سارت قوافل النور من أجدادنا الحضارم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسارع في اعتناق دين الإسلام ليسطروا لحضرموت مجداً تليداً خالداً، فرسموا بخطاهم الوثابة أروع صورة وأعظم مجد بالسير على خطى سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك لأن أهل حضرموت وخصوصاً أقدمهم موطناً قبيلتا (كندة وحضرموت) اتصفتا بالصفات السامية قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فساقتهم جمالية وروعة فطرتهم الراقية إلى المسارعة في الإسلام، قال صاحب الجواهر 77: (كندة هي من أقدم الأمم مجداً ومحتداً وأشهرها شجاعة ونجدا وأنجبها فصاحة وعلماً وأدباً... بمالهم من صفاء العقول وسلامة الفطرة ومضاء العزيمة وشدة البأس وطيب الأخلاق وكرم الأعراق ولطف الشمائل وحسن السجايا وكرم الإحسان...) فحقيق من هذه صفاتهم أن ينالوا شرف صحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حازوا ذلك، ومنذ القدم لم يعبد الحضارم الأصنام وخصوصاً قبل البعثة، بل كانوا على دين أهل الكتاب وهو دين الحق آنذاك، فلما تسامع الحضارم ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تقاطروا عليه كغيث الندى فراداً ثم جماعات في عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة سنة الوفود من القبائل العربية التي أعلنت إسلامها أمام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أبرز هذه الوفود التي كانت آنذاك تمثل أهل حضرموت وفد قبيلة (كندة) حين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد يترأسه الصحابي الحضرمي الكندي الأشعث بن قيس رضي الله عنه نقل لنا الإمام ابن هشام في سيرته (158/ 4) خبر هذا الوفد الحضرمي: (قال ابن اسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس رضي الله عنه في وفد كندة فحدثني الزهري أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكباً من كندة فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا، وعليهم جبب الحبرة، وقد كففوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألم تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم، قال فشقوه منها فألقوه...) وقد أورد هذه الرواية في وفد الأشعث بن قيس رضي الله عنه، الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (5/203) وهي رواية أخرجها عبدالرزاق في المصنف (11/ 74ــ 19952) والإمام أحمد في المسند (5/211ـ 212) وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 23) حتى قال أحد الصحابة لما رأى وفد حضرموت كما ورد في الإصابة 3/612: (الحمد لله يا أشعث الذي نصر دينه وأعز نبيه وأدخلك وملكك في هذا الدين...).
كما أن هناك وفد آخر سار إلى المصطفى محمد صلى الله وسلم من حضرموت ألا وهو وفد تجيب من كندة جاءوا ليعلنوا إسلامهم، فقد أورد الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية 5/ 221: (وفد تجيب من كندة ذكره الواقدي أنهم قدموا سنة تسع وأنهم كانوا ثلاثة عشر رجلاً، فأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما أجاز غيرهم، وإن غلاماً منهم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حاجتك، فقال: يا رسول الله ادع الله يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فال: اللهم اغفر له وارحمه، واجعل غناه في قلبه، فكان بعد ذلك من أزهد الناس).