تريم‬ .. المدينة التي تحب الحياة وتكره الموت
2015-10-28 23:39:55
:

حضرموت اليوم / مراسل الجزيرة : سمير النمري :
بينما كان شباب يعملون في ورش داخل كهوف نحتت ببراعة في أعماق الجبال بمحافظة صعدة لتصنيع الإلغام والعبوات الناسفة القادرة على قتل أكبر عدد من الأبرياء.
كان آخرون في مدينة تريم بمحافظة حضرموت شرق اليمن يعملون وبنشاط كبير داخل مصانع تقليدية في ورش لتصنيع مكيفات صحرواية وبرادات مياه الشرب لمساعدة السكان المحليين على مواجهة حر الصيف القاتل.
هي مقارنة صعبة في بلد إنقسم بين فريقين أحدهما يبحث عن الموت ويتفنن في صناعته وأتخذه شعارا ورمزا ودمر كل شي في سبيل تحقيقه وهم الأقلية وبين فريق آخر يبحث عن الحياة ويناظل في سبيلها وهم الأكثرية .
كنت سعيدا عندما أتيحت لي فرصة لزيارة مدينة تريم بمحافظة حضرموت حيث وجدت سكانها كخلية نحل تعمل بصمت ونشاط مذهل.
أصطحبني المصور الرائع عبدالله عاشور (الذي رافقني في مهمتي الصحفي بمحافظة مأرب ) برفقة الرائعين فهمي بارماده والصحفي راضي صبيح لزيارة مصنع الصديق الصيفي الذي يقوم بإنتاج مكيفات صحرواية لا يتعدى سعر الافضل منها 150 دولارا.
كنت في ذهول وأنا أستمع لشرح تفصيلي من أحد القائمين على المشروع وهو يتجول بنا في خط الإنتاج الذي يبدأ من تشكيل القطع حتى عملية التصدير وهو بالكامل نتاج سنوات من العمل والتخطيط المتراكم لسكان محليين من المدينة التي تبعد نحو 30 كلم شرق مدينة سيئون .
يخبرني الشباب الذي رافقوني في تلك الزيارة عن وجود أكثر من 40 مصنع لصناعة المكيفات الصحرواية في المدينة الصغيرة ويعمل بها المئات من الشباب وحتى كبار السن المحترفين.
تتميز تلك المكيفات المصنوعة محليا بالكامل بقدرتها على العمل في البيئة الصحرواية الحارة وكذلك إستهلاكها القليل جدا للكهرباء وبسعرها الذي يقع في متناول الجميع .
أثناء مرورنا في شوارع المدينة التي إشتهرت بأنها جمهورية الصين نظرا لوجود عدد كبير من الصناعيين المهرة الذين يعملون في مختلف المجالات لاحظت عشرات الورش والمحلات التي تعمل بشكل لافت .
يقول السكان في حضرموت أن أبناء تريم لديهم قدرات فائقة في الإبتكار وإيجاد الحلول للمشكلات حتى أنهم أصبحوا مشهورين بالإبداع في مختلف المجالات بما فيه الإبداع الفني كالغناء وهندسة الصوت والتصوير فضلا عن إبداع سكانها في حفظ القرآن وتلاوته.
أثناء تجوالك في شوارعها المنظمة والمرتبة تزدحم اللوحات الإرشادية الخاصة بالمسابح فلم أكن أصدق أن مدينة بهذا الحجم الصغير مقارنة بمدن اليمن الكبيرة توجد فيها عشرات المسابح التي تتنوع بين الكبيرة والصغيرة بين العادية والتحفة الفنية وتتم إستئجارها بأسعار زهيدة جدا وتزورها العائلات بإستمرار للإستمتاع بالمياه وخاصة في فصل الصيف الساخن.
كنت متحسرا ومكلوما عندما تذكرت تلك المعسكرات والألوية العسكرية الضخمة التي أنفق عليها الرئيس المخلوع صالح كل أموالنا واحلامنا لكي يتقوم بحراسته التي فشلت فيها وهاهي تدمر بطريقة تدمر معها ماضينا.
ماذا لو كان عفاش رئيسا محبا لشعبه وقام ببناء مدن اليمن الجميلة وإنتشل شبابها من رصيف البطالة بدلا من بناء تلك المعسكرات?
لكانت الآن شاهدة له كرئيس عظيم, لكنه اراد لنفسه أن يكون ملعونا من هذا الجيل وأجيال قادمة دمر مستقبلها المنشود.
في تجوالي بمدن حضرموت الوادي تبادر إلي سؤال فضولي عن السبب الذي يمنع الرئيس هادي ونائبه وحكومته من العودة لقيادة البلاد منها خاصة وأن الجيش الموالي لهم يقوم بدور فعال في ضبط الأوضاع وحماية مؤسسات الدولة فيها.
(فكانت الإجابة خليهم يتفقوا أولا وبعدها سيعودوا.. )
جميلة هي تريم وعظماء هم أبنائها الذين يصنعون الحياة والجمال والمستقبل ويكرهون الموت ويحاربونه بوسائل المتعة المشروعة .
أتمنى من تجار حضرموت ورجالها أن يلتفتوا لتريم وان يساهموا بفاعلية في دعم المشاريع الصغيرة وتطويرها من خلال تبني مشروعات سياحية وإقتصادية تجعل منها مزارا للبلد بكله خاصة وأنها مدينة العلم والعلماء والمساجد التي تخترق مآذنها السماء لتصدح بالحق المبين.
تريم لا زالت تنبض بالحياة.. حياة تنعم بالسلام وتكره الحرب ودعاتها.

شكرا لكم أبناء تريم.. أعدتم لي الحياة التي أفتقدتها لعدة أشهر

//ads
إقرأ أيضاً