ان الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا ، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهج ان لا اله الا الله وحده لاشريك له ، واشهد ان محمد عبده ورسوله الامام الاعظم والحبيب الاكرم صلى الله عليه وعلى آله واصحابه والتابعين له في الدين المتمم ، وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين .
اما بعد عباد الله اتقوا الله حق تقواه ، فالتقوى خير زاد يقبل به العبد على مولاه ، ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ، ياايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون .
احبابي في الله :
ان أغلى مايملك المرء في حياته الدين والوطن وما من إنسان الاّ ويعتز بوطنه ، لأنه مهد صباه ، ومرتع طفولته ، وملجأ كهولته ، ومنبع ذكرياته ، وموطن آبائه وأجداده ، ومأوى أبنائه وأحفاده ، حتى الحيوانات لاترضى بوطنها بديلا ومن اجله تضحي بكل غال ونفيس ، فالطيور تهاجر مسافات طويلة ولكنها تعود بعد ذلك الى أعشاشها ، والأسماك تقطع آلاف الأميال عبر البحار والمحيطات ثم تعود الى أوطانها ، فالكل يحب وطنه ، فإذا كانت هذه سنة الله في مخلوقاته ، فقد جعلها الله في فطرة الإنسان والا فما الذي يجعل إنسانا يعيش في مناطق شديدة الحرارة وآخر يعيش في مناطق شديدة البرودة وثالث يسكن الغابات والأدغال يعاني فيها من مخاطر الحياة وهو صابر ، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلاّ حبهم لوطنهم وديارهم .
وللاوطان في دم كل حر *** يد سلفت ودين مستحق
ايها المؤمنون .. عباد الله :
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب مكة المكرمة مودعا إياها وهي وطنه الذي اخرج منه فقال (ما اطيبك من بلد واحبك اليّ ولولا ان قومي اخرجوني منك ماخرجت وماسكنت غيرك .. او كما قال عليه السلام) ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم (الجحفة )اشتد شوقه الى مكة وحنينه إليها فانزل الله تعالى: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد) أي : لرادك الى مكة التي اخرجوك منها .
ايها المؤمنون الافاضل :
وان اول مايبحث عنه الإنسان في وطنه الأمن والأمان الذي به يحصل الاستقرار وتنزل الطمأنينة وتحدث التنمية ويزدهر الاقتصاد ويحفظ فيه ماله وعرضه ونفسه ، لذا امتن الله سبحانه وتعالى على قريش بان هيأ لهم سبل الاقتصاد والتجارة وحفظ لهم أمنهم واستقرارهم فقال عز وجل ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) .
عباد الله :
وإذا غاب الأمن غاب الاستقرار وتفشت الجريمة وأصبح القوي يأكل الضعيف وتدهورت التنمية وهربت الاستثمارات وضعفت هيبة القضاء ، وأصبح المواطن قلقا على حياته ، قلقا على أمواله وممتلكاته ، قلقا على أولاده ، غير مطمئن على مستقبله .
ايها الاخوة الكرام :
اذا كانت تلك هي عاقبة غياب الأمن والاستقرار فإننا في مدينة سيئون الغراء قد ذقنا ذلك الأمر وعشناه واقعا ملموسا عندما هاجم مسلحون المدينة الآمنة في مساء يوم الجمعة الماضية وعاثو فيها كبيرا فسادا وقتلوا واحرقو وخربوا وفجروا ، قتلوا أنفسا بريئة ودمروا مرافق ومؤسسات عامة وفجروا مرافق أمنية ، بات أهالي سيئون ليلة عصيبة لا يدرون ما الذي حل بمدينتهم التي عرفت الى وقت قريب بالمدينة الآمنة المسالمة ياالله باتوا على أصوات الرصاص ودوي الانفجارات ، ياالله .. وسيطرت على عقول الناس أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات مقنعة ، لماذا يحدث هذا ؟ ومن الذي يقف وراء ذلك ؟ ولماذا مدينة سيئون بالذات ؟ هل هذا ردود فعلا لا نعرفها او تصفيات حسابات لامور لانعلمها ، ومتى دخلو وكيف خرجوا واين الجيش والامن .. تساؤلات تتزاحم في اذهان الناس .
احبتي في الله :
ونود في هذه الخطبة ان شاء الله ان نضع النقاط على الحروف حول هذه الأحداث الأليمة فنقول وبالله التوفيق :
اولا : لاينبغي الربط البشع بين هذا العمل الإجرامي وديننا الإسلامي بتعاليمه السمحة فما حدث في تلك الليلة أمر يرفضه الشرع والدين بل ويتنافى مع قواعد إسلامية أصيلة لايغفلها مسلم يحكم شرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم دون هوى او زيغ ، وان ماحدث في ارض يحمل أهلها في صدورهم الكلمة العاصمة للدم والمال ، الكلمة التي ستأتي يوم القيامة تحاج وتقف بين يدي الله الواحد القهار بالمرصاد لمن سفك دماً او سلب مالاً لصاحبها ، كيف تستباح دماءٌ عصمها الله ، ان دماء المسلمين ليست طريقا الى الجنة بل هي طريق معبدة الى نار الجحيم ، فما ذا خسر أعداء الإسلام بتلك الفعلة الشنيعة ، ماذا خسرت اسرائيل ؟ لم يخسروا شيئا ، بل هم أطفال مسلمون يتموا ونساء مسلمات رملت ، وأروح مسلمة أزهقت وارتفعت الى خالقها تشكوا إليه وتسأله القصاص في الدنيا والآخرة ، أليس الله القائل (ومن يقتل مؤمنا متعمداً ... ) أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول (من روع مسلما روعه الله يوم القيامة ) أليس هو من يقول ( من أشار الى اخيه بحديدة فان الملائكة تلعنه حتى يدعها ) فما بالك بمن روع الناس بالمتفجرات والقنابل والرصاص .
ثانيا : أحداث الجمعة الماضية في سيؤن كما أنها زرعت الخوف والهلع في قلوب الناس فإنها تركت في عقولهم تساؤلات وتساؤلات ، من يقف وراء هؤلاء ويدعمهم ؟ كيف استطاع هؤلاء الوصول الى مدينتنا الآمنة المسالمة ؟ أين كان أمننا بمسمياته المختلفة ؟ وأين كان جيشنا ولماذا تركوا حتى أشرقت صباح اليوم الثاني وهم ينتقلون من مرفق الى آخر بل والأدهى من ذلك ان بعض هؤلاء المسلحين التقطت لهم صور تذكارية وكأنهم في نزهة سياحية آمنين مطمئنين .
أيها الإخوة المؤمنون :
ثالثا : ان ترك هذه الحادثة تمر دون عقاب للمتسببين ودون محاسبة للمتورطين فان تكرار هذا الأمر ليس ببعيد في ظل الحالة الأمنية التي تشهدها البلد وفي ظل الحالة الضبابية والفوضوية التي يحياها وطن يتفنن بعض أبنائه في تقطيع أوصاله وتمزيقه وتفتيته ، بل توقع الناس ان يكون هناك انتشاراً امنياً بعد الحادثة والأيام التي تلتها ولكن شيئا من ذلك لم يحدث بل حدث العكس لاحظنا غيابا امنيا بمعنى الكلمة عن المدينة بينما تحولت المواقع المتضررة الى مزارات يتنقل الناس بينها وعلى وجوههم ترتسم علامات الدهشة والاستغراب .
رابعا ً : في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلد يحتاج من كل الخيرين في هذا البلد الى رص الصفوف وتوحيد الكلمة والابتعاد عن مايفرق الشمل ويفتت الصف حتى تخرج بلدنا مما هي فيه ، لكن للأسف الشديد ان هذه الحوادث والأزمات لاتزيد المجتمع والبلد إلاّ تمزقاً وصراعاً من خلال استغلال البعض لهذه الحوادث ليحملها خصومه ومنافسيه من اجل كسب سياسي رخيص أو عرض من الدنيا ، فالله الله في توحيد الكلمة ورص الصف جميعا على اختلاف انتمائهم السياسية والقبلية والمناطقية وأما غير ذلك فان أي محاولة لإصلاح الأوضاع سيكون مصيرها الفشل (ولاتنازعوا فتفشلوا)...
أقول ماسمعتم ..
الخطبة الثانية :
خامسا : يجب ان تتحمل السلطة المحلية والأجهزة العسكرية والأمنية مسئوليتها كاملة في حفظ الأمن للناس وحفظ أرواحهم وأموالهم وأعراضهم امتثالا لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ولابد ان يتعاون الجميع سلطة وامن ومواطن في هذه المسئولية وسيقوم المواطن بدوره اذا شعر ان هناك سلطة جادة وأمنا جادا أيضا .
سادسا : لقد طالب أهالي سيئون منذ سنوات وبحت أصواتهم وهم يطالبون بإخراج المعسكرات من المدينة لما تسببه هذه المعسكرات من ضرر على المواطن ، وماحدث مؤخرا من تفجير لأحد المقار الأمنية ومانتج عنه من أضرار في البيوت المجاورة لهو خير دليل على ذلك ، وماحدث في السنوات الماضية من انفجار لمخزن الذخيرة وتفجير بوابة الأمن كلها أحداث يكون المتضرر دائما هو المواطن .. لذا فان إخراج المعسكرات من داخل المدن وإبعادها من بين بيوت المواطنين ونقلها الى أماكن الأطراف لهو أمر في غاية الأهمية ..
سابعا : علينا ان نعمق صلتنا بالله سبحانه وتعالى بالتزام أوامره والابتعاد عن نواهيه والحفاظ على الواجبات والفروض والإكثار من النوافل والصدقة والذكر وتلاوة القرآن وقيام الليل والتضرع الى الله بالدعاء أن يرفع عنا وعن بلادنا الفتن ماظهر منها ومابطن .
أخيرا إخواني : البلد أمانة في أعناقنا جميعا فان حافظنا عليها كانت خيرا للجميع وان دمرناها كانت وبالا على الجميع ولنأخذ العبرة من بلدان جاءت بعدنا وتطورت وازدهرت ، أما نحن فلا زلنا نعاني ممن يخرب ويدمر ، ولازلنا نعاني ممن يفجرون أنابيب نفطنا ويقطعون طرقنا ، فبلادنا واعدة بالخير والعطاء إذا أحسنا إدارتها ، ففيها الثروات النفطية والسمكية والزراعية والسياحية ، كفيلة ان تجعل المواطن يعيش حياة الرفاهية والراحة .
وعلينا ان نعلم ان الإرهاب آفة خطيرة يدمر الشعوب والمجتمعات وينشر الرعب ، واعلموا انه لاخير في فكر او مذهب او دين يقوم على القوة وينتشر بالعنف والقتل ..
والإسلام دين الوسطية والاعتدال والحكمة والموعظة وحين استخدم القوة جعل لها أبواباً وشروطاً وضوابط وأحكام ، فلا بد من توعية الشباب بخطورة ذلك ..
وصلو وسلموا ...
لللاستماع الى الخطبة http://cdn.top4top.net/d_5005b8f3121.mp3