ماء زمزم آية من آيات الله لعباده المؤمنين .. تقطع الظمأ ، وتشبع
الجوعى ، وتقي الأخيار من عذاب القبر وعذاب النار .. هي بركة .. تعمل على زيادة
الرزق .. زيادة العلم .. ( ماء زمزم لما شرب له ) صدق الرسول الكريم صلى الله عليه
وسلم .
زمزم .. هذا النبع الذي انفجر تحت قدم طفل رضيع يصرخ من العطش والجوع ،
وأم لا تعرف كيف تتصرف .. تجري بين جبل قبيس وجبل قينقاع ؛ عسى أن ترى مغيثاً ..
فنبع من ركضة قدم طفل صغير فكان سقيا لنبي الله ورسوله إسماعيل وأمه
الطاهرة الصابرة السيدة ( هاجر ) رضي الله عنها ؛ حيث طمأنها سيدنا جبريل حيث قال
: ( إن في هذا المكان بيتاً لله سوف يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وأن الله لا يضيع
أهله أبداً ) .. فكان طعاماً لها ولولدها وسقيا لهم .
*
آية كبرى
والدكتور عبدالحافظ سلامة أستاذ ميكروبيولوجيا الأراضي والمياه من
القلائل الذين شاهدوا عيون زمزم الأساسية أي المصادر المغذية لزمزم .. فقد منّ
الله عليه بدراسة زمزم دراسة تفصيلية وما حصل عليه من نتائج ومعلومات لم تتوافر
لأحد من قبله ؛ حيث كان يعمل رئيساً لقسم العلوم التطبيقية في مركز أبحاث الحج
جامعة الملك عبدالعزيز . وكان قد كلف بدراسة وتنظيف بئر زمزم بعد أحداث
1400هـ وذلك بحكم تخصصه العلمي الدقيق .
ويقول الدكتور عبدالحافظ سلامة : إن هذا النبع وهذه المياه ما هي إلا
آية كبرى للمؤمنين كافة . وعندما قمت بدراسة تركيب البئر وبتحليل مياه زمزم
كيميائياً وميكروبيولوجياً ودراسة مصادر الماء والعوامل المحيطة بها سجلت من
الآيات ما يعجز العلم عن تفسيرها حيث العلم كله من عند الله .
*
مصادر مياه بئر زمزم
من الروايات التاريخية كما ذكرها الإمام الأزرقي ومن أقدمها الحديث
الذي دار بين كعب الأحبار والعباس رضي الله حيث سأل كعب الأحبار عن أي العيون أغزر
قال العين جهة الحجر ، فقال له : صدقت .. وهذا يدل على أن الكتابيين من اليهود
والنصارى على علم بهذه البئر منذ ظهورها .. وقد وصف الإمام الأزرقي بئر زمزم :
" كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها (60) ذراعاً ، وفي قعرها (3) عيون – عن
حذاء الركن الأسود ، و عين حذاء جبل قبيس الصفا ، وعين حذاء المروة " .
وهنا يوضح الدكتور عبدالحافظ سلامة ما رآه رؤية العين من فتحات المياه
المغذية لبئر زمزم فيقول : عندما تم نزح المياه من بئر زمزم باستخدام (4) طمبات
كهربائية غاطسة لتطهيرها مما تعرضت له المياه في أحداث الحرم ، وعندما وصل منسوب
المياه عند (12.80) متر فقد تكشفت البئر عن عيونها الأساسية وكانت كلها على مستوى
واحد تقريباً .. والمصدر الرئيسي المغذي للبئر أو العين الكبرى عبارة عن غور داخل الصخر
بطول (70) سم مقسم من الداخل إلى قسمين وارتفاع الفتحة (30) سم وهي في اتجاه الحجر
الأسود في الكعبة المشرفة ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه ، وهو ما يتفق مع ما
ذكره العباس رضي الله عنه لكعب الأحبار عند سؤاله .
المصدر الثاني ( العين الصغرى ) وهي أقل عطاء بالماء ، وهي أيضاً غور
إلى داخل الصخر في اتجاه مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام وبطول (45) سم وارتفاع
(30) سم أيضاً .
أما لمصدر الثالث – يقول الدكتور عبدالحافظ – فهو فتحات صغيرة تتدفق منها المياه من بين
أحجار البئر ، وهي عبارة عن خمس فتحات في مساحة قدرها (1) متر ، وهي بين العين
الكبرى والعين الصغرى بالإضافة إلى إحدى وعشرين فتحة مياه تبدأ من جدار العين
الكبرى باتجاه الصفا وفي محيط البئر في اتجاه المروة حتى تصل إلى العين الصغرى ،
وهي على مستويات مختلفة بين صفين من الحجارة .
ومما سبق تتبين لنا آية الله سبحانه وتعالى بأن يـجعل مصادر مياه زمزم
الأساسية تأتي من عند بيته المحرم من أطهر بقعة في الأرض وهي أيضاً من أسفل بيته
المعمور في السماء بعيداً عن أي مصادر للتلوث أو العبث الإنساني ، ماء طهور من
مكان طاهر .. فهي شراب الأبرار وهمزة جبريل وسقيا نبيه إسماعيل ابن خليله إبراهيم
عليهم جميعاً السلام .
*
حدث فريد .. في تاريخ زمزم
وهنا يطرأ على الذهن سؤال عن مدى قدرة البئر على إنتاج الماء . فلا
توجد بئر في العالم تعطي هذا المعدل من إنتاج الماء ؟ . ويـجيبنا الدكتور
عبدالحافظ بكلمات بسيطة حيث يقول : لم يحدثنا أحد عن مدى قدرة البئر على إنتاج
الماء إلا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( كلما أخذت منها أعطتك ) ، ولكن
لم تقاس قدرة البئر على إنتاج الماء حتى كانت أحداث 1400هـ وتكليف مركز أبحاث الحج
في المشاركة في البحث والتطهير .. وقد وصلنا إلى البئر قبل فتح الحرم أمام المصلين
وتنظيفه حتى يصبح جاهزاً للاستهلاك الآدمي مما علق بها من ملوثات عديدة أثناء فترة
احتلال الحرم المكي الشريف .
وكان الوقت والإمكانيات التي أتيحت لنا لأخذ العينات الفعلية وكذلك
عينات المياه بدون أي تدخل بشري وبدون ضخ المياه لاستهلاك زوار بيت الله الحرام ..
وكان الهدف الأساسي هو أولاً نزح المياه من البئر وتنظيفها وتم بالفعل إنزال أربع
مضخات كهربائية غاطسة داخل البئر رغم ضيق فتحتها .. تعطلت المضخة الأولى ثم تم
تشغيل الثلاث الأخر مرة واحدة لسرعة ضخ المياه الملوثة من البئر ، وتم أخذ عينات
من المياه من العيون الأساسية وكذلك من المياه المتدفقة من بين الأحجار وذلك
للتحليلات الكيميائية والبيولوجية . والجدير بالذكر أن هذه المجموعة العاملة تعتبر
من القلائل البشرية الذين شاهدوا عيون زمزم الأساسية كما وصفها الإمام الأزرقي عام
263هـ ، وقد تم تسجيل هذا الحدث الفريد في تاريخ زمزم بالصور .. وبحساب تدفق
الثلاث المضخات نجدها (486) م3 / ساعة ، وهي أعلى من أي معدلات لأي بئر
في العالم تتدفق منها المياه خلال الصخور النارية أو الجرانيتيا . وقد وصل إنتاج
البئر في اليوم أحد عشر ألفاً وستمائة وأربعة وستين متراً وهو ما يعادل أحد عشر
مليوناً وستمائة وأربعة وسبعين ألف لتر / يوم يكفي لسقي عشرة أضعاف بيت الله
الحرام عند شربهم ماء زمزم في يوم واحد .. سبحان الله العلي القدير !! .
ويختتم الدكتور عبدالحافظ حديثه قائلاً : أما ما ذكر أنه سيأتي على
زمزم زمان يكون أعذب من النيل والفرات .. هذا ما يراه الناس .. لأن الله تعالى
قادر على أن يـجعل ماء زمزم عذباً كالنيل والفرات كما يتمنون ، ولكن الله لطيف
بعباده فقد جعلها ملحية أو ثقيلة كما وصفوها وذلك إرادة الله سبحانه أن يعوض الحاج
أو المعتمر ما يفقده من أملاح أثناء الطواف أو السعي بين الصفا والمروة وأن لا
يصاب الإنسان بالضربة الشمسية .
الطعم أو هذه الملوحة – كما يقول الدكتور عبدالحافظ – هي رحمة من الله لزوار بيته ، ولا تنسى أن مياه
زمزم كانت غليظة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان يضاف إليها اللبن والعسل
أو الزبيب لتخفيف شدة ملوحتها .. ألم نقل أن زمزم آية من آيات الله !! .