الأسباب التي أشعلت الثورات

الحمد لله .. الحمد لله معز الإسلام بنصره ومذل الظلم بقهره ومصرف الأمور بأمره ومديم النعم بشكره والذي قدر الأيام دولا بعدله فقال ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وجعل العاقبة للمتقين بفضله ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شي قدير واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه واله وأصحابه وأتباعه .. أما بعد : أوصيكم ونفسي بتقوى الله ( يا أيها الذين امنوا أتقو الله حق تقاته ولا تموتن إلا ونتم مسلمون )

أيها المؤمنون الأحرار : فإننا نعيش منذ بداية هذا العام أحداثا كثيرة ومتسارعة انهارت أنظمة وسقطت دول ليرينا الله جل جلاله انه سبحانه مالك الملك لا شريك له هو المعطي والمانع هو الخافض والرافع هو المعز والمذل( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شي قدير )

لقد رأينا سقوط طواغيت ما كانوا يظنوا أنهم سيزولون ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) بدأ الزلزال من تونس ثم مصر ولبيا واليمن والبحرين وعمان والأردن والعراق يبدو المشهد واحد مع تفاوت في طبيعة الجغرافيا والحكام فلكل بلد خصائصه ولكل حاكم طبائعه غير أن القاسم المشترك بين الحكام هو الظلم والطغيان والتجبر على الشعوب قال تعالى فيهم وفي أمثالهم ( اتواصو به بل هن قوم طاغون ) ..

أيها الأخوة الأحرار :

أسباب كثيرة التي أشعلت هذه الثورات وجعلت الجماهير الكبيرة تخرج إلى الساحات والميادين تطالب بتغيير الأنظمة ورحيل الحكام المستبدين

 وأول هذه الأسباب : غياب العدل الذي هو أساس الحكم لقد أمر الله الحكام أن يقيموا العدل بين الناس دون محاباة أو مجاملة ودون ميل لقرابة أو صداقة أو إتباع للهوى قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدو الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) فهل يطبق العدل ويعمل به في مؤسسات الدولة وأجهزتها هل لدينا قضاء عادل مستقل ونزيهة ؟ بل إن العدل مفقود وضائع فكم من المظالم التي تقع وكم من التعسف والتسلط الذي يحصل من الأقوياء على الضعفاء ولا يجد المواطن من ينصفه وأصبحت السلطة غائبة وكان الأمر لايعنيها

ثاني هذه الأسباب : كذب الحاكم على شعبه فلقد أمر الله سبحانه وتعالى الحكام بالصدق واوجب عليهم الوفاء بالعهد ونهاهم عن الكذب والغش والنكث فقال سبحانه ( واوفو بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )فالحاكم يعد الشعب ولا سيما في أيام الانتخابات يعدهم بالأمن والاستقرار يعدهم بالرخاء والازدهار ولكن الشعب وجد الفوضى بدلا عن الأمن والاستقرار والفقر والجوع بدلا عن الرخاء والازدهار

ومن الأسباب غياب مبدأ الشورى التي أمر الله بها فقال ( وشاورهم في المر ) وفي الدستور وهو الوثيقة التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم تنص المادة الرابعة فيه تنص على أن الشعب مالك السلطة ومصدرها إلا أننا نرى كل المؤسسات من مجالس نيابية ومحلية قد فرغت من محتواها وأصبحت كلها تنفذ ما يطلبه الحاكم وغدت السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بيد الحاكم وأسرته التي استحوذت على كل شي لايد سواه والأمة مغيبة عن ذلك كله

ومن الأسباب التي أشعلت الثورة العبث بأموال الأمة وثرواتها وأصبح المواطن لا يدري أين تذهب وكيف تدار وكيف تنفق ؟ يسمع الناس عن الثروات التي امتن الله بها علينا في باطن الأرض وظاهرها وباطن الأرض وخارجه ثم لا يرون سوى الغلا والجرعات المتلاحقة والضرائب الباهظة والفقر المتزايد بينما شلة من المفسدين هم المستأثرين بثروات البلاد وخيراتها لهذا انطلقت هذه الثورات السلمية من غير ميعاد بينها ولا تنسيق بين أفرادها لا تحمل سلاحا سوى لسانها الذي يطالب من ظلمها بالرحيل .

أيها الأخوة الأحباب :

لقد فتنت هذه الأنظمة المستبدة غالبية طوائف الشعب فتنتهم بإفقارهم وإذلالهم وامتهان كرامتهم ولكن الله عز وجل أيقظ عددا كبيرا من الشباب ليقولوا كلمة الحق وبكل جرأة وشجاعة أنهم يريدون إسقاط هذه الأنظمة المستبدة فخرجت معهم جميع طوائف الشعب ..فشرعت هذه الأنظمة  المتهالكة في حملة إعلامية شرسة يخاطبون كل فئة الشعب بما يقلقها من هذه الثورات فتارة يدعون أن هناك قوى خارجية تحرك هذه الثورات وتارة يقولون أنها ستحدث فوضى وخسائر ضخمة .. وبفضل الله عز وجل لم تثن هذه الأراجيف من همة الشباب ولكن حتى لا يتأثر بدعاوى الفتنة من يتأثر وبالتالي تقعدهم هذه المنيطات عن المسير فإننا نقول : السنا نعيش في فتنة تتصاعد وتيرتها يوما بعد يوم حتى أصبحنا نتنفسها في صدورنا وتضج بها حياتنا ؟ إن الزج بشعار إياك أن تقع في الفتنة شعار قديم استخدمه البعض لتبرير قعودهم عن نصرة الحق فعندما استنفر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين لقتال الروم في غزوة تبوك قال الجد بن قيس يا رسول الله : او تأذن لي ولا تفتني ؟ فوا لله ما عرف قومي ما رجل اشد عجبا بالنساء مني واني أخشى ان رأيت نساء بني الأصفر أن لا اصبر عنهن فاعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال قد أذنت لك فنزل فيه وفي غيره (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على هذا الموقف فبين القران أن إعراضه عن الجهاد فتنة عظيمة قد سقط فيها فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيره لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته .

الخطبة الثانية :

أيها الأخوة الكرام :

إن الضر سينكشف وان الظلم سينجلي وان القهر سيزول ولا بد للمؤمن أن يظل عالي القامة مرفوع الهامة لا يخاف في الله لومة لائم خرج وهو يعلم علم اليقين أن اجله بيد الخالق سبحانه وتعالى وان رزقه بيد الرازق سبحانه وتعالى وهذا هو مبعث الطمأنينة لدى المؤمنين لان أعمارهم وأرزاقكم لا يستطيع مخلوق مهما كان أن يعبث بها فلا يستطيع كائن من كان أن يقدم أجلك إلا بمشيئة الله ولا يستطيع مخلوق أن يقطع رزقك إلا بمشيئة الله قال تعالى  ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا  .....)

وقال عز من قائل ( وفي السماء رزقكم وما توعدون..) ويقول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه (... واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشي لن يضروك بشي إلا قد كتبه الله عليك واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشي لن ينفعوك بشي إلا قد كتبه الله لك )

وفي الختام نكرر نصيحتنا إلى الشباب والى الجميع أن تكون مسيراتهم سلمية لا تكسير فيها ولا تخريب لا يؤذوا إنسانا ولا يقطعوا شجرا ولا يحرقوا إطارا ولا يقتحموا مدرسة فكل هذه الأعمال تؤذي الناس وتبعدكم عن هدفكم .

إن الإنسان هو أكرم مخلوق في هذا الوجود ولهذا جاءت الديانات بتشريعاتها للمحافظة على ضروراته الحياتية (الدين والنفس والعقل والعرض والمال )وكانت وصية الوداع لرسول الله صلى الله عليه وسلم   ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) صحيح ابن ماجة.

إن من يقوم بقتل الأبرياء والاعتداء على المعتصمين سلميا أو يأمر بذلك من الأمن أو الجيش  أو غيرهم يعرض نفسه لعقاب الله الشديد في الدنيا والآخرة لقول الله تعالى : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93، ولا يجوز طاعة من يأمر بسفك دماء الأبرياء أو العدوان عليهم مهما كانت رتبته فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لقول النبي صلى الله عليه وسلم " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " متفق عليه . عن ابن عمر رضي الله عنهما .

ومن أطاع مخلوقاً في معصية الله فلن يجد له حجة يوم القيامة يوم لا نصير ولا معين ولا شفيع وسيندم على الطاعة العمياء للظلمة قال تعالى : " يوم تقلب وجوههم في النار يقولون  ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " إن العدوان على أي مواطن بريء مدني أو عسكري يبغضه الله ولا يحبه ولا يحب فاعله لقول الله تعالى : " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة

بل لا يسلم من هذا الإثم من أشار أو أفتى أو رضي أو سكت فالكل شركاء في الإثم  قال الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ، وقال جل جلاله : {وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }الزخرف39.

وصلو وسلموا ..

خطبة الجمعة – سالم خندور بمسجد عمر حيمد 13 ربيع ثاني 1432هـ الموافق 18 مارس 2011م

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص