فاز تجمع " العدالة والتنمية " بانتخابات البرلمان التركي وبأغلبية تؤهلهم تشكيل حكومة دون شراكة .
حققوا ذلك من خلال العمل في كافة دوائر عملهم دون ازدواجية تنظيمية , والقيادة دون تداخلات إدارية , والتربية دون رهبانية ابتدعوها.
فاز الأتراك لأنهم أجبروا الناخب على اختيارهم , فهم شعب صاحب استقلالية , يعلم أن اختياره للأفضل يعود عليه بالنفع والتطور بينما اختياره وفقا لولاءه الحزبي فقط سوف يصب عليه غدا قهرا وشقاء .
ومن هنا فقد خاطب أبناء الحركة الإسلامية التركية عقل هذا الناخب بالواقع لا بالأحلام وبالحقيقة لا بالخيال .
خاطبوهم بما تحت أيديهم من تطور وتميز حققوه لوطنهم خلال فترة حكمهم في كل مجال . وهذا يجعلنا نقف مع حالنا في مراجعة صادقة للمسيرة وتصحيح جاد للمسير .
تختلف الإمكانيات وحجم التحديات , ولكن بداية النجاح تكمن في دراسة تجاربهم والاستفادة منها بما يناسب مجتمعنا وظروفنا .
وفي رأيي الخاص أظن أن أهم سبب لفوزهم هو أنهم استطاعوا سد معظم الثغرات التي كان يستطيع الخصم الدخول عليهم منها ومن ثم إضعافهم جماهيريا وتفتيتهم تنظيميا , استطاع " العدالة والتنمية " بمهنية واحترافية أن يحقق التكامل والتوازن المطلوب بين النقائض والأضداد بما جعله قادرا على اتخاذ أي قرار بكل قوة وثقة دون الحاجة لتقديم التنازلات لخصومه في قضايا مصيرية .
كما أن ثباته على التوجه الإسلامي , وقوته في القرار السياسي ودعم القضايا الإنسانية مخالفا سياسة الدول الكبرى , قد حقق له مصداقية بين أوساط الشعب فنال بها فوزه الكاسح . وبينما كان النصر حليفا للإخوان في تركيا , فقد تعرض نظائرهم خارجها لعوائق عرقلت تحقق التمكين لهم .
وأظن إن أكبر سبب عرقل سيرهم هو حالة التيهان والحيرة في اتخاذ القرار الذي يمليه عليهم مبدأهم الخالص الصادق في ظل ظروف قاهرة تحيط بهم .
وذلك بسبب ثغرة لم يحسنوا سدها فدخل منها خصمهم فكانت النتيجة تنازلا منهم لمخططه والسير مكرهين في مساره .
لقد أجاد الإخوان العمل في مجالات عدة ولكنهم تركوا أبواباً بلا فاعلية .. وإذا ما استثنينا إخوان فلسطين وتركيا , فقد كان خطأ غيرهم أنهم :
ـ حين لبسوا ثوب عثمان لم يحملوا معه درة عمر .
ـ حين حركوا أصبع محمد بن واسع لم يشحذوا معها سيف قتيبة .
ـ حين اهتموا ببناء جسور التواصل مع الغير لم يشيدوا لأنفسهم سد ذي القرنين الحصين .
ـ حين تألقوا في تأهيل الشباب على فنون الخطابة والإعلام والإنشاد لم يهتموا كثيرا بخلق جيل رائد في فنون الدفاع عن النفس والعلوم العسكرية .
ـ حين انتشروا أفقيا بين شرائح المجتمع فتروا ـ تخوفا ـ عن الكسب في صفوف الجيش والأمن .
ـ حين نهجوا نظام الحكماء رأسيا لم يغذوه بخلايا شبابية لسد الخلل الحاصل بفعل الزهايمر وضعف التركيز .
ـ حين أسسوا كيانا سياسيا وضعوا بيضهم في سلة واحدة ولم يجعلوا لهم دارا كدار الأرقم .
ـ حين دخلوا غمار السياسة أمروا البراء وأبا الدرداء وحسان أن يكونوا ـ ونطاق عملهم ـ أهل سياسة برغم مغايرة فنونهم لها , ولم يوجهوا لها من يتحلون بفطنة معاوية ودهاء عمرو ومكر نعيم وأفكار سلمان .
ـ حين نكتب مثل هذا فهو من باب الحمية لنيل التمكين , متناسين سنن الله في المدافعة والتمايز والتمحيص وضرورة تذوق البأساء والضراء والزلزلة واستكمال أسباب الفتح .
ومن أجل تحقيق الهدف لابد من المراجعة والتقييم ونهج درب التصحيح السليم , حتى نصل معا ـ بفضل من الله ـ لإقامة الدولة الرائدة في ظل خلافة راشدة .
بقلم : ابو الحسنين – محسن معيض