• كثيرة هي آيات القرآن ، تسرد ذكر الماء وثمراته وبركاته فيما يزيد على ستين موضعا تحفل بالصور الدالة على انه نعمة ورحمة للرحماء قلوبهم ولمن يحب لنفسه ما يحبه لأخيه قال تعالى : ( اولم يروا انا نسوق الماء الى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه انعامهم وانفسهم افلا يبصرون ) ، ونقمة وعذاب وبلاء على الظالمين والجاحدين والمجرمين ، قال تعالى : ( فلما رأوهُ عارضا مستقبلا أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يُرى مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين) ... إذن فانه المطر .
• ما يقاربُ من خمسِ سنوات هي الفاصلُ الزمني بين كارثتين نتيجة للسيول المتدفقة بغزارة وكثافة من الأودية المشهورة بحضرموت الوادي ، الأولى في اكتوبر 2008م عاشها أهلُنا في المناطق الشرقية حزنا وخوفا وتشردا ومأساة وتخريبا للبنية التحتية وأمراضا نفسية لا زالت آثارها الى يومنا هذا ، والأخرى في مارس 2013م في حي مريمة احد أحياء مدينة سيئون عشناها ليلة ليلا وعايشناها بقلوب بلغت الحناجر خوفا من أن تتشابه آثارها الإنسانية والتدميرية والتخريبية والنفسية بتلك التي لا زالت في الذاكرة وستبقى عبرة لمن لا يرغب أن يعتبر .. إذن فانه المطر .
• ونزول الرحمة والعذاب ومختلف الاختلالات هي آتية من فعل الإنسان وصنيعه ، فلا نحمل القدر أخطائنا ، ولا نحمل ما اقترفناه المكتوب ، بل نحمل العقل البشري غير المدبر التدبير السليم والمستهتر غير المبالي بمن حوله من البشر والناظر الى ( فخرشته ) دون الآخرين من الناس ، مسئولا كان أو مواطنا كل المسئولية أمام الله والأشهاد من المظلومين ( ولا يظلم ربك أحدا ) .
• انه المطر ، ماء السماء ، لا يفرق بين صغير وكبير الكل أمامه سواسية ، لا يعتدي ولا يتعدى على احد ومن يعاكس خط سيره أو يقف في طريقه يدكه دكا لا يُرى من آثاره إلاّ إطلال لتكون لمن بعدهم آية ولمن خلفهم عبرة ، غير أن سنوات ما بين الكارثتين تؤكد أن الإنسان مسئولا كان أو مواطنا جهولا بنفسه ظلوما على الآخرين ، وأقول إن الصبر عند الصدمة الأولى ، ولملمت جراحها ، لم يستفد منها المواطن ولم يعيرها المسئولون اهتماما بدليل أن مسببات كارثة أمطار وسيول أكتوبر 2008م هي ذاتها تتكرر في مارس 2013م وأوجزها في : صرف تراخيص للبناء في مجاري السيول / البناء العشوائي / ترك مخلفات ما بعد البناء في الطرقات وبين البيوت / أشجار السيسبان / النقل العشوائي لمخلفات تهديم البيوت القديمة ووضعها في مجاري السيول ، وكل تلك المخالفات غير القانونية مقدور السيطرة عليها في السنتين الأولى من الكارثة الأولى كأقصى حد ، غير أن بعض المسئولين على البلاد والعباد تُلهيهم مجالس القات عن متابعة قضايا الناس ، ويُلههم جُلسائها بحلو المديح ويصورون لهم أعمالهم على قلتها بأنها عظيمة ولولاها لجرف البلاد والعباد طوفان نوح أو سيل العرم وهما ليس ببعيد عن بلدنا هذه وما تلك الكارثتين إلاّ مقدمة لهما ، إذا ما استمر العقل البشري ( مسئولا كان أو مواطنا ) لا يفكر إلاّ في تدمير الآخر ، ويتجاهل أن في تدميره تدميرا لذاته ولو بعد حين ( ولا يظلم ربك أحدا ) .
• للأسف لم يرغب البعض في فهم ومعرفة دور وعمل صندوق الأعمار الذي جاء وليدا للكارثة الأولى وتم إنشاؤه لتخفيف معاناة المتضررين بالتعويض المستحق والقانوني العادل ومسح آثار الكارثة والعمل الجاد على عدم حدوث كوارث مشابهة في المسببات ، وفقا وما يقدمه المعنيين من تقارير ومقترحات لتجنيب البلاد والعباد الحوادث قبل وقوعها ، إلاّ انه وللأسف أيضا أن بعض المسئولين وبقوة التوجيه المركزي اتخذوا من مدخراته بقرة حلوب لأعمال ليست لها صلة بالإعمار وإنما بطول الأعمار كما أن غير أولئك المسئولين يعلقون تقصيرهم وأخطائهم المقترفة في حق المواطن المتضرر على ذات الصندوق وبسببهم أصبح الصندوق وموظفوه هم المقصرون والمخطئون أمام المتضررين شبيه المواطن المخالف الذي يعلق أخطائه الفردية على الحكومة وغياب الدولة ، متناقضات تقرف .
• شخصيا أقدر تقديرا عاليا دور صندوق إعادة الأعمار وما يقدمه من أعمال تبدو للناظر بسيطة وسهله غير مدرك ولا مستوعب لحمل صعوبة أمانة المسئولية أمام الله قبل الأمانة الإنسانية والوطنية والأخلاقية أمام الضمير الإنساني ، إذ إننا لم نشقق صدور مسئوليه لنرى ما بداخلها ، وان كان هناك أخطاء يرى البعض أن الصندوق وقع فيها فهي من باب لكل نجاح أخطاء غير إنني أرى أن تلك الأخطاء والتجاوزات إن هي حصلت فنسبة مقارنتها بالعمل الميداني ضئيلة و لا تقارن بحجم أخطاء بعض المسئولين المباشرين على صرف تراخيص البناء في مجاري السيول أو السماح بالعشوائيات وعدم الاهتمام بإزالتها ولا تقارن بإخطاء بعض ممارسات المواطنين في التحدي الواضح بالقدرة الإلاهية في البناء بترخيص أو بدونه في مواقع تدفق ومرور السيول وعلى مرمى حجر من ( الشُحر) و لا تقارن ببعض من قام بالبناء في حُرمات بين البيوت وسد الهواء والماء ولا بالكشوفات التعويضية الكاذبة من بعض المواطنين غير المتضررين المؤكدة زورا من بعض المسئولين من المركز ، ولا تقارن بحجم اخذ التعويضات المادية والعينية من بعض الحكومات الصديقة والشقيقة دعما للأهالي المتضررين في الأيام الأولى من كارثة 2008م والتي ذهب جلها الى غير أهلها قبل إنشاء الصندوق ، وهنا لستُ مدافعا عن صندوق إعادة الأعمار وموظفيه وأعماله ، وان كنت أقف احتراما لمديره المهندسة فائزة والتي لم اعرفها إلاّ من خلال متابعاتي لبعض تصريحاتها وأقوال تقاريرها الرسمية وأشعر أن في نبرات صوتها وكلمات حديثها الصدق الذي لا يخطئه السمع والبصر والفؤاد ، غير إنني أحسستُ إن هناك أخطاء كبيرة وكثيرة يقع فيها المواطن يضر بها نفسه وأولاده قبل الآخرين ، ولا أبريءُ نفسي ، وان البعض يهتم بأخطاء الآخرين ولا يدرك انه مساهما فيها إلاّ بعد فوات الأوان .
خلاصة القول : إن البقاء على حياتنا ومستقبل أولادنا هو في الحفاظ على حياة الآخرين وهي مسئولية مشتركة بين المواطن ومسئوليه ، وان هناك حقوق وواجبات يجب أن يؤديها الجميع بأمانة كل في مجال حدوده واختصاصه ومسئوليته والقفز عليها يعتبر تخطيء سافر على نواميس الكون واستمرار الحياة وما تلك الكارثتين والله اعلم ما هي إلاّ جرس إنذار خطير لخلل في التوازن الفردي والإنساني والاجتماعي والمجتمعي والسلوكي والأخلاقي .. انه المطر فيه الرحمة وفيه العذاب قال تعالى : ( الم ترى الى الذين بدلوا نعمت الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار )
بقلم : سليمان مطران