صحيفة يمنية تكشف أسباب وأبعاد غياب النظام والقانون واستبداله بالتحكيم القبلي في المحافظات اليمنية المحررة...
14/02/2022 06:15:25
حضرموت اليوم / متابعات ::

 

 
حللت صحيفة عدن الغد في مقال تحليل لعددها لهذا اليوم  أسباب وأبعاد غياب النظام والقانون واستبداله بالتحكيم القبلي في المحافظات اليمنية المحررة.

حيث وضع التحليل عوامل وأسباب ساعدت على عودة هذه الممارسات القبلية، والتي اهما غياب الدولة ومؤسساتها، وتعدد وتشتت الأجهزة الأمنية، وتغولها على السلطة القضائية، وسط عدم معرفة بتراتبية "الفصل بين السلطات".

واسرد القسم السياسي للصحيفة في تحليله بالقول" رزحت المحافظات الجنوبية لعقود طويلة تحت حكم المشيخات والسلطنات، التي عرفت بـ"المحميات البريطانية"، ورسخت واقعا قبليا لم ينته أثره أو تتلاشى ملامحه حتى اليوم.

ورغم قيام دولة جنوبية في هذه المحافظات، أواخر ستينيات القرن الماضي، زعمت فيها أنها دولة "نظام وقانون" الجميع فيها يخضع للقانون وللدولة، إلا أن العصبيات والمناطقية و"القبْيَلة" كانت تظهر عند أول صدام أو صراع بين الرفاق.

فالانتماءات القروية والعصبية للمشيخات والسلطنات المتصارعة ما قبل الاستقلال، ظلت تحت رماد الدولة الجنوبية التقدمية، ولم (تخبو) أو تخمد، ودليل ذلك صراعات السبعينيات والثمانينيات، التي كانت تندلع بين الفينة والأخرى، في ظل دولة زعمت أنها تتخذ الاشتراكية العلمية منهجا سياسيا لها.

كما أن ما يؤكد أن الانتماءات القبلية والمناطقية لم تنتهي ما تعيشه المحافظات المحررة، في جنوب اليمن تحديدا، من ممارسات وسلوكيات بعيدة كل البعد عن النظام والقانون، وتستلم من الإرث القبلي أساسا لتسيير شئونها.

خاصةً وأن هناك الكثير من العوامل والأسباب التي ساعدت على عودة هذه الممارسات القبلية، في ظل غياب الدولة ومؤسساتها، وتعدد وتشتت الأجهزة الأمنية، وتغولها على السلطة القضائية، وسط عدم معرفة بتراتبية "الفصل بين السلطات".

ولكن أهم العوامل التي تسببت بعودة الممارسات القبلية، ولعل أبرزها "التحكيم القبلي"، هو توقف عمل المحاكم القانونية، التي "عُطلت" عن العمل لفترة طويلة، وأتاحت المجال لممارسات أخرى غير قانونية.

> تراجع وانتكاسة

في حقيقة الأمر، فإن الممارسات القبلية، مثل التحكيم القبلي والوساطات المحلية والقبلية، في المحافظات الجنوبية، لم تكن ناتجة عن إضراب المحاكم ومؤسسات القضاء في عدن المحافظات الجنوبية مؤخرا.

ولكن هذا التراجع في أساليب تعامل السلطات مع مشاكل الناس، بدلا من النظام والقانون، ظهر بقوة عقب تحرير المحافظات الجنوبية، وتحديدا ما بعد 2015؛ نتيجة تفشي المشكلات الأمنية، والتي بدورها ناتجة عن أسباب أخرى، أكثر سوءا.

هذه الأسباب الأخرى الأكثر سوءا تكمن في تشظي المؤسسة الأمنية في جنوب اليمن، وتعدد الوحدات المسلحة التي تتبع أشخاصا ولا تتبع مؤسسات الدولة، كما تقوم هذه الوحدات بممارسات مخالفة أساسا للنظام والقانون.

وما دامت تقوم بممارسات مخالفة للقانون فمن الطبيعي ألا تبحث هذه التشكيلات الأمنية عن النظام والقانون للبت والفصل في مشكلاتها، وإنما تبحث عن مخارج وحلولا أخرى، حتى ولو كانت غير قانونية.

وهو ما تجلى في عمليات البسط على أراضي المواطنين، أو الجمعيات السكنية في أطراف عدن المترامية، وحتى عمليات الاختطاف التي تستهدف شخصيات معينة وذويهم وأولادهم لا تجد قنوات قانونية تمضي فيها، بل يتم حلها عب سبل وطرق قبلية كالتحكيم والوساطات، التي لا صلة لها بالقانون، ولكن لها صلة بالعُرف.

وقد يقول قائل إن "العُرف" قد أمر الله به في كتابه الكريم، حين قال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف، وأعرض عم الجاهلين"، إلا الأخذ بالأعراف يكون في المجتمعات البسيطة التي قد تخلوا من العلاقات المعقدة والمركبة والتي تحتاج لقوانين تنظم العلاقة المتشابكة بين مؤسسات وأفراد هذا المجتمع أو ذاك.

كما أن الإرث القضائي والقانوني لمدينة مثل عدن، عرفت بتقديس القانون، ويفخر أبناؤها بأنهم كانوا خاضعين للنظام والقانون بشكل يسري على الكبير قبل الصغير، لا يمكن لها أن تشهد هذه الانتكاسة القانونية التي تعيشها.

ويمكن للأعراف أن تسود وتتحكم بالمشهد في المناطق البعيدة عن المدنية، أو تلك المناطق التي تسيطر عليها الأنظمة القبلية بشكل كامل، مثل الارياف وغيرها، لكن في مدينة مثل عدن، فالإساءة هي الابتعاد عن النظام والقانون.

> من يؤخر القانون؟

من المؤكد أن هناك جهات لا تحبذ أو تفضل عدم الاحتكام للنظام والقانون، باعتبار أن التحكيم القبلي يعتمد على الخروج بصيغة توافقية لكافة الأطراف، وهذا يجعل هذه الاطراف-والتي من بينها وحدات أمنية- لا تتحمس لعودة النظام والقانون.

ولهذا لا يعنيها عودة المحاكم أو المؤسسات القضائية إلى العمل مجددا، خاصة في ظل قيام بعض تلك الوحدات المسلحة، بانتهاك حقوق وممتلكات المواطنين، رغم أنه من المفترض على تلك الوحدات حماية حقوق الناس وليس البسط والسطو عليها، كما يحدث في بعض المحافظات الجنوبية.

وللأسف، فإن بعض انتهاكات تلك الحقوق يطال الحق في الحياة، وممارسة القتل، وهي جرائم يتم إنهاؤها بالتحكيم بدلا من القصاص، وما أكثر القتل اليوم في المناطق المحررة للأسف.

بالإضافة إلى أن طبيعة الخصوم هي من تحدد طبيعة المعالجات والحلول المقدمة، فإذا كان المتخاصمون وحدات مسلحة وأمنية فقد وجب التحكيم من قبل قائد أمني أو عسكري، أو وجاهة اجتماعية وقبلية.

أما إن كان خصوم تلك الوحدات الأمنية المسلحة هم البسطاء من المواطنين، فإن حقوقهم لن تسترجع، لأنهم لم يلجؤوا إلى النظام والقانون المغيّب، والمعطل.

بل أن بعض الأجهزة الأمنية، تتدخل وتسيطر على القضاء ومؤسساته، رغم أنه من المفترض أن تكون السلطات الأمنية "سلطة تنفيذية" تقوم بتنفيذ قرارات وأحكام "السلطة القضائية" الأعلى من حيث التراتبية والعلاقة بين السلطات.

ولعل ما حدث في محكمة البريقة الابتدائية قبل نحو أسبوع خير دليل على هذا الوضع "المقلوب" بعد تهديد قائد أمني لأحد القضاة واقتحام حرم المحكمة بالسلاح.

وللأسف فإن بعض هذه الأطراف من مصلحتها عدم عودة مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء إلى العمل، وإبقاء الوضع على ما هو عليه، حتى تتغول بممارستها التي تنتهك الحقوق، وهي جهات وأطراف مستفيدة من غياب مؤسسات الدولة.

> غياب القضاء

يمثل القضاء أعلى السلطات في أي دولة يسودها النظام والقانون، فلا يمكن للحقوق والعلاقات بين المواطنين، أو حتى بين السلطات الاخرى أن تستمر بشكل طبيعي بدون وجود قضاء مستقل ويعمل على مدار العام بدون توقف.

غير أن العمل الجزئي الذي تعيشه المحاكم والنيابات في عدن وبعض المحافظات الجنوبية يحول دون جعل الحياة تسير بصورة طبيعية، وقبل الوضع الحالي من العمل الجزئي للقضاء في هذه المحافظات، كانت مؤسسات هذه السلطة معطلة تماما بشكل كامل.

فقد تم تعطيل المحاكم والنيابات، لمدة أكثر من عام ونصف، دون أدني اهتمام أو حرص لمصالح الناس المعطلة، والذي فتح المجال واسعا أمام القبول بالتحكيم القبلي والأحكام العرفية التي لا تستطيع إرضاء جميع الأطراف على طول الخط وعلى الدوام.

وهو ما يهدد بتحول المحافظات التي تشهد تعطيلا لمؤسسات القضاء إلى مجتمعات يسودها حكم القوي فقط، على حساب الضعفاء والبسطاء من الناس الذين لا يمتلكون القوة أو السلاح أو الوساطة.

وللأسف فإن وضعا كهذا، بدأ بالتشكل في المحافظات التي يغيب عنها القضاء، والنظام والقانون، ويبدو أن الأمر لا يطول حتى نشهد تحول هذه المجتمعات إلى غابة، يأكل فيها القوي حق الضعيف.

> دولة غائبة جنوباً!

تخوف كهذا وارد ويجب أن يسلط عليه الضوء تحذيرا وترهيبا حتى لا يستشري وتتحول المحافظات الجنوبية إلى غابات بفعل غياب النظام والقانون.

ولكن المعيب في الأمر أن تغيب الدولة ومؤسساتها عن مناطق مثل عدن وجنوب اليمن، وهي التي يفخر ساكنوها وأبناؤها بكونها مناطق شهدت عصرا زاهيا للدولة وللنظام والقانون، خلال فترة ما قبل الوحدة اليمنية.

في المقابل، تحضر الدولة في المناطق الشمالية التي يتهمها بعض الجنوبيين بأنها هي من صدرت الأحكام العرفية والقبلية إلى الجنوب بعد الوحدة.

لكن العكس هو ما يحدث اليوم، فالدولة حاضرة في مناطق مليشيات الحوثي، وهي المتهمة بأنها طائفية ورجعية وإمامية وتحتكم للنظام القبلي، بينما تغيب مؤسسات الدولة في الجنوب صاحب إرث الدولة والنظام والقانون.

فالقضاء شمالا ومؤسسات الدولة مستمرة في العمل ويحتكم الناس إليها للبت في شئونهم، بينما تتوقف وتغيب الدولة بكافة مؤسساتها في بعض المحافظات الجنوبية، دون أن يهتم الممسكون بالسلطة في هذه المحافظات بمصالح الناس ومعاملاتهم، التي تحتاج لتدخل سريع.

نقلا عن صحيفة عدن الغد

//ads
إقرأ أيضاً