من وسائل تسلط الحكام على شعوبهم

الحمد لله .......

أيها الأخوة المؤمنون :

عاشت معظم الشعوب العربية والاسلامية فترة طويلة من الزمن ولاتزال تعيش تحت أنظمة حكم استبدادية بوليسية متسلطة ، أذاقت الشعوب الجوع والفقر والجهل ، وتوالت عليها في ظل هذه الأنظمة الحروب والنكبات ، ومارست على الشعوب تكميم الأفواه ، وهذه الأنظمة هي التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه عندما قال في الحديث : تكون النبوة ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم يكون ملكا عاضا ، ثم يكون ملكا جبريا ، والشعوب العربية تعيش مرحلة الملك الجبري وان تظاهر بالديمقراطية فهي ديمقراطية مفصلة على مقاس الحاكم ، وان قالوا بالرأي والرأي الآخر لكنه لا يؤخذ الا برأي الحاكم ، وان أعلنوا التداول السلمي للسلطة لكنه التداول الذي يظل فيه الحاكم حاكما إلى الأبد.

 

وقد يتساءل المرء كيف استطاع هؤلاء الحكام المستبدون السيطرة على شعوبهم هذه الفترات الزمنية الطويلة؟ وما هي الوسائل التي استخدموها في ذلك ؟ وسنحاول في هذه الخطبة أن نستعرض بعضا من أساليب الحكام ووسائلهم في حكم شعوبهم ومنها :

 

أولا : اضفاء نوع من القداسة والتعظيم المزيف حول أنفسهم :

 

فلقد أحاط هؤلاء الحكام أنفسهم بهالة من التعظيم والتفخيم ، فكل مايقولونه صواب ، وكل مايفعلونه هو الصحيح ، وكل مايأمرون به يجب أن ينفذ ، لا يستطيع احد أن ينتقدهم ولا يعترض على كلامهم ، يساعدهم في صناعة الوهم والهالة والتعظيم ، انتهازيون واصوليون ومرتزقة ، من الشعراء والخطباء والصحفيين والساسة ، يقود ذلك كله الاعلام الرسمي  المتزلف الذي يسخره الحاكم لتمجيده والتسبيح بحمده ، وما نسمعه من الاخبار المملة (استقبل الرئيس وودع وابرق واتصل وافتتح وقص الشريط ودخل وخرج) الا جزء من ذلك التعظيم والتفخيم ، بالاضافة إلى الكم الهائل من صور الزعيم باحجامها المختلفة ، المعلقة في كل مكان بدءا بالشوارع والمباني والمؤسسات ومداخل المدن وانتهاء بمكاتب القطاع الخاص والمتاجر والمطاعم ، ويتسابق الوزراء والمدراء إلى تهنئة الزعيم بكل مناسبة أو حتى بلا مناسبة على صفحات الجرائد مقابل عشرات الآلاف من الريالات من اموال الشعب الغلبان الذي يعاني من الفقر والجوع والبطالة .

 

ايها الاخوة الاعزاء :

 

إن اعظم شخص عاش على هذه الارض هو نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم اعظم من كل الرؤساء واعظم من كل الزعماء ومع ذلك نهى اصحابه عن المبالغة في مدحه فقال (لاتطروني كما اطرت اليهود والنصارى انبياءهم ، انما انا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله .. وقال للاعرابي الذي ارتعد رهبة منه صلى الله عليه وسلم : هون عليك فاني لست بملك انما انا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) .

 

ماأعظمك ياحبيبي يارسول الله ... ماأعظمك من زعيم وماأعظمك من قائد .. وماأعظمك من معلم .. وماأعظمك من موجه .. أين الحكام المتغطرسون من هدي هذا النبي صلى الله عليه وسلم ؟

 

بل انظروا إلى هذا الموقف من نبيكم وذلك عندما توافق كسوف الشمس مع وفاة ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرضيع الذي لم يتعدى العامين من عمره ، قال قوم من عوام الناس : إن الشمس انكسفت لموت ابراهيم ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سارع إلى تصحيح معتقدهم وتصويب تفكيرهم بقوله : (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لايخسفان لموت احد او لحياته ، فاذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله و الصلاة) موقف عظيم من نبي وقائد عظيم لايرغب في إن يصنع الناس له هالة من خرافة او وهم ويعلنها لهم بحزم (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لايخسفان لموت احد او لحياته ) انه المنهج النبوي العظيم في الرفض القاطع لصناعة الوهم وتزييف الوعي لتعظيم الحاكم وتقديسه .

 

ايها الاخوة الافاضل :

 

ثانيا : من وسائل الحكام المستبدين في التسلط على شعوبهم هو السلطة المطلقة ، فالرئيس في أي بلد عربي هو رئيس الجمهورية ، وهو رئيس السلطة التنفيذية ، والقائد الاعلى للقوات المسلحة ، ورئيس مجلس القضاء الاعلى ، وهو صاحب القرار على الوزارات السيادية كالنفط والمالية والخارجية والداخلية (فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة) ومن مظاهر السلطة المطلقة أن يجمع الحاكم بيده وسائل التأثير الكبرى (السلطة والمال والاعلام والجيش) فيصبح هو المتصرف الاوحد في كل صغيرة وكبيرة .

 

وان المتتبع للتاريخ الاسلامي في عهد الخلفاء الراشدين فقد كانوا يفصلون السلطة التنفيذيه عن السلطة القضائية ، وكان في عهد الامام علي بن ابي طالب قاضي يفصل في القضايا بين المسلمين ، بل ومثل الامام علي كرم الله وجهه امام القضاء في قضية الدرع المشهورة مع يهودي .

 

ايها الاخوة الكرام :

 

ثالثا : ومن وسائل الحكام المستبدين في التسلط على الشعوب هو سياسة ( فرق تسد )  بين مكونات المجتمع وفئاته وطوائفه واحزابه ومؤسساته ، وهي السياسة الفرعونية التي أشارت اليها الآية الكريمة في قول الله تبارك وتعالى : ( إن فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين ) ولقد عاشت مكونات المجتمع تحت هذه السياسة ، فتقاطعت فئات واحزاب وجماعات وتدابرت ، بل وتآمرت على بعضها وكلما أكل منها ثور صرخ الذي يليه ( أكلت يوم أكل الثور الابيض ) وهكذا فلا الثيران استوعبت الدرس ولا الوحش توقف عن سياسته في التفريق والتحريش بينها لافتراسها .

 

بل وصلت هذه السياسة إلى التفريق بين الاشخاص في المؤسسة الواحدة والبيت الواحد ، ولقد عانت بعض مجتمعاتنا العربية والاسلامية من فقد الثقة بين الاسرة الواحدة ، فالاب يخاف من ابنه والاخ من اخيه والشريك من شريكه والزوج من زوجته قاتلهم الله ( يفرقون بين المرء وزوجه ) ، ولم تقف سياسة التحريش عند هذا الحد بل وصلت إلى أثارة الفتن والاحتراب بين القبائل والطوائف والمناطق ، مما ادخلها في ثأرات ونزاعات يذهب ضحيتها سنويا الآلاف من البشر .

 

اقول ماقد سمعتم ....

 

الخطبة الثانية :

 

الحمد لله ...

 

ايها الآباء الافاضل .. أيها الاخوة الاماجد :

 

اذا كانت تلك هي الوسائل التي استخدمها الحكام المستبدون في السيطرة على شعوبهم فان كثيرا من الناس  قد افتتنوا بهم ، فناصروا الحكام الظلمة اما لمصلحة او لغير مصلحة ، وان نصرة الحاكم الظالم انما تعني الاشتراك معه بالمنكرات الاخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يرتكبها ، وقد اعتبر القرآن الكريم إن من نصر ظالما فهو ظالم ويلتقي معه في نار جهنم ، قال تعالى : ( ولو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين ) فالمتكبرون والمستضعفون في نار جهنم ، فما ذنب المستضعف ؟ .. إن ذنب المستضعف هو الرضا والمناصرة وتكثير سواد الظلمة والهتاف لشخص الظالم والتصفيق له .. قال تعالى ( اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو إن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار) ، إن الله عز وجل لايقبل من المسلم البراءة يوم القيامة ، انما يريد منه إن يعلن الحرب على الظالم في الحياة الدنيا ولو ادى ذلك إلى التضحية بدمه من اجل ايقاف ظلم الظالمين وهذا معنى الحديث ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فنصحه فقتله ) .

 

ويقول صلى الله عليه وسلم : سيكون عليكم امراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن انكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع واي رضا ومتابعة اكثر من أن نناصر من ظلم الامة في دمها ومالها وفي حياتها كلها ، فهل يبرر لهؤلاء المناصرين أن يأخذوا مبلغا من المال مقابل الخذلان لاخوانهم ولامتهم وفي هذا يأتي الحديث النبوي الذي يزجر هؤلاء عن اخذ أي مبلغ من المال فيقول عليه الصلاة والسلام ( من أكل بأخيه اكلة اطعمه الله مثلها في نار جهنم ) .

 

ونذكر هؤلاء بمؤمن آل فرعون الذي بلغته المؤامرة على قتل موسى وكان متخفيا بايمانه فنطق وهتف بصوت عالي ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه اتقتلون رجلا إن يقول ربي الله ) انه نطق قبل القتل ، فكيف بمن رأى حاكما قد قتل العشرات ثم هو يناصره ؟ .

 

ونذكر هؤلاء بقول ابن مسعود رضي الله عنه ( لو عبد المسلم ربه تحت استار الكعبة سبعين عاما لايبعثه الله الا مع من يحب) .

 

انها آيات واحاديث تقشعر لسماعها الابدان لما فيها من الوعيد الشديد لهؤلاء الذين يؤيدون الظالم على ظلمه ويؤيدون القاتل على جرائمه ويؤيدون الفاسد على فساده فهل يعتبرون ؟؟ فهل يعتبرون ؟ .

 

وصلوا وسلموا ...

 

خطبة جمعة 15/4/2011م – سالم عبود خندور بمدينة سيئون مسجد عمر حيمد بالقرن

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص