حضرموت اليوم / سيئون / مراد صبيح:
مع إشراقة شمس اليوم الثاني وعلى التوالي توجّه سعادة سفير جمهورية الصين الشعبية لدى اليمن السيد تشانغ هاوا وبرفقته مدير عام مكتب وزارة الصحة العامة والسكان الدكتور هاني خالد العمودي والطاقم الإعلامي والوفد المرافق لهم صباح يومنا هذا الاثنين 29 إبريل من محلّ إقامتهم بمدينة سيئون متجهين إلى وادي دوعن إذ كانت هذه الوجهة هي الأمنية الثانية للسفير الصيني وفق البرنامج المعد مسبقاً.
توجّهنا باتجاه ناطحات السحاب مدينة شبام التاريخية وما إنْ بدت تيجان رؤوسها من بعيد تُطل علينا إلا وزاد الاشتياق إليها .. اقتربنا وإذا بحشود من البشر والسيارات بمختلف أشكالها وأحجامها واقفة على جوانب الطريق .. اقتربنا منهم فإذا بها مفاجأة لم تكن في الحسبان .. سيلٌ جرارٌ (من وادي سَرْ) يقطعُ الطريق ووقفَ الجميعُ على طرفيه مكتوفي اليدين .. هكذا شاءت الأقدار وهكذا أرادها الله عز وجل.. وهنا توقع الوفد أن نكتفي برؤية هذا السيل العرمرم ونمعن النظر فيه ونعود من حيثما أتينا .. غير أنّ سعادة السفير كان له رأيٌ خلاف ما توقعنا .. بدايةً قال لنا: إنني محظوظ كوني أرى هذه السيول وهي تجري أمام هذه الناطحات مما زادها جمالاً ، وكم أنا مستمتع بهذا المنظر الرائع. ولم يكتفِ بهذا بل صعد على سفح الجبل المقابل ومنه بدت بيوت شبام وتلك الناطحات أسرة لعدسة الكاميرا وتم التقاط العديد من الصور .
والأمر الآخر كان السفير مصممٌ على الذهاب إلى مكان اسمه دوعن، ذاك الخيال الذي ملك نفسه وأسرَ قلبه وكما قيل "الأذن تعشق قبل العين أحيانا" أمنيةٌ يريد منها أن تتحقق .. توجّه الدكتور هاني العمودي إلى أحد أهالي شبام وهو عضو في المجلس المحلّي الأستاذ باجندوح وسأله قائلا: هل من سبيل للمرور.. فقال لنا -إن كان ولابد-نعم يوجد طريق من ناحية يسار مجرى السيل غير أنه لمثل هؤلاء الضيوف ليس بالسهل ولن يكون نصيبهم منه سوى تعب شديد ، أبلغ سعادة السفير بذلك .. فقال نجتازه رغم وعورته .. طريق جبلي لم أرى في الوعورة مثله ينتهي بمنطقة اسمها خشامر .. سلكناه رغم ضيْقهِ ما بين طلوعٍ وهبوطٍ وحجارة تأخذنا يمينا وأخرى شمالا ومضت قرابة ساعةٌ من الزمان بمحاذاة مجرى السيل حتى انتهينا إلى برّ الأمان ولله الحمد بعد عناء شديد .
واصل الوفد سيره إلى منطقة الهجرين حيث تلك البيوت المعلقة وعليها تحفة معمارية بديعة ونزلنا في شوارعها ومضينا نحو جامع الهجرين التاريخي مرورا بسوقها وقوفاً إلى منزل الإمام المهاجر الذي نزل به في حدود عام 318 هجرية أي قبل ما يزيد على ألف عام ، والتف الأولاد حولنا وكانت فرحتهم غامره والتقطت العديد من الصور التذكارية لتلك المشاهد والمعالم الأثرية.
وبعدها توجهنا إلى خيلة بقشان حيث ذاك القصر الجميل ومن بعيد يبهرك بألوانه الزاهية قصر آل بقشان، صعدنا جميع وطفنا في غرفه وأعطيت لنا نبذة تعريفية عنه وعن مؤسسيه.
غادرنا القصر باتجاه عقبة بقشان وصلنا حيد الجزيل شاليهات ومنتجع في غاية الروعة والجمال كان الاستقبال حافلا من قبل القائمين على المنتجع، تفوح من بين أركانه عمق النفس التراثي الأثري لحضرموت .. غرف ومباني وأشجار أبدع الإنسان في ترتيبها وتنظيمها ، علوٌ يلامس السماء يطلُّ على وادٍ تخترقه أشجار ومباني معلقة بديعة في إتقانها.. صورٌ التقطت في زواياه، أدهش سعادة السفير من هذا المنظر ، سأل عن مؤسسه ، وفي الاستقبال كانت هناك صورة لمؤسسه الشيخ المهندس عبدالله أحمد بقشان طلب السفير مقابلته غير أنه لم يكن بأرض الوطن، فاكتفى بالتقاط صورة من الصورة المعلقة آملا أن يتم اللقاء في فرصة أخرى، تناول الجميع كوبا من الشاهي الحضرمي الأصيل واستمتع الضيوف بمذاقه.
غادرنا منتجع حيد الجزيل والبهجة تغمرُ الجميع توجهنا إلى معلمٍ خيري آخر أيضا لآل بقشان ذاك هو (مستشفى دوعن خيلة بقشان) حفاوة الاستقبال كانت على قدم وساق في مقدمتهم مدير المستشفى الدكتور عبدالسلام رحب بالسفير وبالجميع، أبهرت الجميع نظافة المكان، وحسن التنظيم والتخطيط والتقسيم لهذا المستشفى وما يحتضنه من كادر ومعدّات حديثة ربما تفرّد بها دون غيره، طفنا في أرجائه وأقسامه، أسئلة من الجانبين طُرحت، معلومات متبادلة، أخذ وعطاء كلها أيادي ممتدة لإيصال النفع للبلاد والعباد .. بعدها طاب لنا المقام في سكن المستشفى المعدّ للأطباء وكبار الضيوف ضمن حرم المستشفى وهناك تناولنا وجبة الغذاء كانت شهية بمذاق حضرمي أثناء السفير ومرافقوه على حُسن طبخها وحلو مذاقها ..
استودعنا من القائمين على المستشفى وغادرناهم والسرور يغمر الجميع .. السفير سأل عن بيت آل بن لاذن .. قيل له يبعد مسافة ساعة من الزمان والطريق ليس اسفلتياً، قال لا بأس نمضي نحوه .. توجهنا إلى منطقة اسمها (بُضَهْ) كان في استقبالنا هناك مقدّم (منصِب) آل العمودي الشيخ محمد العمودي وهو عضو في البرلمان اليمني، ودخلناها رغم وعورة الطريق ومررنا بأسواق البلدة ووصلنا إلى قصر قديم يكاد أن يكون مهجورا، تأمل السفير فيه والتقطت الجميع صوراً تذكارية وكانت هذه محطتنا الأخيرة في وادي دوعن .
رجعنا قافلين باتجاه محل إقامتنا وطوال الطريق كان الحديث عن أجمل المواقف التي مرت بالوفد طوال هذا اليوم، اقتربنا من مديرية القطن وكأني بأهلها قد أعدّوا لنا النزول بها جاءنا اتصال من مديرها العام يود من الوفد النزول لزيارة مستشفى مديرية القطن .. اعتذر له الدكتور هاني العمودي نظرا لرغبة السفير في الوصول إلى مدينة شبام وقت الغروب .. غير أننا لم نجد مفراً لحدوث مفاجأة وهي أن السيل لا يزال جارياً في شبام والطريق ما زال غير سالكٍ، فما كان منا إلا أن توجهنا إلى مستشفى القطن العام وكان في استقبالنا مدير عام المديرية الأستاذ رياض بن صلاح الجهوري ومدير مستشفى القطن الدكتور سالم باسواد وزرنا برفقتهم أقسام المستشفى وكذا وحدة الكلى الصناعية وتعرف السفير عن قرب على أهم الاحتياجات التي يحتاجها المستشفى ووعد بالمساهمة في تحسينه وكذا إرسال بعثة طبيّة في أقرب فرصة ممكنة .
غادرنا القطن والجميع على أمل أن يكون طريق شبام سالكاً ولكن الأمر لم يكن كذلك فما كان منا إلا أن سلكنا الطريق الجبلي الوعر وسط رياح شديدة وأحجار ترمي بنا يمنةً ويسرة، حتى وصلنا إلى بر الأمان وظهرت لنا الطريق المعتادة من الناحية الأخرى مررنا بعدد من القرى حتى وصولنا إلى مدينة سيئون في تمام الساعة الثامنة مساء.ووصل الجميع بسلامة الله وحفظه بعد يوم شاق ملئ بالمغامرات غير أنه كان ممتعاً للجميع وسيبقى خالداً في سجل الذكريات.