( الصلاة الغائبة صلاة الجماعة )

( الصلاة الغائبة صلاة الجماعة ) الجمعة 2/شعبان/1433هـ الموافق 22/6/2012م  خطبة : للأستاذ : سالم خندور

إن الحمد لله نحمده ...

عباد الله : اتقوا الله حق التقوى { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى،وقوموا لله قانتين} وقال سبحانه في وصف عباده المتقين : { والذين هم على صلاتهم يحافظون }

وقال أيضا: { الذين هم على صلاتهم دائمون } وقال { الذين هم في صلاتهم خاشعون } إلى أن قال { والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون،الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } وقال عزَّ وجل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأركعوا مع الراكعين } هذا مما جعل بعض العلماء يقولُ بوجوب الصلاة مع الجماعة وجوباً عينيّاً أي فرض علينا على كلِّ مسلم بالغٍ عاقلٍ ذكرٍ مقيم،وفي حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( تَفْضُلُ صلاةُ الجميع صلاةَ أَحِدُكم وحدهُ بخمسٍ وعشرين جُزْءاً ) ...وفي روايةٍ لمسلمٍ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صلاةُ الجماعةِ تَّعْدِلُ خمساً وعشرين صلاةً من صلاةِ الفَذِّ ) وفي روايةٍ أخرى ( صلاة مع الإمام أفضلُ من خمسٍ وعشرين صلاة يُصليها وحده ) وفي روايةٍ للشيخين قال : قال صلى الله عليه وسلم ( صلاةُ الرجل في الجماعةِ تُضَعَّفُ على صلاتِهِ في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك إذا توضأ فأحسن الوضوءَ ثم خرج إلى المسجد لا يُخرجُهُ إلاّ الصلاة،ولم يَخْطُ خطوةً إلا رُفعَتْ له بها درجة،وحُطَّ عنه بها خطيئة،فإذا صلَّى لم تَزَلَ الملائكةُ تُصلى عليه ما دام في مصلاه،اللهم صلى عليه اللهم أرحمه،ولا يزال أحدُكم في صلاةٍ ما انتظَرَ الصلاة ) وفي روايةٍ ( فإذا دخل المسجد كان

في الصلاة ما كانت الصلاةُ تحبِسُه ) وزاد في دعاءِ الملائكة : ( الله أغفر له،اللهم تُب عليه مالم يؤذ فيه،مال يُحدثْ فيه )...

أيها الأحبة المؤمنون الأفاضل : ذكر ابن حجر عليه رحمة الله في الفتح : خمساً وعشرين فضيلة جعَلَتْ صلاةَ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذّ أي الفرد  وحده، وهذه الفوائد قال عليه رحمة الله : الأولى : إجابةُ المؤذن، أي الإجابةُ العملية بالتَّهَيُّىَء والاستعداد بنيَّة الصلاةِ في الجماعة، الثانية : التبكيرُ إلى الصلاة في أول الوقت، الثالثةُ : المَشْيُ إلى المسجدِ بالسكينةِ والوقار، الرابعةُ : دخولُ المسجدَ داعياً – أي ذاكراً لِدُعاءِ وآداب دخول المسجد، الخامسة : صلاةُ تحية المسجد عند الدخول ... وكل ذلك بنيَّة الصلاة في الجماعة، السادسة : انتّظار الجماعة، السابعة : صلاةُ الملائكةُ عليه واستغفارُهُم له، الثامنة شهادةُ الملائكة له، التاسعة إجابة الإقامة، العاشرة : السلامة من الشيطان حين يفُّر عند الإقامة، الحادية عشر : الوقوفٌ منتظراً إحرامَ الإمامِ أو الدخول معه في أي هيئةٍ وَجَدَهُ عليها – إذا جاء مسبوقاً، الثانية عشر : إدراك تكبيرة الإحرام ومن أدركها مع الإمام أربعين يوماً كانت له براءتان، براءة من النفاق وبراءة من النار، الثالثةُ عشر : تسويةُ الصفوف وتَسدِّ  فُرَجِها، الرابعةُ عشر : جوابُ الإمام عِند قوله : سمع الله لمن حمده، فنقولُ ربنا ولك الحمد، الخامسة عشر : الأمنُ من السهوُ  – والنسيان – وتنبيهُ الإمام إذا سَهَى أو نسيَ أو غَلُطَ بالتسبيح أو الفتح، السادسةُ عشر : حصولُ الخشوع والسلامة عمّا يُلْهي غالباً، ولو صلاّها لوَحْدهِ كانت مجرد تسقيطُ فرضٍ، خاليةً من الخشوع والتدبّر .. السابعة عشر : تحسين الهيئةِ غالباً بالتزيُّنِ  والتطيُّب والتجمُّل .. إذ لو صلَّى الإنسان في بيتِهِ فإنه غالباً يُصلِّي في ملابِسِه الداخلية العادية، وربما التي لا يحبُّ أن يراهُ الناسُ فيها .. الثامنة عشر : احتفاءٌ الملائكة به والتراصُّ حوله، التاسعة عشر : التدريبُ على تجويد القرآن وتحسين النطق بتقليد الإمام، وتعلم الأركان والأبعاض والسنن، الفضيلة العشرون : إظهارُ شعائرٍ الإسلام بالاجتماع على كل فريضة، الحاديةُ والعشرون : إرغام الشيطانِ بالاجتماع على العبادة والتعاونِ على الطاعة وتنْشِيط المتكاسل، فالشيطانُ مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، الثانيةُ والعشرون : السلامةُ من صفة النفاقِ ومن إساءة غيره بالظن فيه بأنه تارك للصلاة، فعندما يرونه في المسجد معهم يصلي يبعد هذه الظن والشك عنهم، الثالثةُ والعشرون : ردُّ السلام على الإمام حين يُسلِّم منصرفاً من الصلاة قائلاً السلام عليكم ورحمة الله، فتبادِرْهُ أنت المأمون قائلاً : السلام عليكم ورحمة الله، الرابعة والعشرون : الانتفاعُ بالاجتماع على الدعاء والذكر وعَوْدَةِ بركةِ الكمال على الناقص من المصلين جماعه، ويقبلُ الله صلاتَّهُم ولو باجتماعهم، الخامس والعشرون : قيامُ نظامْ الأُلفةِ بين الجيران والإخوان وحصول تَعَهّدِ بعضهم لبعضٍ في أوقات الصلاةِ في جماعةِ في المسجد، حيث تتعارفُ الوجوهُ، وتتلاَصق الأبدانُ، فتأتلف القلوبُ بإذن الله تعالى ( فالأرواح جنود مجنده كما في الحديث : ما تآلف منها اتلف، وما تناكر منها اختلف ) ( هو الذي ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم، ولكنَّ الله ألف بينهم ) فهذه خمسة وعشرون فائدة وفضيلة ذكرها ابن حجر عليه رحمة الله في الفتح لمن صلى الصلاة في جماعة قَلَّ أنْ توجَدَ في صلاةِ الفذَّ لوحده .

لكنَّ  بعضَ الروايات ذكرت أمداً آخر، ففي حديث البخاريّ عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (صلاةُ الجماعة تُفْضُلُ صلاةَ الفذَّ بسبعٍ وعشرين درجة ) وقد حاول البعض من العلماء : الجمعُ بين حديثي الخمس والعشرين والسبع والعشرين،ولكن ابن حجر عليه رحمة الله ساق عن العلماء تلك الخمس والعشرين  فائدة وفضيلة، التي جعلتْ صلاةَ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذّ غيرَ أنَّه زاد اثنتين وخصَّهُما بصلاة الجماعة الجهرية وهما : الفضيلةُ السادسةُ والعشرون : الإنصاتُ عند قراءةِ الإمام والاستماعُ له .. والسابعة والعشرون : التأمين عند تأمِيِنِهِ ليُوافق تأمين الملائكة .. وبهذا تَرَجَّح أنَّ حديث السبعُ والعشرين تَختَصُّ الزيادةُ فيه بالصلاةِ الجهرية والله أعلم ..

آبائي إخواني المؤمنون سدد الله خطاكم : لقد أصبحت صلاة الجماعة في عالمِ المسلمين اليوم عبادةَ مفقودة، وخاصة في الفروض كالعصر والفجر الا من رحم الله ..

بل صرنا نشاهدُ التأخُّرَ عن الجماعات، بل والجٌمع أيضاً عند كثير من الناس الذي يُفَضِّلُون عليها الجلوسَ في الأسواق والبيوت ومعافسة الأولاد والأزواج، ومشاهدة التلفاز ، فلا يَخْرُجُ إلى صلاة الجماعة أو الجمعة إلاّ متأخراً، وقد يُدرِكَ الركعة الأخيرة أو التشهّد الأخير، وقد يٌصلِّي مسبوقاً أو يٌصلِّي خلف مسبوقٍ أو يُنشئ جماعةَ أخرى، وهذا أصبح وللأسف الشديد عادةٌ كثير من المصلين أصلحنا الله وإياهم، فلا تراهُ في الصلاة إلاّ مُتخلَّفاً أو تراهُ إلاّ في الصفوف الأخيرة دوماً، وللعلماء كلامً خطيرً يَخُصُّ هؤلاء جمعياً، ومن أرد الإطلاعٌُ عليه : يرجع إليه في كتبهم وأبوابها، لكنني سأكتفي بما رواهُ مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال : من سرّهُ أنْ يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن، فإنَّ الله شرع لنبيّكم سُنَنَ الهدى، وأنهنَّ من سُنَنِ الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يُصلّي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيِّكم، ولو تركتم سنِّةَ نبيِّكم لضللتم وما من رجل يَتَطَهَّرُ فيُحسِنُ الطهور ثم يَعْمَدُ إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلا كَتَبَ اله له لكل خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطٌّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يُوتى بالرجل يُهادي بين الرجلين – أي يُساعدانه ويتكئ عليهما – حتى يقام في الصف ... ففي هذا الأثر إخواني ذكر ابنُ مسعودٍ مكانةَ صلاة الجماعة، وأنها من سنن الهدى، وذكر الأجر العظيم لمن حافظ عليها، وذكر الوِزْرَ والنفاق الذي يلحقُ بالمتخلفين عنها ... ولا يزال الرجل يتأخر عن الصلاة والصف الأول حتى يؤخره الله وقد أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم وٌسام شرفٍ ما أعظمةُ من شرفٍ، للذين يعتادُُون المساجد ويتردّدُون عليها للصلوات، أعطاهم وُسام الإيمان الذي هو مفتاح الجنة والنعيم فقال صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم الرجلَ يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ) قال تعالى ( إنما يعمرُ مساجدَ الله من آمن بالله واليوم الآخر ) وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ) فالأيمان مفتاح الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم ( ما من ثلاثةٍ في قرية ولا بدوٍ لا تُقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة ) هذا في القرية والبدو فكيف بالمدينة ...

فيا إخواني : إن في صلاة الجماعة أجر عظيم جداً وقوام لدينكم وسُنَنِ نبيِّكم وقبول أعمالكم يا رعاكم الله وتذكّروا الموت وما بعده فهو خيرُ واعظ لنا جميعاً وكل يومٍ لنا ميّتاً نشجعُهُ أو أكثر ومنّا من يموت فجأة بلا علمٍ ولا خبر، فليتصوّر كلّ واحد منّا أنه هو الميت الذي ختم على عمله وما فيه من تقصيرٍ وأخطاءً وتسويف، فماذا هو صانع في قبره وكيف ذاك والصلاة أول ما يُسال عنها العبد في قبره فإن صلحُت صلُح سائر العمل وإن فسدت فسد سائر العمل والله المستعان جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون.....

 قلت ما قد سمعتم واستغفروا الله .

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيد السادات وصاحب المعجزات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وخلفائه الراشدين ومن تبعهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد عباد الله : أوصيكم ونفسي المقصرة الخاطئة بتقوى الله عز وجل : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) آبائي الكرام وإخواني الأفاضل : إنّ مما يحزن القلب أن نرى كثيرا من الشباب يفرطون في صلة الجماعة فيؤذن المؤذن وتقام الصلاة وبعض هؤلاء نسأل الله لهم الهداية مشغولون في لهوهم ، أما بمشاهدة تلفاز أو بجلوس في المقاهي والطرقات ، ونقول لهؤلاء الله الله في صلاة الجماعة حافظوا عليها ولا تتهاونوا في أدائها واعلموا أن أول الأعمال التي يحاسب عليها المسلم يوم القيامة هي الصلاة ، وأن من آخر وصايا نبيكم ( الصلاة  .. الصلاة ....) فأي عمل أهم من الصلاة ؟

وأخيراً آبائي وإخواني حفظكم الله وأرشدكم إلى كل خير : إنكم تعلمون أنَّ يوم غدٍ تبدأ امتحانات الصف التاسع النهائية وبعد غدا الثانوية،  فلا تنسوا ما أوصيناكم به في  جمعة سابقة من الأمانة كما ينبغي على الآباء العناية بأبنائهم من الناحية الغذائية ومن الناحية الروحية والأدعية والأذكار وحضور صلاة الجماعة حتى يكون التوفيق من الله لهم نسأل الله أن يوفقهم وينّور بصائرهم .                 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص