 لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ

إلهي ما سألت سواك عوناً * * * فحسبي العون من رب قدير

إلهي ما سألت سواك عفواً * * * فحسبي العون من رب غفور

إلهي ما سألت سواك هديا * * * فحسبي الهدي من رب بصير

إذا لم أستـعن بك يا إلهي * * * فمن عوني سواك ومن مجيري

أيها الإخوة المؤمنون :

يتوهم البعض أنَّنا وصلنا إلى طريق مسدود ، وأن صخرات كبيرات في طريق التغيير ، وأنّ مؤامرات داخلية وإقليمية ودولية قد حالت دون الوصل إلى الهدف المنشود .

فالأبواب كلها مغلقة ... والطريق مسدود ... والمؤامرات أُحكمت ..  والحياة اليومية تعقدت ... أزمات متفاقمة .. طوابير طويلة للديزل ، للبترول ، كهرباء مترنحة ، أسعار ملتهبة ، احتكار للسلع الأساسية ، تجار السوق السوداء ...

ريحا عاتياً من القنوط و اليأس تجتاح قلوب الكثير من الناس , نظرا لهذا الواقع الذي ما كنا نود الوصول إليه ..

لكنني أرى بأن اخطر ألوان الهزيمة أن تمتلئ القلوب باليأس و القنوط من رحمة الله و أن تفرغ القلوب من الأمل في وعد الله عز وجل ووعد الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والمسلم مطالب بأن لا ييأس أبداً ؛ لأن اليأس في ديننا قد جعله الله تعالى قريناً وملازماً للكفر , قال تعالى :( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) سورة يوسف.

قال الشاعر :

اليأسُ في ديننا كُفْرٌ ومَنْقَصةٌ * * لا يُنبِتُ اليأسَ قلبُ المؤمنِ الفَهِمِ

يَفيضُ من أملٍ قلبي ومن ثقةٍ * * لا أعرٍفُ اليأسَ والإحباطَ في غَمَمِ

قال مرزوق العجلي : دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضِها لي ، ولم أيأس منها !.

قال بعض الحكماء: لولا الأمل ما بنى بان بنيانا، ولا غرس غارس غرسا.

وفي هذا المعنى قال الشاعر:

أعلل النفس بالآمال أرقبها * * * ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

وقال الطغرائي:

ولا تيأسنْ من صنـع ربك إنه * * * ضمين بأن الله سوف يُديـل

فإن الليـالي إذ يـزول نعيمها * * * تبشـر أن النـائبات تـزول

ألم تر أن الليـل بعد ظلامـه* * * عليه لإسـفار الصبـاح دليل

ألم تر أن الشمس بعد كسوفها* * * لها صفحة تغشي العيون صقيل

وأن الهلال النضو يقمر بعدما* * * بدا وهو شخت الجانبين ضئيل

ها هو خباب بن الأرث و حديثه في الصحيحين في و قت اشتدت فيه الأزمة و زاد فيه الاضطهاد و اشتدت فيه صور العذاب و الابتلاء حتى جاء خباب يحمل على ظهره أوسمة و نياشين ، و عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو هذه الآلام أو إن شئت فقل يشكي هذه الدماء بعد الجراح فقعد النبي صلى الله عليه وسلم و كان مضطجعا في ظل الكعبة زادها الله تشريفا و نظر إلى خباب أنظر إلى هذا التوظيف التربوي النبوي العالي لهذه الكلمات التي يجسدها صحابي جليل حجم المعاناه و شدة البأساء فقعد النبي صلى الله عليه وسلم و قد احمر وجهه و كان صلى الله عليه وسلم إذا غضب كأنما فقئ في وجهه حب الرمان و قد احمر وجهه ثم التفت إلى خباب رضي الله عنه و قال و الله لقد كان يؤتى بالرجل من قبلكم فيحفر له في الأرض إلى منتصفه و يؤتى بالمنشار فيشق نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون العظم و اللحم, ما يصده ذالك عن دينه , و الله ليتمن الله هذا الأمر- أي هذا الدين- حتى ليسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه و لكنكم تستعجلون .

أنظر إلى هذه البشرى في هذا الوقت الدماء تنزف من ظهر خباب و الصحابة مطاردون في مكة ثم بعد ذلك إلى الحبشة و صاحب الدعوة و حامل رسالتها صلى الله عليه وسلم  مضطهد , بل و ضع التراب على رأسه ووضعت النجاسة على ظهره , و خنق حتى كادت أنفاسه أن تخرج , و مع ذالك يبشر بالنصر و يبشر بموعود الله و بتمكين الله لهذا الدين في هذه الأزمة الحالكة و الفتنة العاتية القاسية.

منهج نبوي الأحزاب يحاصرون المدينة من كل ناحية و رمى المشركون واليهود و المنافقون الإسلام و المسلمين عن قوس واحدة و أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بحفر الخندق حول المدينة كما تعلمون لكنهم وهم يحفرن الخندق .

عرضت لهم صخرة صعبة شديدة و الحديث رواه أحمد و النسائي و الترمذي و غيرهم بسند حسنه الحافظ بن حجر عرضت لهم صخرة شديدة عظيمة لم تستطع معاول الصحابة أن تحطمها فشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و الحديث من حديث البراء بن عازب،  شكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي المعول بنفسه و انطلق إلى هذه الصخرة و قال صلى الله عليه وسلم بسم الله وضرب الصخرة ضربة فكسر ثلثها فلما تحطم ثلت الصخرة الأول قال المصطفى صلى الله عليه وسلم .. الله أكبر الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام و الله اني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا - أعطيت مفاتيح الشام ؟ و الله إني أبصر قصورها الحمر؟- ثم ضرب الضربة الثانية و قال بسم الله فتحطم الثلث الثاني فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس و الله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا ثم حطم الثلث الأخير وقال بسم الله فلما تكسر الثلث الأخير قال الله اكبر أعطيت مفاتيح اليمن و الله إني لأبصر باب صنعاء من مكاني الساعة .

من يتصور مثل هذا الطرح و المنافقون يقولون ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا (11)الأحزاب) اسمع لربك عز وجل وإذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما خلت الأمة ولن تخلوا من هذين الصنفين  الخبيثين أبدا من المنافقين الذين لو أخذهم الله لاستوحش المؤمنون في الطرقات من قلة السالكين ... أسأل الله أن يطهرنا من النفاق كبيره و صغيره و أصحاب القلوب المريضة الذين ملاؤا قلوب الناس بالإرجاف ، قال سبحانه و إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض و وعدنا الله و رسوله إلا غرورا حتى قال قائلهم يعدكم محمد بقصور الشام و قصور فارس و قصور اليمن و ملك هذه البلاد و هذه الأراضي يعدكم محمد بهذا و لا يستطيع أحدكم أن يخرج ليقضي حاجته لكنه الأمل يملأ به النبي صلى الله عليه وسلم القلوب في هذه اللحظات و لا أريد أن أقف طويلا مع كل مشهد نبوي تربوي ما أحوج الأمة إلى هذا الطرح الآن لنستل جرثومة اليأس والإحباط من نفوسنا . 

و في صحيح البخاري وغيره من حديث عدي بن حاتم قال بينما أنا جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم يوما إذ جاءه رجل فاشتكى إليه الفاقة يعني الفقر صحابي يشكو إلى النبي الفقر و جاءه آخر فأشتكى إليه قطع السبيل يعني قطع الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم يا عدي هل رأيت الحيرة قال لا يارسول الله و لكني أنبأت عنها فقال له الصادق : لان طالت بك حياة في عهدك يا عدي لان طالت بك حياة لترين الضعينة (هي المرأة التي تركب هودجها فوق ظهر الناقة أو البعير) لان طالت بك حياة لترين الضعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف ببيت الله لا تخاف إلا الله ولان طالت بك حياة لتنفقن كنوز كسرى في سبيل الله قال عدي .. قلت يارسول الله كسرى بن هرمز كسرى بن هرمز ، فقال الصادق كسرى بن هرمز كسرى بن هرمز يقول عدي فقلت في نفسي حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لترين الضعينة و غيره قال فقلت فأين دعار طي أي أين قطاع الطرق من قبيلة طي وقبيلة طي هي قبيلة عدي بن حاتم قال فقلت أين دعار طي الذين سعروا البلاد أي قطعوا على الناس كل واد و سبيل يقول عدي والله لقد رأيت الضعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله و كنت في من افتتح كنوز كسرى بن هرمز ..

إنه ينبغي لنا ألا يدب اليأس في قلوبنا ؛ لأنه : لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] ولا حياة مع اليأس ، ولا يأس مع الحياة ، قال  :تعالى : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]****

الخطبة الثانية :

أيها الإخوة الكرام :

نرى الأمور ونكرهها ، نراها على غير ما نهوى، ويخرج الله من رحم الظلام فجراً تشرق به الوجوه ، وتسر به النفوس ، ويحقق الله به الوعد الذي وعده هذه الأمة، فكلما اشتدت الكربة رقبنا الفجر، جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال له: يا أمير المؤمنين أجدبت الأرض ، وقحط المطر، وقنط الناس. قال : إذاً مطرتم . فجعل عمر بن الخطاب اشتداد الحال علامة على قرب المطر، قال رحمه الله بعد قوله له: مطرتم، تلا قول الله:وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[48] [سورة الشورى] . والله يبتلي العباد بما يبتليهم به ليميز الخبيث من الطيب، ثم بعد ذلك يأتي فرج الله :

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ***** ذرعا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

                                  فرجت ، وكنت أظنها لا تفرج!

المؤمن لا يعرف اليأس إلى قلبه طريقا أو سبيلا لأنه على ثقة مطلقة في و عد الله و في وعد الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم و قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه النفسيات القلقة و من هذه الكلمات الخطيرة كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الصادق صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكَهم أو فهو أهلكُهم) هو أهلكُهم أي اشد الناس هلاكا فهو أهلكَهم أي هو الذي حكم عليهم بالهلاك ، أما من قال ذلك على سبيل تنشيط الأمة و إيقاظ الأمة من رقدتها و غفلتها فلا بأس .

 إنَّ السلبية أن يقول قائل  أنا مالي الحمد لله أنا أكل و أشرب وأولادي جنبي و أنا عايش في أمان ، ما علاقتي بما يجري على أرض الواقع , مادمت آمنا في بيتي, آكل ملئ بطني و أضحك ملئ فمي و أنام ملئ عيني. ما علاقتي بالمنكرات والمعاصي و يهز أحدنا كتفيه و يمضي و كأن الأمر لا يعنيه لا من قريب و لا من بعيد و هذه السلبية سبب خطير في غرق سفينة المجتمع بما فيها الصالحون و الطالحون ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (الأنفال) ) و في الصحيحين من حديث أم المؤمنين زينب رضي الله عنها استيقظ النبي أهلكَهم يوما من نومه عندها فزعا و في لفظ دخل عندها يوما فزعا: و هو يقول لا إله إلا الله , لا إله إلا الله و يل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذه و حلق بإصبعيه السبابة و الإبهام فقالت أم المؤمنين زينب يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث" ، لابد من أن تكون ايجابيا دع السلبية القاتلة و تحرك لدين الله سبحانه و تعالى في حدود قدراتك و إمكانياتك ..

فما أروع الأمل والتفاؤل وما أحلاه في القلب ! وما أعْوَنَه على مصابرة الشدائد والخطوب ، وتحقيق المقاصد والغايات , وإنما النصر صبر ساعة .

إذا اشتملت على اليأسِ القلـوبُ وضاق لما بهِ الصدرُ الرحيبُ

ولم تـر لانكشـافِ الضرِ وجها ولا أغنـى بحيلتـِه الأريبُ

أتاك علـى قنـوطٍ منك غـوثٌ يمـنُ به اللطيفُ المستجيبُ

وكـل الحـادثاتِ وإن تنـاهت فموصولٌ بها الفرجِ القريب

نحن بحاجة للرجوع إلى الله واللجو إليه سبحانه ، والتعلق والرجاء به ، فلا منجأ ولا ملجأ إلا إليه ، نتوب إلى الله ، ونكثر من الاستغفار، ونضرع إليه بالدعاء :

اللهم يا فارج الهم وكاشف الغم وناصر المظلوم ، انصر دينك وأعزّ أولياءك وأذلّ أعداءك ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعَز فيه أهل طاعتك...

اللهم أحقن دماء المسلمين اللهم احقن دماء المسلمين اللهم احقن دماء المسلمين اللهم لا تفضحنا بخفي ما اطلعت عليه من أسرارنا و لا بقبيح ما تجرأنا به عليك في خلواتنا اللهم اغفر لنا الذنوب التي تنهك العصم و اغفر لنا الذنوب التي تنزل النقم و اغفر لنا الذنوب التي تحبس الدعاء و اغفر لنا الذنوب التي تنزل البلاء و اغفر لنا الذنوب التي تقطع الرجاء يا من طاعته غناء و ذكره دواء ارحم من رأس مالهم الرجاء و سلاحهم البكاء برحمتك يا أرحم الراحمين..

خطبة جمعة بساحة التغيير بسيئون 1/7/2011م للشيخ توفيق حكيم

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص