نواز شريف.. أسد لاهور يستعد لتولي عرش الحكومة للمرة الثالثة

حضرموت اليوم / متابعات :

 كثيرا ما يتحدث شريف إلى المقربين منه عن ذكرياته السيئة في هذا المكان، لم يكن من السهل عليه أن ينسى اليوم الذي تعرض فيه للاعتقال من قبل الجيش ليلة الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999، بينما كان يجري محادثة هاتفية في قاعة الاستقبال بمقر مجلس الوزراء، حيث دخل 5 جنرالات من الجيش قاعة الاستقبال وطالبوا شريف، الذي كان في ولايته الثانية، بإلغاء القرار الذي كان قد اتخذه في صباح ذلك اليوم بإقالة رئيس أركان الجيش آنذاك برويز مشرف. وعندما رفض شريف الانصياع، قام الجنرالات بإلقاء القبض عليه ونقله إلى سجن أتوك فورت في ضواحي إسلام آباد، حيث قضى عاما في الحبس الانفرادي.

وفي عام 2000، تم نفي نواز شريف في المملكة العربية السعودية من قبل الحكومة العسكرية بقيادة برويز مشرف، واعتقد الجميع أن المستقبل السياسي لشريف قد انتهى إلى الأبد، ولكنه أثبت أن الجميع كانوا على خطأ.

وبالنسبة لشريف، فقد جاءت النجاحات السياسية على دفعات واحدة تلو الأخرى، حيث نجح في العودة إلى السياسة الباكستانية خلال الأشهر الأخيرة من عام 2007 عندما بدأت الحظوظ السياسية لمشرف في التراجع، إلا أن شريف قد فشل في تحقيق النجاح بشكل كامل في الانتخابات البرلمانية عام 2008 عندما اضطر للانضمام لصفوف المعارضة في البرلمان بعد الانتخابات. وقال المحلل السياسي البارز حسن أسكاري ريزفي: «لكنه ظل أكثر السياسيين تأثيرا في الفترة التي تلت عودته إلى باكستان».

وكان الانتصار الأخير لنواز شريف في الانتخابات البرلمانية عام 2013، عندما برز حزبه السياسي بقوة ونجح في الحصول على أكثر من 126 مقعدا في البرلمان. وقال أحسن إقبال، وهو قيادي بارز بحزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف وأحد المقربين من شريف: «بهذه الطريقة بات بإمكاننا تشكيل الحكومة بأنفسنا دون الحاجة إلى دعم من أي طرف، ولكننا سوف نستعين بكل الأطراف».

وقال رئيس تحرير صحيفة «الأمة» الباكستانية اليومية فصيح الرحمن: «مر نواز شريف بالكثير من الإخفاقات والنجاحات خلال مسيرته السياسية، من كونه رئيسا للوزراء للسجن للمنفى في جدة للعودة إلى السياسة الباكستانية، ثم العودة مرة أخرى لرئاسة الوزراء في نهاية المطاف».

ولعل أهم ما يميز الحياة السياسية لنواز شريف هو التأرجح صعودا وهبوطا في علاقته بالمؤسسة العسكرية، حيث بدأ حياته محسوبا على الجيش، لكن سرعان ما تحول إلى نمط سياسي مستقل، ثم تمت محاكمته من قبل الجيش خلال نظام مشرف، ويحاول الآن إقامة علاقات سلسلة مع كبار قادة المؤسسة العسكرية.

ويوم السبت الماضي، وجه نواز شريف الدعوة لرئيس أركان الجيش الجنرال أشفق برفيز كياني لزيارته في مقر إقامته في لاهور، ودخل الاثنان في مناقشات استمرت لثلاث ساعات حول الوضع الأمني الإقليمي.

ويرى محللون باكستانيون أنه يتعين على نواز شريف التوصل إلى حالة من التوافق التام مع المؤسسة العسكرية حول اثنين من القضايا المهمة المتعلقة بالسياسة الخارجية: أولا، يتعين على نواز شريف الحصول على موافقة الجيش لتحقيق أمنية تحسين العلاقات مع الهند، وثانيا، يتعين على الجيش ونواز شريف العمل معا بكل قوة من أجل الوصول إلى توافق بشأن الوضع في أفغانستان، والتي ستبدأ القوات الأميركية الانسحاب منها بداية من عام 2014.

وكان نواز شريف، الذي شغل منصب رئيس الوزراء مرتين من قبل، قد بدأ حياته السياسية في الجيش وجهاز الاستخبارات الباكستاني خلال العقد الثامن من القرن الماضي، ثم تحول، نتيجة عدة تقلبات غير عادية في حياته، إلى زعيم محبوب بدأ المطالبة بإرساء قواعد الديمقراطية في البلاد والحد من القمع الأمني، عقب عودته من المملكة العربية السعودية.

وحتى قبل صدامه الأخير مع الجيش والذي بدأ عقب الإطاحة بحكومته من قبل الجنرال برويز مشرف في أكتوبر 1999، كان هناك توتر في علاقته بالمؤسسة العسكرية، ولكنه كان يخرج في كل مرة بمزيد من الدعم السياسي من خلال تبني المواقف المعادية للمؤسسة العسكرية.

ويستعد شريف، الذي يلقب بين أهله في لاهور بالأسد، لاستعادة عرشه للمرة الثالثة وهو رقم قياسي في باكستان، وهو منفتح للحوار مع طالبان. ويرتدي شريف دائما الزي والقميص التقليديين وسترة، ويعتبر الغرب براغماتيا.

وشغل شريف منصب رئيس وزراء باكستان لولايتين غير متتاليتين، أول فترة كانت من الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 إلى 18 يوليو (تموز) 1993، والثانية من 17 فبراير (شباط) 1997 إلى 12 أكتوبر 1999. ويرى خبراء سياسيون باكستانيون أن المسيرة السياسية الناجحة لنواز شريف قد بدأت عام 1993 عندما كان رئيسا للوزراء وتحدى الرئيس المدعوم من المؤسسة العسكرية آنذاك غلام إسحاق خان وحاول الحد من السلطات التي يمنحها الدستور الباكستاني لرئيس الجمهورية من خلال إجراء تعديل دستوري. وقام الرئيس خان بإقالة شريف وحل الحكومة، ولكن شريف اكتسب دعما سياسيا هائلا نظرا لتحديه رئيس الجمهورية، في مشهد نادر في السياسة الباكستانية.

وقد ولد شريف في مدينة لاهور في الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1949 لأسرة ثرية تضم الكثير من رجال الأعمال، وكان والده وأعمامه الستة يديران مسبك للحديد في إقليم البنجاب الهندي قبل أن ينتقلوا إلى باكستان وقت الاستقلال عن الحكم البريطاني.

وقالت مصادر من عائلة شريف لـ«الشرق الأوسط»، إن شريف نجح في توسيع أعمال العائلة عقب انتقالها إلى مدينة لاهور، عاصمة إقليم البنجاب الباكستاني، إلا أن عائلة شريف قد فقدت جميع شركاتها بسبب سياسة التأميم التي اتبعها رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو، والد بينظير بوتو، عام 1972.

وقال صديق من عائلة شريف: «تعلم نواز شريف بعض الدروس القاسية من سياسات التأميم التي أطلقها ذو الفقار على بوتو حين فقدت العائلة جميع ثروتها».

وبدأ شريف حياته السياسة في الجيش وبزغ نجمه كبديل لقيادة بينظير بوتو المحبوبة، وذاع صيته لأول مرة عندما أصبح عضوا في حكومة إقليم البنجاب باختيار مباشر من آخر ديكتاتور عسكري لباكستان، وهو الجنرال ضياء الحق، والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات المشتركة غلام جيلاني، حيث شغل في البداية منصب وزير المالية، ثم أصبح رئيسا للوزراء فيما بعد.

وفي عام 1981، قام الجنرال ضياء الحق بتعيين شريف وزيرا للمالية. وقال سعيد خواجه، وهو مراسل بصحيفة «نواي وقت» الباكستانية وكان يتابع عن كثب الحياة السياسية لشريف: «لقد استغل سلطته السياسية الجديدة لتعزيز موقفه المؤيد لقطاع الأعمال وقدم أربع ميزانيات متعاقبة تهدف لتحقيق التنمية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الريفية».

حصل على ليسانس الحقوق من كلية الحقوق بجامعة بنجاب في لاهور. وساهم شريف في إنشاء أكاديمية اتفاق الإسلامية في لاهور، حيث يتلقى الطلاب تعاليم الدين، إضافة إلى التدريب الدنيوي العلماني. ويصفه أصدقاء عائلته بأنه مسلم متدين ملتزم بأداء الفروض الدينية، إذ إنه شب في بيئة شديدة الالتزام الديني.

كان شريف يهيمن على المشهد السياسي في باكستان قبل أن يتم الإطاحة به في انقلاب عسكري قاده الجنرال برويز مشرف. وكان يحظى بأغلبية هائلة في غرفتي البرلمان. وكان أخوه، شاهباز شريف، يحكم محافظة البنجاب، أكبر محافظة في الدولة. وكان شريف يسيطر على معظم مؤسسات الدولة بخلاف الجيش القوي.

في واقع الأمر، قادت رغبته في السيطرة على مؤسسة الجيش إلى سقوطه في أكتوبر عام 1999 وقتما قام بمحاولة باءت بالفشل لخلع الجنرال برويز مشرف من منصب رئيس أركان الجيش، بينما كان الأخير يقوم بجولة في رحلة لسريلانكا. ورفض جنرالات باكستان قبول إقالة قائدهم، إذ إنها جاءت خلال عام من إجبار شريف رئيس آخر لأركان الجيش، هو الجنرال جيهانغير كرامات، على الاستقالة بسبب قضية سياسية محل خلاف.

«كان انقلاب أكتوبر 1999 بمثابة رد على محاولة رئيس الوزراء نواز شريف تقسيم كبار قادة الجيش والسيطرة على الجيش بالاستعاضة عن الجنرال برويز مشرف قائد الجيش بضابط ذي رتبة أدنى معروف بولائه لشريف»، هذا ما قاله حسن عسكري رضوي، وهو محلل مسؤول بارز ومؤلف كتاب «الجيش والدولة والمجتمع في باكستان».

أصبح نواز شريف أول رئيس وزراء في عام 1990، وقتما كان يقود تحالفا من الجناح اليميني «إسلامي – جمهوري - اتحاد» (التحالف الديمقراطي الإسلامي) الذي هزم بينظير بوتو وحزبها حزب الشعب الباكستاني في الانتخابات. وثمة دليل مقنع متوفر الآن على أن التحالف الديمقراطي الإسلامي تأسس من قبل المخابرات الباكستانية لمواجهة الشعبية الهائلة لبينظير بوتو، التي كانت تعد في تلك الفترة أشهر الزعماء شعبية في البلاد.

حلت بينظير بوتو محل منافسها اللدود شريف في عام 1993، عندما تمت إقالته بموجب مرسوم رئاسي. وتولى شريف مجددا منصب رئيس الوزراء في عام 1997 بأغلبية مريحة. في واقع الأمر، دخل شريف وبوتو في سلسلة من المؤامرات والدسائس والمفاوضات وراء الكواليس مع جنرالات الجيش لضمان رجوعهما إلى السلطة من جديد. وبعد عودته من المنفى، أوضح نواز شريف جليا أنه تخلى عن التقليد السابق الممثل في الانحياز لصف الجيش والتآمر ضد خصومه السياسيين بدعم وكالات الاستخبارات الباكستانية.وقال «وقعنا ميثاق ديمقراطية مع بينظير بوتو وزعماء سياسيين آخرين في لندن، ونصت الوثيقة بوضوح على أنه من الآن فصاعدا، لن نتعاون مع الجيش بغية الصعود إلى السلطة في باكستان. ولن نتفاوض مع الجيش أو وكالات الاستخبارات»، هذا ما صرح به أحسن إقبال لصحيفة «الشرق الأوسط». ويرى محللون سياسيون أنه ليس ثمة شيء في مسيرة الحياة السياسية لنواز شريف من شأنه أن يجبره على تبني موقف مناهض للجيش في السياسة الباكستانية. إنه ينتمي لطبقة سياسية طيعة من رجال الصناعة، وبدأ حياته السياسية تحت رعاية جنرالات الجيش، وتأتي قاعدة ناخبيه من الجماعات المحافظة والدينية بالمجتمع الباكستاني المتحالفة بقوة مع الجيش في الميدان السياسي.

رغم المكانة الكبيرة التي احتلها في السياسة الباكستانية قبل الانقلاب العسكري عام 1999 دخل نواز شريف فترة من التيه السياسي عندما اختار أن ينفى هو و40 فردا من عائلته في المملكة العربية السعودية عام 2000، الأمر الذي تسبب في حالة من الإحباط لدى الكثير من مساعديه الذين دخلوا سجون حكومة باكستان العسكرية.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يدخل فيها شريف صراعا مع الجيش أو أن يدعم الجيش الرئيس، فكان مسؤولا كرئيس للوزراء عن سقوط رئيسين باكستانيين هما غلام إسحاق خان عام 1993 والرئيس فاروق أحمد خان عام 1997. واختار الصراع مع أربعة جنرالات تعاقبوا على قيادة الجيش في الفترة من عام 1990 إلى 1999 بشأن قضايا السياسة المختلفة وأجبر أحدهم على الاستقالة عندما اختلف بشكل علني مع شريف حول قضايا سياسية. في عام 1998 اختلف شريف مع رئيس المحكمة العليا آنذاك سجاد علي شاه وهو ما أسفر عن صراع على السلطة. لكن شريف تمكن من اجتياز هذا الصراع على السلطة وأجبر رئيس المحكمة العليا والرئيس فاروق ليغهري على الاستقالة من منصبيهما.

لم تكن السياسة الداخلية هي المجال الوحيد الذي صارع فيه شريف التقاليد والماضي، فعلى صعيد السياسة الخارجية مد شريف يد الصداقة إلى الهند رغم حصوله على التأييد السياسي الأكبر من إقليم البنجاب ذي الأغلبية المحافظة والتي تعتبر مهد الحركات العادية للهند.

ويقول نصير زايدي، الباحث في معهد الدراسات الإقليمية في إسلام آباد، إنه «تناقض غريب أن يتمكن نواز شريف من الحصول على غالبية الدعم السياسي له من إقليم البنجاب معقل الشعور المعادي للهند، في الوقت الذي امتلك فيه الشجاعة لبدء تطبيع العلاقات مع الهند عندما كان رئيسا للوزراء في الفترة من 1997 إلى 1999».

أثناء رئاسته الوزارة استطاع شريف بناء قاعدة دعم شعبي واسعة بين الطبقات الوسطى الباكستانية من خلال توفير الوظائف للشباب المتعلم. لكنه في الوقت ذاته لقي انتقادات بسبب سياساته الجريئة، مثل توفير قروض ميسرة للشباب العاطل لشراء التاكسيات. وكانت أغلب إصلاحات شريف تهدف إلى تحرير السياسات الحكومية وتحرير الاقتصاد. وسرعان ما قام بتفكيك الاقتصاد القائم على الاشتراكية ببيع شركات القطاع العام المعطلة والمفلسة وفتح بورصة لرأس المال الأجنبي ووسع من القيود على صرف العملة. وزادته خلفيته الصناعية وسياساته المتحررة قربا من رجال الأعمال ذوي النفوذ السياسية وطبقات التجار في البلاد.

على المستوى الشخصي يحتل شريف مكانة دينية متقدمة، فيقول أصدقاء عائلته إن طبيعته الدينية تعود في الأساس إلى الجو الديني الذي نشأ فيه. فقد تربى في عائلة متدينة تحت رعاية والده الصارم والتقي ميان شريف.

وعادة ما تتهمه العناصر الليبرالية بعقد صفقات سرية مع المتطرفين والأحزاب الطائفية. لكن نواز الآن يعود إلى السلطة في إسلام آباد في وقت تعيش فيه الدولة حالة حرب مع المتطرفين والمسلحين. وقد أوضح قادة الجيش قبيل الانتخابات أن العمل ضد المقاتلين لن يتوقف، وفي موقف كهذا لن يتمكن نواز من التسامح مع المقاتلين، على الرغم من إعلانه عن رغبته في بدء محادثات مع طالبان.

نقلاً عن الشرق الأوسط

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص