الذكرى الثلاثين لمهرجان باكثير في سيئون
2015-12-26 22:20:57
:

كان الأستاذ علي أحمد باكثير (1328هـ ـ 1389هـ =1910 ـ 1969م) الذي ولد في سورابايا باندونيسيا ومنذ التاسعة عشر من عمره ترعرع في سيئون وأصدر بها (مجلة التهذيب) عام 1350هـ الموافق 1930م وسافر إلى السعودية وكان له بها عمله الأدبي المسرحي الأول (همام أو في بلاد الأحقاف) ثم إلى مصر وكان متأثرًا بالمدرسة السلفية الحديثة وبالسادة : محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب ومجلة الفتح ، والتحق عام 1934م بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية، كان نمطًا فريدًا من الأداباء ، يمني النشأة حيث أصالة العروبة ، إسلامي التوجه على صلة وطيدة بالإخوان المسلمين كاد أن يُعتقل مع سيد قطب عام 1965م لولا  شفاعة عبد الناصر شخصيا له باعتباره ضيف مصر ، وعلمًا من أعلام الفكر الإسلامي في القاهر ظهر في فترة من أهم العرب والمسلمين خصوبة وحيوية .

          خلاصة نتائج زيارته لبلده سيئون أواخر عام 1968م :

الأستاذ الأديب علي أحمد باكثير غفر الله له الذي زار بلده سيؤون (محافظة حضرموت) في أواخر عام 1968م وراقب الوضع مراقبة المحلل البصير ، وعاد إلى القاهرة منذرا بكابوس ونفق مظلم يدخله اليمن الجنوبي وصور للشباب المتحمس المستبشر بالاستقلال أن البلد في خطر الهرولة نحو الماركسية التي ما دخلت بلد إلا أفسدته وجعلت أعزة أهله أذلة ، ثم أدرج تحليلاته تلك مسرحية درامية لا زالت ضمن مخطوطاته التي لم تتهيأ للطباعة لترى النور في مكتبة دار العمودي أو جمعية أصدقاء باكثير بالقاهرة ، صور في ذلك العمل الدرامي المسرحي نهاية الكابوس الذي سيخرج اليمن الجنوبي من واقعه الأليم و تحقق الوحدة اليمنية ، تنبأ الأستاذ علي أحمد باكثير رحمه الله أن خلية إسلامية سوف تتسلل إلى الجبهة القومية سينبتها الله ثم ستحدث انقلابا ضد الماركسيين فيها وتعلن عن الدولة الإسلامية التي تحقق الوحدة اليمنية ، وهكذا تكون نهاية الكابوس . وضعت السلطات في عدن كتب الأستاذ علي أحمد باكثير في القائمة السوداء ومنع تداولها بالداخل.

                   أسلمة المعــرفـة والإبداع عند باكثير :

   فمن خلال فهم باكثير لجوهر الإسلام ووسطيته أسلم المعرفة والإبداع في أصعب مجالاتهما ، مجال الأدب والفنون ، فكان بحق رائد إثبات صلاحية الإسلام لحكم المجتمع وبث العدلة الاجتماعية  في تصوير فني بديع في روايته : (الثائر الأحمر)وكشف خطط اليهود ودروهم في روايته (واسلاماه)   

                          خدمته للأدب والفن الأدبي العربي :

     قال عنه المفكرون المنصفون : كان علي أحمد باكثير رائد الشعر الحديث بشهادة معظم الأدباء . أكد د. محمد أبو بكر حميد أن بكثير ظلم ، وأن سبب ظلمه هو التزامه الإسلامي ، والسنوات العشر الأخيرة من حياته كانت مظلمة ، يكتب ولا ينشـر ، يقدك مسـرحياته للمسؤلين في المسرح القومي في مصر فلا يردون عليه .. إن الظلم الذي تعرض له لم ينطلق من نزعة إقليمية أو عنصرية ضده ، فكثيرون من غير المصـرين قصدوا القاهرة ، ونالوا حقهم وأكثر ، إلا أن مشكلة باكثير أنه لم ينتم إلى شلة تسانده من أهل اليمين ، كما أن جماعة أهل اليسار رفضته في مجال المسرح لالتزامه الإسلامي .. حاربوه بالصمت ، ولاذ هو بالشعر وكانت لجنة القراءة في المسرح القومي في مصر لا تقبل المسرحيات التي يرسلها . من أشهر مسرحياته : سر الحاكم بأمر الله ، جحا . ومن روائع شعره الجهادي :  

لـيت لي مليـون ســـاق   انبري رقصًا بها في المعمعة

ثم لا تسلم منها واحدة     لترى نعشــي والنصر معه

 وقال :

الصلح للعرب لحـدٌ يقبرون به   وللعدا هو مهـدٌ يكفل الدلدا

إياكمــو إن تزلـوا زلة عممـا   فتفتحوا لهم الأبواب والسددا

إذن تبيدوا على أقدامهم ضعة    إذن يعيشـوا على أشلائـنا غـدا

وقال :

  ومـن تجـردَ عـن دينٍ وعــن خــلقٍ    فلـيس يرفعه عـلمٌ ولا أدبُ

   والعلمُ والدين والأخلاق إن جمعت    لأمةٍ بلغوا في المجد ما طلبوا

                      إعجاب كبير بالأديب باكثير :

 ـ عبد الناصر قرأ في بداية تكوينه الفكري السياسي والعسكري واتصاله بالإخوان المسلمين رواية باكثير : (واسلاماه) فلما أراد نظامه القمعي الاستبدادي الاستئصالي التخلص من قادة الفكر والدعوة ومحاكمة باكثير مع إخوانه سيد قطب وجماعته والحكم عليهم بالسجن ،  أنقذ باكثير قراءة عبد الناصر لروايته (واسلاماه) وإعجابه بها من السجن في 15/1/1954م بعد مسرحية افتعالها النظام وعرفت بحادثة المنشية ، وتكرر الأمر في 29/8/1966م حيث حكم على ما عرف (جماعة الإخوان المسلمين ) جماعة سيد قطب بالاعدام فأعدم الجميع إلا باكثير الذي لم يُقدَّم للمحاكمة بشفاعة عبد الناصر شخصيًا باعتباره ضيف مصر وليس مصريا ، وهذا كأثر لأدبه الجميل . 

   ـ يقول الشيخ علي الطنطاوي غفر الله له : رحم الله باكثير فقد كان رائد الأدب الإسلامي عملاقه ، ولم يأت من بعده من سدَّ مسده في حومة الأدب الإسلامي بأجناسه الشتى  وخاصة في الرواية والمسرح .

 ـ المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس أبدى إعجابه برواية (الثائر الأحمر) فاعتبرها من أهم روايات القرن العشرين .

  ـ  شكيب ارسلان كتب له رسالة اعجاب بأدبه .

 ـ بدر شاكر السياب : اعترف لباكثير بريادته للشعر الحر في ديوانه الذي أهداه إلى باكثير : فإلى باكثير تنسب ريادة الشعر الحر في ترجمته لمسـرحية شكسبير المشهورة  (رميو وجولييت) عام 1936م ثم تأليفه مسرحية (اخناتون ونفرتيتي)عام 1940م  التي وظف قدراته اللغوية العربية بأسلوب أنيق على بحر المتدارك فاعتبرها النقاد الرائدة في الشعر الحر الدرامي وغير الدرامي . كما كان رائد فن المسـرح العربي منذ ذلك العام 1940م  لكن قوى مصادرة واستئصال الفكر العربية تأبى إلا أن تجعل ريادة شعر التفعيلة (الشعر الحر) لبدر شاكر السياب أو لنازك الملائكة مع أنهما أوضحا أنهما استنبطاه من مغامرات باكثير التجديدية التي أحدثها في شكل القصيدة العربية . لأن التكريم في دول الاضطهاد الفكري العربي ، ليس للإبداع ولكن : لإرضاء زبانية الشرق والغرب في مهاجمة ثوابتنا وقواعد ديننا . فلقي باكثير عنتًا من بعض الجهات المصرية . 

ـ  يحيى حقي : شهد لباكثير أنه مبرأ من اللوم والخسة والصغائر وتدبير المقالب من وراء الظهر .

 ـ الأديب السعودي فاروق صالح باسلامه : نشر في جريدة (البلاد السعودية) أن باكثير من جيل أصيل ممن ينتجون أكثر مما يتكلمون ، وهذا ديدن المؤمنين العاملين .

 ـ الأديب والشاعر السوري يحيى حاج يحيى : لقد كتب للأديب باكثير أن يعيش حياة الضنك والقهر .

   ـ توفي في القاهر آخر يوم من شعبان 1389هـ الموافق 10/11/1969م غفر الله له ورحمه الله رحمة الأبرار ، فقد كان يقول في آخر أيامه : لأن أكون راعيًا في حضـرموت خيرٌ لي من الصمت المميت في القاهرة          

ـ في 23ديسمير عام 1985م أقام اتحاد الأدباء اليمنين وجامعة عدن  المهرجان الأول لباكثير في سيئون شارك فيه وفود من كل اليمن إلى جانب وفود من الدول العربية ، واليوم يمر على ذلك المهرجان ثلاثون عاما فما الذي تحقق من توصياته ؟؟. 

ـ وفي العام 2010م على رأس مائة عام على مولده : نظم الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ورابطة الأدب الإسلامي العالمية المؤتمر الدولي بمقر اتحاد كتاب مصـر بقلعة صلاح الدين  الأيوبي بالقاهرة ، وعلى مدار أربعة أيام وعشرين جلسة صباحية ومسائية لمشاركة رموز وأعلام الفكر والأدب والدعوة من اليمن ومصر والسعودية وليبيا وسوريا والمغرب والجزائر والإمارات ونيجيريا وإيران والعراق والأردن وباكستان ، قدمت فيه 45 بحثًا علميًا محكمًا تناولت تقاطعات الإبداع المسرحي والتأويل التاريخي وتطويع الاسطورة للفكرة الإسلامية ، واستلهامه للكتب المقدسة وجكاليات البناء الفني في مسرحه السياسية فكانت أهم محاور مؤتمر : (علي أحمد بكثير ومكانته الأدبية) تلك الدراسات التي تناولت الالتزام المبكر لباكثير بالقضية الفلسطينية .       

           كان غفـر الله له إســلامي المنـشأ والمنبـت والمسـار والمصـب  :

     تربطه بحسن البنا غفر الله له روابط قديمة منذ العام 1934م حين كانت صحيفة (الإخوان المسلمين) تنشـر مسـرحياته ، كما تربطه بالأديب والناقد الإسلامي المبدع والعملاق المجدد منذ ثلاثينيات القرن العشـرين سيد قطب علاقات وطيدة ، فقد كان الأديب الناقد المتميز منذ ثلاثينات القرن العشـرين الشهيد سيد قطب . وكان اسم باكثير  على قائمة المطلوب اعتقالهم في 15/1/1954م بعد حادثة المنشية ، وبعد استشهاد سيد قطب في 29/8/1966م لكن شفاعة عبد الناصر الذي قرأ روايته التاريخية (وا سلاماه) قبل الثورة فأعجب بتصويره الفني شفع له . 

        أعماله الأدبية وما قدم لأمته :

  •  45مسرحية إسلامية طويلة . وملحمة عمر في 19 جزء .
  • 62 مسرحية إسلامية قصيرة تحت الطبع .
  • 120 مسرحية سياسية تسجلية .
  • 6 روايات .
  • 4 دواوين شعر .
  • 4 كتب فكرية رصينة ، أهمها كتابه : فن المسرح من خلال  تجربتي الشخصية .

                     علي باكثير غفر الله له في وجه الصهيونية :

ـ أحس بالخطر الصهيوني فتنبأ بقيام الكيان الصهيوني منذ عام 1944م في فلسطين في مسـرحيته : (شيلوك الجديد) التي كتبها عام 1944م وصدرت عام 1945م فامتنعت دور النشـر في لندن عن نشر النص الإنجليزي الذي كتبه بنفسه تحت تأثير الصهيونية العالمية ذلك أنه رأى أن الحل للقضية الفلسطينية فرض الحصار الاقتصادي على دويلة بني صهيون . ثم تابع تطورات القضية الفلسطينية وجذورها في مسرحياته : (شعب الله المختار) عام 1956م ، و(إله إسرائيل) عام 1963م ومن آخر ما كتب مسـرحيته الشديدة الأهمية التي كتبها عام 1968م بعد مكبة حزيران 1967م  (التوراة الضائعة) وطبعت عام 1969م بعد وفاته غفر الله  الصلح مع إسرائيل ، وكتب مسرحيته الخامسة (التوراة الضائعة) عام 1968م في أعقاب نكبة حزيران 1967م قبيل وفاته عام 1969م

ـ  في لقاء قبل خمسة أعوام من وفاته في دار اتحاد كتاب فلسطين أبدى باكثير عزمه أن يكتب عن المقاومة الفلسطينية ، فودهت له قيادة الكفاح المسلح على نهر الأردن طلبًا لزيارة خط المواجهة مع بني صهيون ، لكن المنية سبقت فاختاره الله إلى جواره رحمه الله رحمت الأبرار رحمت واسعة .  

ـ استشرف نهاية وسقوط النظام الشيوعي وفشل نظريتها في إسعاد الفقراء منذ العام 1949م و في روايته (الثائر الأحمر) التي كانت سبب نقمة الشيوعين المتسلطين على أجهزة الإعلام المصـرية آنذاك ، وفي روايته التاريخية التي نالت شهرة عربية ( واسلاماه) عام 1944م . وتنفع المسرحية في دراسة الأحداث التاريخية .

           وعلي أحمد باكثير غفر الله له :

 قدّم الإبداع الفني والأدبي على الكسب المادي فلم يكن أبدًا  همه الكسب فنجح هذا النجاح العظيم ، وهو درس لكل ملتزم ألا يكون الكسب المادي عنده هو الأهم ،  حتى ينجح في تقديم خدمة لمجتمعه ووطنه وأمته ويترك بصمته فيقال بعده : مر من ها هنا وهذا الأثر .. قال د.محمد أبوبكر حميد : لقد عاش باكثير حياته قانعًا براتبه الذي يكاد يسـدّ حاجته لايكض خلف مالٍ يجنيه من كتبه مكتفيًا بانتشارها وذيوعها منصرفًا عما يتهالك عليه الناس في دنياهم إلى جـوٍ روحي خالص لنفسه يشعر دائمًا باطئنان إلى المستقبل . فلم يشعر يومًا أنه فقير أمام صاحب مال مؤمنًا غناه في نفسه وعلمه وأدبه .. أقول : وهكذا ينبغي أن يكون كل ملتزم ..     

 بقلم الاستاذ : محمد يسلم بشير

//ads
إقرأ أيضاً