رسالتك أيها المسلم للأستاذ / عبدالله علي سليمان جود (تسجيل صوتي)

الحمد لله ...

أما بعد .. فيا معشر المسلمين :

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه المبين :( يا أيها الذين آمنوا أركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) في هذه الآية حدد الله رسالة المسلم في هذا الوجود ومهمة المؤمن في هذه الحياة،هل هي رسالة روحية؟ أم هي رسالة اجتماعية؟ أم هي رسالة سياسية؟ أم هي رسالة تجمع كل ذلك في نسق جميل ..

إن رسالتك الأولى في هذه الحياة أيها المسلم يحددها قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم ) فأول شي من مهمتك يا مسلم الركوع والسجود وعبادة الله، إنك أيها الإنسان لست هذا الهيكل من اللحم والدم، والعظم والعصب، وإنما أنت نفخة من روح الله خلقك الله بيديه ونفخ فيك من روحه، وجعل الملائكة لك حفاظاً، وأنزل الكتب وأرسل إليك الرسل مبشرين ومنذرين .. أنت أيها الإنسان صاحب هذه المكانة العليا،أنت خليفة الله في أرضة وسيد هذا الكون كله، أيليق بهذا الإنسان أن يُهمل مهمته، وأن يغفل مكانته وأن يجهل رسالته ويصبح كل همه دائرا حول معدته، وغايته محصورة في بطنه يأكل ليعيش ويعيش ليأكل . فما لهذا خلق الإنسان، وما لهذا أنزلت عليه الكتب ، وبعثت إليه الرسل، وإنما خلق الإنسان لمهمة أسمى، ورسالة عظمى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) وفي الأثر الإلهي : ( يا عبادي إني لم أخلقكم لا ستأنس بكم من وحشة، ولا لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستعين بكم من وحدة على أمر عجزت عنه، ولا لجلب منفعة، ولا لدفع مضرة، ولكن خلقتكم لتعبدوني طويلا،وتذكروني كثيرا، وتسبحوني بكرة وأصيلا)

أيها المؤمنون :

لقد جاء الإسلام من أول يوم يقود الناس إلى الله بزمام الدعوة والترغيب والترهيب حتى يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وليست العبادة في الإسلام شكلاً يتعلق بالمظهر أو رسماً يتصل بالجسم،ولكنها سر يتعلق بالقلب وإخلاص ينبع من الروح فإذا لم يصدق قلب المسلم في عبادته، ولم يخلص لله في طاعته،فيردها الله عليه ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) وقد يتساءل إنسان،لماذا الزم الله تعالى عباده بأوامره وكلفهم بتكاليف وفرض عليهم عبادات ؟ هل كان الله بحاجة إلى عبادتهم؟ كلا،إنه خالق الخلق،ومالك الملك رب السماوات والأرض ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) وقال عز وجل ( ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ).

أم هل أراد الله إعنات خلقه وإرهاقهم والمشقة عليهم،كلا ثم كلا،إنما أراد لهم الخير والصلاح والتزكية والتطهير ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم،لعلكم تشكرون ).

فرض الله عليهم الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وأوجب عليهم الزكاة ليطهرهم ويزكيهم بها، وكتب عليهم الصيام لعلهم يتقون، وأمرهم بالحج ليشهدوا منافع لهم ويذكروا أسم الله، وندبهم إلى تلاوة كتابه ليدبروا آياته وليذكر أولو الألباب، وحثهم على الذكر والدعاء لتعلو على الدنيا هممهم، وترتفع عن مطالب الخلق رؤوسهم . تلك هلي الأهداف الكبيرة التي شرع الله من أجلها العبادات، فإذا لم تحقق هذه العبادات أهدافها، فقد فقدت روحها ، وردت على صاحبها ( من لم تأمره صلاته بالمعروف، ولم تنهه عن المنكر، لم يزدد من الله إلا بعدا ومن لم تطهره زكاته فلا زكاة له، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامة إلا السهر، ورب حاج ليس له من الحج إلا أسمه ورب تال للقرآن والقرآن يلعنه، ورب داع دعاؤه مردود عليه )  .


أيها المسلمون :

وليست العبادة في الإسلام مقصورة على الفرائض والأذكار والأدعية، فإن الإسلام يعتبر الأرض كلها مسجداً فسيحاً للمسلم ، ومحراباً كبيراً للمؤمن يستطيع أن يتعبد التاجر في متجره، والمزارع في حقله، والموظف في مكتبه، والصانع في مصنعه، والعامل في عمله، والطالب والمعلم في مدرسته، والجندي في مهمته، ما دام يتقن عمله ويبتغي به وجه الله، ويقصد به أن يكون فرداً عاملاً في ميدان الإسلام وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث ( من طلب الدنيا حلالاً وتعففاً عن المسألة، وسعياً على عياله، وتعطفاً على جاره، لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر ) ..

أيها الاخوة المؤمنون : أما الرسالة الثانية للمسلم فهي فعل الخير ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) ففعل الخير شيمة المسلم، فليس المسلم في المجتمع كلاً ولا عاطلاً وليس عاقاً ولا مؤذياً ولكنه ينبوع يفيض بالخير والرحمة، ويتدفق بالنفع والبركة، يجد المجتمع في إسلامه سلاماً له من كل شر، ويلمسون في إيمانه أماناً لهم من كل سوء .

وليس هذا فحسب ولكنه يفعل الخير، ويدعوا إليه، ويبذل المعروف ويدل عليه وفي الحديث الصحيح ( من دل على فعل خير فله مثل أجر فاعله ) رواه مسلم .

لقد ظلم نفسه وظلم دينه ذلك المسلم الذي يعيش عالة على الناس وعضواً مشلولاً في جسم الأمة، يأخذ من المجتمع ولا يعطيه, ينتفع منه ولا ينفعه ، ويستمد منه ولا يمده، وإن الإسلام دين اجتماعي لا يعرف القعود ولا يقر البطالة ولو كانت من أجل التبتل والعبادة .

وعلى المسلم أن يبذل جهده لنفع المجتمع الذي يعيش فيه، ودفع عجلة الخير فيه إلى الأمام فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار؟ قال : ( الإيمان بالله ) قلت : يا نبي الله مع الإيمان عمل؟ قال : ( أن ترضخ مما خولك الله ( أي تعطي مما ملكك الله ) قلت : يا نبي الله فإن كان فقيراً لا يجد يا يرضخ؟ قال : ( يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ) قلت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال : ( فليعن الأخرق ) ( أي الجاهل الذي لا يعلم صنعة ) قلت : يا رسول الله أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع قال : ( فليعن مظلوماً ) قلت : يا نبي الله أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً قال : ( ما تريد أن تترك لصاحبك من خير؟ ( ليمسك أذاه عن الناس ) قلت يا رسول الله، أرأيت إن فعل ذلك يدخل الجنة.؟ قال : ( ما من مؤمن يطلب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ) رواه الطبراني .

أقول قولي هذا ...........

الخطبة الثانية :

الحمد لله ..

أيها المؤمنون عباد الله :

وهكذا هو الإسلام يستحث كل مسلم مهما كان محدود الاستطاعة أن يفعل الخير للناس ولم يجعل الإسلام هذا المعروف مالياً فينفرد به الأغنياء دون الفقراء، ولا بدنيا فيختص به الأقوياء من غير الضعفاء، ولا علميا فيتميز به المتعلمون ولا يقدر عليه الجاهلون، ولكن جعله متاحا للجميع يؤديه كل امرئ على قدر طاقته،ويشترك فيها الفقير والجاهل والضعيف بل ووصل الأمر أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن لم يستطع أن يعمل معروفاً ( أمسك أذاك عن الناس ) .

أجل أيها الإخوة فمن لم يستطع أن ينفع فلا يضر، فإن له بذلك أجر.

أيها الأخوة الكرام :

لقد كان الأوسُ والخزرجُ قبل الهجرة النبوية قد اتفقوا على إيقاف الحرب بينهم، واجتمعوا على تسمية عبد الله بن أُبَيّ ابن سَلُول  ملكا عليهم، فلما بايع الأوس والخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ رأى أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد سلبه ملكا كان ينتظره ، ونسي أنه كان رائد مشروع عملي لسفك الدماء ووحدة الكلمة، وغلبته طبيعتُه النفسية وأنانيتُه الذاتية، ومن ثَمَّ رفض ما اجتمعت عليه كلمةُ الأمة من الأوس والخزرج وأَبَى أن يُقِرَّ برسالة النبي صلى الله عليه وسلم في البداية، فلما رأى انتصار المسلمين في بدر وحالة النجاح العظيمة التي تحققت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين في المدينة لم يجد بُدًّا من الإقرار الظاهري بما اجتمعت عليه كلمة قومه، لكن بقي ضميره مطويا على الرفض وقلبه منطويا على الحقد، وصار جُلُّ همِّه التربص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين وتَصَيُّد ما يمكن أن يُسوِّقه على أنه أخطاء، وصار أحرصَ على التواصل مع أعداء الإسلام منه على التواصل مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولم يَرَ حرجا في التآمر مع اليهود على الأمة التي كادت أن توليه أمرها يوما ما .

ولئن كان من النادر أن تتكرر حالة عبد الله أبن أبي إلا أن هذه الحالة النفسية من الانقلاب على المبادئ والاتفاقات تتكرر في أحوال كثيرة من أناس شعارهم إذا لم تكن إماماً في الخير فلا يفوتك أن تكون إماماً في الشر.

و للأسف ان كثيرا من أبناء المسلمين وقعوا في فخ الإضرار بأمتهم وأوطانهم ومجتمعاتهم،معتقدين أنهم يحسنون صنعا وما علموا أنهم إنما يخدمون أعداء أمتهم،فهل من يقتل إخوانه المسلمين يعتبر ممن يخدمون أمتهم ووطنهم،وهل من يفجر ويدمر ممن يخدمون الإسلام وينصرونه،وهل من يخربون في الشوارع ويقطعون طرقات المسلمين ويضرون بمصالح الناس هل هؤلاء من يرجى منهم أن يبنوا أوطاناً أو يعمروها.

أيها الإخوة المؤمنون :

لقد اهتز العالم لما حدث من مجزرة شنيعة يوم الاثنين الماضي بالعاصمة صنعاء وقتل على إثرها قرابة ( 100 ) من الجنود ومئات الجرحى،وبغض النظر عن من يقف وراء ذلك العمل الإجرامي،فإنه من منطق العقل والإنسانية،ماذا استفاد المجرمون من إزهاقهم لأكثر من مائة نفس وإصابة المئات هل سينال من قام بذلك العمل الأجر والثواب أم أنه سينال العقوبة من الله؟ إن من أرتكب هذه الجريمة الشنعاء كسب سخط كل العالم عليه ولم يكسب تأييدهم،كسب غضب الله سبحانه وتعالى ولم يكسب رضاه، قتل شبابا في ريعان شبابهم  ويتم أطفالا هم في عمر الزهور ورمل العشرات من النساء .

أيها الأخوة :

إن الوطن اليوم بحاجة إلى تعاون الجميع لبنائه وخدمته لا إلى الكيد والقتل والانتقام َ،الوطن اليوم بحاجة إلى طاقات أبنائه في البناء والتعمير لا في القتل والتدمير،الوطن اليوم بحاجة إلى المخلصين من أبنائه لا المتآمرين من أعدائه ..

ولكي يعيش الوطن بأمن وأمان لا بد على الخيرين من أبناء هذا الوطن أن يقفوا بحزم ضد من يقلقون أمن الوطن،ويسعون فيه إلى القتل والتخريب والتدمير،وإزاحة كل المتآمرين والمتواطئين معهم حتى ينعم اليمنيون بالأمن والأمان والاستقرار ويتفرغون للتنمية والبناء والتعمير ..

وصلوا وسلموا     ............

الجمعة 4/ رجب /1433هـ 25/ مايو /2012م

بمسجد عمر بن الخطاب بسيئون حي الوحدة

(تسجيل صوتي)

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص