الصفحة الأخيرة

حضرموت اليوم / متابعات  :

ذكرى الواحدي

"اخذوا ابني من عندي وهو نائم.. حاولت ان امسكه بقوة ولكنهم انتزعوه من بين ذراعي، لا أعرف مصيره وهل هو ظامئ أو جوعان، ولا أعرف من اختطفوا ولدي ولا عرف ان كان من الأحياء او الأموات".

تلك هي صرخت كل أم مختطف صرخة ولدت من رحم الخوف، من رحم الألم، صرخة بوجه القهر والظلم، هي صرخة وجع على ابناءهن من ابناء أرحب وما جاورها، المختطفين لدى مليشيات الحوثي.

تتحدث أم المختطف "صدام اليحيصي" عن اختطاف ابنها فتقول: "في يوم الجمعة بقرية يحيص قبل ثلاثة اسابيع كان ولدي صدام نائم عندي، دخلوا فجأة يفتشون المنزل، انتزعوه من بين ذراعي، كنت احاول الصراخ لم أستطع من شدة القهر، انتزعوا ولدي امام عيني والى الآن لم أره".

كانت أم صدام تتحدث وصوتها يتهدج ويشهق بالألم: "قلبي وعقلي عند ابني لم تتوقف دموعي منذ ذلك اليوم، اتسأل ان كان جائع او ظمئان، ان كان متدفئ او بردان، حي او ميت" وانهارت باكيه دون توقف.

يقول شقيق المعتقل "في ذلك اليوم انتشرت عدة اطقم ومسلحي الحوثي حول المنزل فتشون الغرف واخذوا اخي كانت امي تصرخ وتحاول ان تأخذه منهم ولكنهم انتزعوه بلا رحمة، رغم توسلات امي لهم".

ويتابع: "سألناهم ما تهمته ماذا فعل؟". قالوا: "سيتم التحقيق معه ويردوه" وإلى الان لم يرجع.

يواصل الحديث: "جاء لنا خبر بعد بحثنا الطويل انه مسجون فيما كان يسمي بمقر الفرقة بصنعاء، الذي حوله الحوثة الى معتقل لشباب أرحب والمناطق الأخرى وكل الثائرين.

قطعت امه الحديث قائلة: "ذهبت الى صنعاء باحثة عن ولدي ليل ونهار، اسألهم: اين ابني؟ فيردوا: مش عندنا. انا مريضة لم اتوقف عن تناول الدواء منذ ذلك اليوم لا ليل يمر ولا نهاري يأتي بابني. يردا ولدي، يردوه لابنه الصغير عفيف وزوجته، حرموه من جامعته وامتحانه في سنته الأخيرة، اشتي اعرف ابني فين وما جريمته؟ ما ذنبه؟ قلبي اعمي بعد ابني" واختنق صوتها بالبكاء المستمر.

أسرة الشهيدين

مقتبسات من قصص المعتقلين والمخفين الذي تجدد صفحاته مع كل زمنيه للظلم والطغيان، لا نعلم متي نري اخر فصل فيه   ولم نتصور ان اي خلاف سياسي قد يصل الي هذه الحالة التي نراها الان والتي لا يرى الناس منها الا القشور لان اللب محزن ويصيب القلوب بالهلع، فسجون الحوثي ممتلئة بقصص مختطفين تحكي مدي تلك البشاعة التي تتلذذ بتعذيب الانسان.

لسان حال معظم اسر المخفين والمختطفين، إذ كثيراً ما رددن الأمهات والزوجات كلمات عن صبرهن، عن وصف أبنائهن واحبائهن وكأنهم مازالوا بينهن، وكأنني أستقرئ من وراء كلماتهن مدي الألم والوجع الذي يصاحب ايامهن مع دقائق انتظار احبائهن المخفيين.

أسرة شهيدي ثورة 2011م عفيف عامر وزوج اخته عبد الرحمن نالت نصيبها من انتقام مليشيات الحوثي من الثورة وابنائها فاختطفوا (عمر) وهو في ارضه يعمل ليل نهار لإعالة أسرته الكبيرة وايتام الشهداء.

يقول أخوه: "سمعنا من الناس ان الحوثيين أخذوا عمر من أرض القات الذي يعمل بها، فوق أحد طقوماتهم ولا نعرف الى اي جهة اخذوه".

أم عمر يلتهب قلبها حزنا عليه فلا تدري أتبكي عمر، أم تجدد الحزن على ابنائها الشهداء تقول: "اسبوعين يكذبون علينا كلما ذهبنا يقولون لنا: مش عندنا. ما عاد معي إلا هو وأخيه، صدري يحترق على ولدي اخذوه بملابسه الخفيفة، وكلما اسمع ماذا يعملوا بالمعتقلين عندهم يطير فؤادي من الهلع.. أمرهم الى الله، احرقوا قلوب الأمهات والزوجات والأطفال الله يحرقهم".

 

تصرخ زوجته قائلة: "اعمالهم إجرامية، فجروا البيوت، قتلوا الناس، أخذوا أزواجنا وابناءنا من بيننا، (عمر) شاقي علينا وعلى اسرة اخيه الشهيد، واخته الذي استشهد زوجها في الثورة، اخذوه الحوثيين وهم يعرفون انه أخو شهيد وشاقي على الايتام، ابنته ابرار (سنتين ونصف) كل يوم تراقب الطريق من نافذه المنزل وتنتظر عوده ابيها".

تجهش بالبكاء وتواصل: "اضطررنا للنزول للعمل بالأرض بعدما اخذوا من يعولنا؟ لم نعد نستطيع ان نعمل أو نرى شيء وعمر غير موجود، اريد ان نعرف ماذا عمل لم اخذوه ولماذا لم يرجع الى اليوم؟". 

ماتت قبل أن ترى والدها

اسماعيل الرمادي من ابناء أرحب مختطف اخر منذ 25-12 -2014، يقول اخوه ان مليشيات الحوثي اختطفته اثناء عودته لمنزله من بيت مران ورجعوا لتفتيش منزله والعبث بأدواته، واخذوه الى مقر الفرقة بصنعاء وقد ألصقوا عدة تهم لإسماعيل منها انه (قاعدة داعشي) كذب وافتراء لكل من يخالفهم.

يتابع: "رجعنا وسطنّا عدة اشخاص ومشايخ لمعرفه اين اخي، ولا فائدة، كل يوم كذبه جديدة، ذهبنا الى مكتب شكاوى سيدهم عبد الملك الحوثي، كتبنا شكوى لكنهم انكروا وجوده، بل ادعوا انهم سلموه، اخرجوا شباب من معتقلاتهم وإلى الآن أخي لم يخرج، جرم اخي إنه ينتمي لحزب الإصلاح".

 زوجة اسماعيل عند سماعها لخبر اعتقال زوجها جاءها ألم المخاض وخرجت ابنته ميته قبل ان ترى والدها المعتقل.

طالبت اسره اسماعيل الحوثين ان يفرجوا عنه لمدة ساعة حتى يدفن ابنته الميتة، ولكنهم رفضوا وغيبوه الى اليوم.

تقول زوجته: "دخلوا المنزل كسروا اقفال الأبواب وكسروا الدواليب وكل ما يقع في أيديهم، خرجوا بعدما خربوا كل شيء، من شده حزني على زوجي جاءتني الألم المخاض وولدت ابنتي ميتة قبل ان يراها ابوها وتراه".

تضيف بحزن: "اثروا على حياتنا، اخذوا زوجي وتركت دراستي الجامعية بعد ان حولت مليشيات الحوثي الجامعة الى ثكنة عسكرية ونقاط تفتيش، حتى للنساء نهبوا البيوت ودمروها وأشاعوا الرعب بين الناس كل يوم ينتابني الخوف وانا ارى ما تفعله المليشيات بأجساد الشباب من تعذيب وتشويه وقتل حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم". 

ثقافة الانتقام

مفلح سوى (14 عاماً) أصغر معتقل في سجون الحوثي وأخو الشهيدين "عالية وصدام" الذين استشهدا على يد مليشيات الحوثي، تلك الجريمة التي هزت الضمير الانساني وتهاوت عنده كل قيم الإنسانية.

 فلم تكتمل ثقافه الانتقام للمسيرة القرآنية الى هنا بل اختطفت الطفل مفلح وابن عمه صالح، بعد قتلهم لصدام وعليه وشهيد اخر ورمتهم في سجونهم الى يومنا هذا.

يقول كهلان سوى أخو المعتقل: "الاختطاف والاعتقال هي جزء من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيات الحوثي بأرحب وما جاورها".

يتابع: "أريد ان اوضح الصورة للأعلام والمجتمع انه منذ حرب 2011 الى 2014 والتي كانت اخرها المواثيق والعهود بعدم اعتداء المليشيات على المنطقة مع ذلك تم خرق كل الاتفاقيات والعهود وتم الهجوم والاعتداء على أرحب من الحوثيين والتي تعتبر بذاتها جريمة حرب اضافه الى القتل والنهب والتدمير وجرائم الاعتقالات والاختطاف".

ويواصل كهلان حديثه: "فكثير من المعتقلين في سجون الحوثي محرومون من ابسط حقوقهم الإنسانية والبشرية ابسطها الزيارة وتطمين اهله ان كان لايزال على قيد الحياة.

ويعتقد كهلان ان سياسة الانتقام (الخطف والاعتقالات) التي ينتهجها الحوثة هي محاوله لتأمين أنفسهم من أهالي المنطقة فعندما يبثون الخوف والرعب بين الناس ويختطفون ذويهم او يقتلوهم بذلك يحاولون نزع الامن والضمانات لأنفسهم بعدما اخذوها من الناس.

ويضيف: "هم يعرفون جيدا ان قبائل اليمن ذات طابع ثأري فلن تترك ثأرها هكذا بعد كل تلك الجرائم والتي تجاوزات حتى العيب الأسود الذي يعرف بعرف القبيلة، من خرق للعهود واحراق المصاحف وتدمير المساجد وقتل النساء والعزل والنهب والتدمير وتحويل المدارس لثكنات عسكرية، اضافة لجرائم الخطف والاعتقال".

وفي إحصائية فإن أكثر من 238 معتقل من ابناء أرحب وما جاورها في سجون الحوثي، مغيبين عن اسرهم لا يعرف مصائرهم ولا في اي معتقل مخفيين.

يغيب الضمير الانساني وتغيب عين الإعلام عن معاناتهم وكشف الجرائم البشعة التي ترتكب بحقهم، فلا أحد يدري إن كانوا أحياء وإن كانوا سيعودون كما عاد الآخرون في اكفانهم.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص