظهر الروح العدوانية لأمريكا، فلا يجوز بأي حال من الأحوال قتل أي إنسان دون محاكمة عادلة .

ثانياً : الترحيب العربي بمقتل أسامة بن لادن ، حيث رحبت كثير من الأنظمة العربية وأعربت عن تأييدها لما قامت به أمريكا، وكأن هذه الدول تعطي لأمريكا الضوء الأخضر لتقتل من تشاء من أبناء المسلمين، وهذا يدل على حالة الذل والتبعية التي تعيشها هذه الأنظمة التي لا تستطيع أن تقول : لا لأمريكا، بل لا تستطيع حتى أن تلزم الصمت .

ثالثاً : الطريقة الغريبة التي تم بها دفن أسامة بن لادن، وهو كما قال الأمريكان بأنه تم دفن جثته في البحر، في استفزاز لمشاعر المسلمين. منذ متى والمسلمون يدفنون موتاهم في البحر ؟ ولماذا لا يدفن أسامة بن لادن في تراب الأرض كما يدفن بقية المسلمين ؟ وكيف تمت الصلاة عليه وتكفينه ؟

رابعاً : رفض المملكة العربية السعودية استقبال جثته، بصفته مواطنا سعوديا فان صح ذلك فكأنها تخشى من الرجل حياً كان أو ميتاً، ومن الغريب أن السعودية التي ترفض استقبال مواطنها أسامة بن لادن فهي تفتح ذراعيها لزين العابدين بن علي الذي حارب الإسلام في تونس ونكل بالمسلمين .

خامساً : ومهما قيل عن هذا الرجل وعن حياته فإن له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في المساهمة مع بقية اخوانه في القيام بفريضة الجهاد، في وقت أصبح النطق بهذه الكلمة تهمة عند الكثيرين، وأصبح من يتحدث عن الجهاد متهماً بالإرهاب، فقد كان بن لادن من أوائل الذين شاركوا في الجهاد في أفغانستان ضد قوات الاتحاد السوفييتي في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، هذا الجهاد الذي كان سبباً في انهيار الاتحاد السوفييتي القوة العظمى المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت .

ونقول إن الرجل اجتهد فإن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر .. نسأل الله أن يتقبله في الشهداء والصالحين ...

وصلوا وسلموا ....


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص