اليمن والانتخابات – سالم خندور

الحمد لله الغني الكريم الولي الحميد؛ أصاب عباده بالخير والسراء، ودفع عنهم البلاء والضراء، وجعلهم في دار امتحان وابتلاء؛ ليجدوا ما عملوا يوم الجزاء [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] ، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وإحسانه؛ فنعمه علينا متتابعة، وعافيته فينا دائمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خلق الخلق فدبرهم، وغلبت قدرته سبحانه قدرتهم؛ فهم عبيده ، لا خروج لهم عن أمره، ولا حيلة لهم أمام قدره [وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَقْدُورًا] ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرأف الأمة بالأمة، وأنصحهم لها، وأصدقهم معها، وأعلمهم بما يصلحها، لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه، تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم -عباد الله- بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وإخلاص العمل له وحده، وتعلق القلب به دون سواه؛ فإنه سبحانه متمم النعماء، وهو المستعان في كل الأحوال [قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ] .

أيها الأخوة المؤمنون : من أهم مقومات العيش الكريم، ونيل القوة والتمكين، والرقي والتعمير: الاستقرار بكل أنواعه، وفي كل مجالاته.. وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي؛ لأن اضطرابهما يعني اضطراب حياة الناس؛ ولذا يكثر في الاستعمال السياسي والاقتصادي استخدام كلمة الاستقرار؛ ذلك أن الاستقرار ضرورة من ضرورات العيش.. وأدلة ذلك من الشرع والتاريخ والواقع أكثر من أن تحصر.

والبلاد التي تكون مستقرة يفد الناس إليها، ويرغبون فيها، ويبذلون الغالي والنفيس لسكناها، ومن عظيم النعم التي بشر بها أهل الجنة: الاستقرار فيها، وعدم الخروج منها، [أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا] } وفي آية أخرى[خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا] ، ولولا أهمية الاستقرار في الجنة عند أهلها لما أغرى الله تعالى عباده المؤمنين به.. ولولا أن نعيم الجنة لا يكدره عند أهلها إلا خوفهم من عدم استقراره لهم لما أمنهم الله تعالى من ذلك، وأزال الخوف عنهم [لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ] .

وكل بلاد تفقد استقرارها، وتضطرب أحوالها؛ يفر الناس منها، ويفارقونها إلى غيرها، مخلفين وراءهم أحبتهم وأموالهم ودورهم ومزارعهم.. يتركون كل غال ونفيس ينشدون الأمن والاستقرار، ولو شردوا وطوردوا، ولو عاشوا لاجئين عند غيرهم، مغتربين عن بلدانهم، معدمين بقية أعمارهم، فالدنيا بأسرها لا تساوي شيئاً بلا استقرار..فلا قيمة للقصور والدور والأموال والضياع إذا ضاع الاستقرار.

أيها المؤمنون : وهذه النعمة العظيمة -أعني نعمة الاستقرار- هي الركن الأعظم الذي منحه الله تعالى للبشر ليصلح عيشهم في الأرض، ويستطيعوا عمارتها، والقيام بأمر الله تعالى فيها، وفي قصة هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض، واستخلافه وذريته فيها؛ كان الاستقرار هو الركن الأول من ركني عيش الإنسان على الأرض وعمارتها [وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ] ، فالمستقر هو قرارها لهم، وأمنهم فيها، والمتاع هو المآكل والمشارب والملابس والمراكب ونحوها .

أيها الأخوة الكرام : إن الإنسان بطبيعته في أي بلد كان يبحث عن الاستقرار السياسي والاستقرار الأمني والاستقرار الاقتصادي ولقد أمتن الله سبحانه وتعالى على قريش بأن هيأ لهم أٍسباب الاستقرار الاقتصادي والاستقرار الأمني فقال تعالى ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ( استقرار اقتصادي ) وآمنهم من خوف ( استقرار أمني ) وفي دعاء إبراهيم عليه السلام يدعو ربه بأن يمن بالاستقرار الأمني والاستقرار الاقتصادي يقول الله سبحانه و تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ( رب أجعل هذا بلد آمناً وأرزق أهله من الثمرات ) ..

وأن الاستقرار الأمني والاستقرار الاقتصادي مضافاً إليهما العافية في البدن تشكل الملك الحقيقي للدنيا ، فعن عبد الله بن محصن الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) رواه الترمذي وابن ماجه .

ولكن الاستقرار الأمني والاستقرار السياسي والاقتصادي في أي بلد لا بد أن يسبقه عامل آخر من عوامل الاستقرار ألا وهو الاستقرار الاجتماعي المتمثل في تآخي أفراد المجتمع في بينهم وكما أمتن الله سبحانه وتعالى على المسلمين بنعمة الأمن والاقتصاد فقد أمتن عليهم بنعمة الإخاء فقال ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً )

إن الإخاء الإسلامي هو الرباط الذي يربط اللبنات المسلمة مع بعضها في بنيان لا ينهدم ولا يتزعزع كما جاء في الحديث المتفق عليه ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) ولقد كان مسجد النبي صلوات ربي وسلامه عليه في المدينة يضم أجناساً وألوانا وطبقات لم يحسوا بغير شعور الإخوة الجامعة ، ولم يشعروا بأي تفرقه أو تمايز بينهم ، منهم الفارسي كسلمان والرومي كصهيب والحبشي كبلال والغني كعثمان ابن عفان وعبد الرحمن بن عوف والفقير كأبي ذر وعمار وفيهم البدوي والحضري ، والمتعلم والأمي ، والأبيض والأسود ، والرجل والمرأة , والضعيف والقوي ، الرقيق والحر ، كلهم كانوا أخوة في ظل الإسلام ، وتحت رأيه القرآن ..

أخوة الإسلام والإيمان : وإذا توفر الاستقرار بكل أنواعه تفرغ الناس للبناء والتنمية والاعمار والإبداع ، وساهموا في تشييد الأوطان ، وحصل الرخاء والازدهار وعاش الناس في أمن وأمان .. أقول قولي هذا 

الخطبة الثانية :

الحمد لله .....

أيها الأخوة المؤمنون :

لقد آن لأهل اليمن اليوم أن ينعموا بالأمن والاستقرار ، والرخاء والازدهار لقد آن لأهل اليمن اليوم أن يودعوا حياة الخوف والقلق والفقر والمرض لقد آن لأهل اليمن اليوم أن ينعموا بالعدل بعد الظلم .اليمنيون اليوم على أبواب الانتخابات الرئاسية التي ستسدل الستار على عهد مضى وتفتح عهداً جديداً يتطلع اليمنيون فيه إلى الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي ، عهد جديد يتطلع اليمنيون فيه إلى العزة والكرامة .. يتطلع فيه اليمنيون إلى حياة كريمة وآمنة ، يتطلع اليمنيون فيه إلى دولة المؤسسات والقانون ، يتطلع اليمنيون فيه إلى قضاء نزيه يرد الحقوق لأصحابها يحكم على القوي قبل حكمه على الضعيف ، الناس أمامه متساوون ينطلق من مقولة النبي صلى الله عليه وسلم ( والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) لذا ينبغي علينا أن نساهم في هذا التغيير من خلال المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي لا يفصلنا عنها سوى ثلاثة أيام للأسباب التالية :

أولاً : لان إنجاحنا لهذه الانتخابات يعني إنجاحنا لخيار الأمن والاستقرار وبذلك نبتعد عن شبح الحرب الأهلية والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد ، فلا أحد منا يريد الحرب والاقتتال والدمار .

ثانياً : إن هذه الانتخابات هي أفضل الحلول للخروج باليمن مما هو فيه وهي ما استطاع اليمنيون أن يقدموه من حلول وربنا سبحانه وتعالى يقول ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .

ثالثاً : من نعم الله سبحانه وتعالى أن هذه الانتخابات توافقية والمرشح فيها واحد وهذا يجنب الشعب الوقوع في الخلاف والتصادم ويجعلهم جمعياً يسعون لهدف واحد وهو إحداث التغيير المنشود . فعلينا كيمنيين أن نستغل هذه الفرصة السانحة لطي صفحة الماضي بلا رجعة ، لأنها المخرج الآمن للبلد مما هي فيه ، ولا يوجد شخص عاقل لا يتمنى للبلد أن تصل إلى بر الأمان , لا يوجد شخص عاقل يتمنى أن تظل الأوضاع على ما هي عليه اليوم ..

وفي هذه المواقف تتجلى الحكمة اليمانية كما وصفكم بذلك حبيبكم صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفده ، الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان ) وسيحفظ اليمن إن شاء الله بدعوة الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلام عليه عندما قال : ( اللهم بارك في شامنا ويمننا ) رواه البخاري فنسأل الله أن يوفق أهل اليمن إلى ما هو خير لهم ، ويفرج عن أهل الشام ما هم فيه من القتل والتعذيب والتشريد .

وصلوا وسلموا ...   

25 ربيع أول 1433 هـ - 17 فبراير 2012م بمسجد عمر حيمد بسيئون – القرن

تسجيل صوتي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص