المضادات الحيوية .. بين الإفراط والتفريط

إن مما دفعني للكتابة في هذا الموضوع- على الرغم من كثرة ممن تحدثوا فيه قبلي- أني كنت يوماً أتحدث مع زميل لي (طبيب)، حيث بدا لي بسرد حالات- كان قد أشرف هو عليها- وصلت إلى مرحلة لم تستجب لأي من

المضادات الحيوية التي يعرفها الطب اليوم بفعاليتها المضمونة وقد اتفقت أنا وزميلي ويتفق معنا كل طبيب وصيدلي ومن له إلمام بالجانب الصحي- مما لا يدع مجالاً للشك- أن السبب الرئيسي في كل هذا هو سوء الاستخدام للمضادات الحيوية أو ما يطلق عليه طبياً (Misuse of Antibiotics).  

 

عزيزي القارئ:

        لا بد أنه قد سبق لك أن سمعت عن سوء استخدام المضادات الحيوية، ومن الممكن أنك لم تكترث للأمر كثيرا، إذ من يمكن له أن يتخيل أن هذه المضادات الحيوية- التي يعتبرها الكثيرون العلاج السحري الشافي لجميع أمراضهم- قد يساء استخدامها..! نعم يمكن إساءة استخدام المضادات الحيوية ولكن ليس بمعنى الإدمان عليها وإنما بمعنى استخدامها في غير موضعها.

وهل يمكنك تصور أحوال العالم قبل اكتشاف المضادات الحيوية، وكيف كانت الأمراض المختلفة مثل السل والكوليرا والتيفوئيد والطاعون تفتك بأعداد هائلة من البشر في أيام معدودات؟!! والآن هل يمكن لك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث إن فقدت المضادات الحيوية فاعليتها وعادت هذه الأمراض تفتك بالبشر؟

هل تعلم عزيزي القارئ أنك ومن خلال استخدامك الخاطئ للمضادات الحيوية تساهم في فقدان هذه المضادات لفاعليتها وفي رجوع الأمراض الجرثومية الفتاكة من جديد!... كيف ذلك؟

أولاً يجب أن تعلم أن المضادات الحيوية لها فاعلية ضد الأمراض البكتيرية وليس ضد الأمراض الناتجة عن الفيروسات مثل الزكام أو البرد أو الرشح أو الأنفلونزا بالرغم من أن كثير من الناس يسارعون إلى استخدام المضادات الحيوية حال شعورهم بأعراض البرد أو الرشح، وهذا من الأخطاء الشائعة التي يترتب عليها مخاطر عظيمة.

 

ماذا يعني سوء استخدام المضادات الحيوية؟
هو استخدام المضادات الحيوية في غير محل استخدامها، فمثلاً يعتبر
استخدام المضادات الحيوية من غير أن يكون هنالك داع أو التهاب بكتيري يحتم، ذلك سوء استخدام للمضاد الحيوي، وكما أن الرجل المناسب يجب أن يوضع في المكان المناسب فإن المضاد الحيوي المناسب لا بد أن يستخدم للالتهاب البكتيري المناسب؛ فليست جميع المضادات الحيوية فعالة ضد جميع أنواع الالتهابات الجرثومية بل إنه لكل مضاد حيوي طيف فاعلية محدد، والطبيب هو القادر على الفصل من خلال الخبرة والفحوصات المخبرية في هذا الأمر، ولذا فإن المضادات الحيوية في الدول المتقدمة لا تصرف إلا بوصفة طبية.


ما عواقب الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية؟
إن البكتيريا
المسببة للأمراض عبارة عن كائنات حية ذكية جدا فعند تعرضها للمضادات الحيوية وبخاصة في حالات سوء الاستخدام فإنها تستطيع أن تحور نفسها وتغير في تركيبها بحيث تصبح مقاومة لتلك المضادات التي كانت حساسة لها فيما مضى، ويعتبر هذا الأمر خطيراً جداً ولا يمكن الاستهانة به إذ إنه بمرور الزمن سوف تفقد المضادات الحيوية فاعليتها وتنتشر الأمراض الجرثومية الخطيرة من جديد إذا ما استمر الوضع على هذا النحو السيئ.
كما ينتج عن سوء استخدام المضادات الحيوية زيادة كلفة العلاج؛ ذلك أن
المضاد الحيوي لن يكون فعالاً في القضاء على المرض، ولذا فإن المريض سوف يلجأ إلى استخدام العديد والعديد من الأدوية دون أية فائدة، وبذلك ترتفع تكلفة العلاج على المريض من دون أن يلاحظ أي تحسن في حالته.
ومن جهة أخرى فإن استخدام
المضادات الحيوية بشكل عشوائي سوف ينتج عنه مضاعفات جانبية خفيفة أو شديدة من أهمها: حدوث حالات الإسهال والحساسية الشديدة التي قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان وبالإضافة إلى ذلك  فإن استخدام المرأة الحامل لبعض المضادات الحيوية وخاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل قد يسبب أضرارا شديدة على الجنين.

 

 

 

بعض النصائح للحد من ظاهرة سوء استخدام المضادات الحيوية:
عزيزي القارئ: يجب أن تعلم أنه لكلٍ منا دور مهم
ومسؤولية محددة تجاه مجتمعه خاصة والإنسانية عامة، إذ لا يمكن الاستهانة بهذا الوضع الخطير الذي يهدد البشرية، فأنت لا ترغب في رؤية أطفالك أو أحفادك يعانون مخاطر الأمراض الجرثومية التي كان لها علاج فيما مضى، وقد عجز الطب عن مساعدتهم والأخذ بأيديهم نحو الشفاء، وحتى لا يحدث ذلك ننصحك بالتقيد التام بما يلي:
(1) الطبيب هو وحده المسؤول عن وصف المضادات الحيوية، ولذا لا ينبغي للمريض اللجوء إلى
الصيدلية                                            

      لشراء الدواء من تلقاء نفسه.

(2) على المريض أن يلتزم بتوجيهات الطبيب والصيدلي عند صرف المضاد الحيوي من حيث: عدد مرات                                                                                                               

     تناول العلاج في اليوم الواحد، ومدة العلاج، وتناول الدواء كاملاً، حيث لا بد للمريض من إتمام مدة العلاج

     الموصوفة، ولا ينبغي إيقاف تناول العلاج إذا ما شعر المريض بالتحسن إلا بعد نفاد الكمية الموصوفة.

(3) على المريض إعلام الطبيب والصيدلي بحالات تحسسه لأي من
مركبات المضادات الحيوية، وهذا الأمر                                                                     

     هام جداً لأن تناول المضاد الحيوي في هذه الحالات قد يؤدي إلى وفاة المريض على الفور.

 

د/ علي بن وثاب


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص