مع صديقي الملحد.

لمدة يومين متتاليين في بهو أحد الفنادق بمدينة اسطنبول التركية قبل عدة سنوات كنت اجتمع معه وهو لا يكف يحدثني عن كذبة وجود الله وعن خرافة الجنة والنار وعن سخريته من الأديان والأنبياء .

كنت طيلة هذه الفترة أستمع وبكل اهتمام لكل كلمة يقولها مستجمعاً كل مشاعري الإنسانية تجاه إنسان أرى أنه أحق بالرحمة والحب والتقدير منه بالسخرية والكراهية والاحتقار .

وفي نهاية جلستنا في الليلة الثالثة قلت له : لقد استمعت لك طيلة اليومين الماضيين ياصديقي العزيز فهل تسمحي لي أن أتكلم ؟ .

وبكل احترام وتقدير وشغف قال لي تفضل : نظرت إليه مستجمعاً كل ما كنت قد حشدته من مشاعر إنسانية جميلة وحانية يمكن أن يحتشدها إنسان ويستطيع أن يغمر بها الناس من حوله ورحت أثني على كل مايمكن أن يصلح للثناء الصادق المعبر في انسان كرمه الله بصفات الجمال والكمال والخيرية .

ثم سألته سؤالاً واحداً يتيماً مفاده : هل تشعر بسلام داخلي يغمر كيانك خصوصاً عندما تكون مع نفسك وفي لحظات عجزك البشري ؟.

 

الا تشعر بحاجتك وافتقارك الى الله السند والمعين؟ هل تشعر بأنك تعيش الإنسجام الروحي والوجداني مع نفسك أولاً ثم مع الكون من حولك ؟ .

وبدأت افلسف له حقيقة السلام والوئام الذي يحدث في أعماق الإنسان واسبابه، وأفسر له علاقة ذلك بالله الخالق والدين المهيمن على هذه القضية وماذا يحدث حين تختل وتفقد توازنها. كنت أحدثه وانظر إليه ، بينما لا تكف عيناه عن البكاء وهو يمسح عنهما تلك الدموع التي راحت تتفجر كبراكين تحكي حقيقة النزيف المنبعث من جراء هذا الصراع الداخلي المرير الذي لا يرحم.

كنت أمطره بأسئلة متوالية وهو لا يزيد في كل جواب عن ترديد كلمتين : صدقت يا أخي. .... غالباً لسنا في حاجة لإثبات علاقة الانسان بالدين والرب الخالق من خلال جدليات المنطق والانتصار للحجج واستحضار المعجزات والمفحمات بقدر ما نحن في حاجة لسوق النفوس والأرواح سوقاً رفيقاً رقيقاً نحو مكوناتها الأصلية الأولى.

"ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيم من العلم إلا قليلاً ". فالرفق الرفق بأرواحٍ ونفوسٍ أرهقتها مشاهد الإضطراب المادي من حولها فأجفلتها عن الطريق شيئاً يسيراً فلا تزيدوا في جفلتها وشرودها أكثر من ذلك ولكن ساهموا في إعادتها وردها إلى الجادة بالتي هي أحنّ وأحسن وأرفق وألطف وألين. والسلام. .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص