الحمد لله .................
أيها الإخوة المؤمنون :
ونحن اليوم حديثي عهد بشهر رمضان حيث لم يمضي على انقضائه إلا أيام معدودات ، الصيام الذي كان هدفه ليس الجوع والعطش ولكن هدفه الأساسي وثمرته الكبرى هو التقوى قال تعالى ( يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وما أحوجنا اليوم أن نقف مع موضوع التقوى وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) التقوى هي أول ما صاح به المرسلون في أقوامهم كما حكى الله عن رسله فقال عن نوح ( إذ قال لهم أخوهم نوح إلا تتقون )وقال تعالى ( إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون ) وقال عز وجل ( إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون ) وقال سبحانه ( إذ قال لهم شعيب إلا تتقون ) وقد أمر الله سبحانه وتعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) ولقد ورد الأمر بالتقوى في كتاب الله عز وجل في كثير من الآيات حتى أننا لنظن أن الله تبارك وتعالى لم يكرر الأمر بشيء من محبوباته كما كرر الأمر بالتقوى ، وكل مسلم لا يكاد يمر عليه أيام إلا ويطرق سمعه أمر بتقوى الله عز وجل على الأقل في خطبتي الجمعة كل أسبوع وكذلك يسمعها المسلم في المحاضرات والمواعظ وهذا التكرار الكبير للأمر بالتقوى الذي قيل انه ورد في كتاب الله أكثر من مائتين وخمسين مرة ليدل دلالة قاطعة على عظم هذا الأمر الذي يجب أن يقف عنده المتدبرون ويتأمله المتأملون فيكشفوا حقيقته وسر اعتناء الله ورسله به ويتعرفوا على فضل التقوى وصفات المتقين .
ايها الإخوة الأفاضل :
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى انه حلال خشية أن يكون حراما وقال الحسن عليه رحمة الله : المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض الله عليهم . وقال ميمون بن مهران رحمه الله : المتقي اشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه ..
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق ارض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
إن التقوى ليست شعارا مجردا يرفعه الإنسان ويردده ثم لا نجد له أثرا في الواقع إن التقوى في القلب ولا بد أن يظهر أثرها على الجوارح لا بد أن يظهر اثر التقوى في حياة الإنسان كلها في حركاته وسكناته في عبادته وأخلاقه وتصرفاته وبهذا يتبين لنا خطأ الذين ظنوا أن تقوى الله هي أمر قلبي لا يتدخل في شئون الجوارح فتجد صاحب هذا الاعتقاد يقصر في الطاعات ويغامر في أنواع المنكرات ثم إذا قلت له : اتق الله احمرت عيناه وفار الدم في عروقه وقال لك بلسان الواثق ضاربا بيده على صدره حتى انك لتخشى على أضلاعه من شدة الضرب التقوى ها هنا التقوى ها هنا التقوى ها هنا .
لا اله إلا الله ما اخطر انقلاب المفاهيم والأفكار وما اخطر اعوجاج الفهم للإسلام إنها والله كلمة حق أريد بها باطل فهل يصح أن يتقلب العبد بين ترك الواجبات وانتهاك المحرمات ثم يكون ممن امتحن الله قلوبهم للتقوى ؟ لا وألف لا ، فهذا مخالف لتعاليم الإسلام التي تجعل منه دينا عمليا واقعيا تظهر ثمرته في حياة المسلم وليس دينا نظريا لا اثر له في الحياة.
وما أراد النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال التقوى ها هنا وأشار إلى صدره الا أن يبين أن أصل التقوى في القلب كما قال تعالى ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ..
أيها الإخوة الكرام الأعزاء :
التقوى أن نتقي الله في عبادتنا أن نتقي الله في صلاتنا فنحافظ على الفرائض ونؤدي الصلوات المكتوبات في أوقاتها ونحافظ عليها جماعة في المسجد أن نحرص على الصف الأول وتكبيرة الإحرام أن نحافظ على النوافل ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) أن لا يؤخرنا عن الصلاة أي عمل انهض إلى صلاتك متى سمعت النداء فان الشيطان في تلك اللحظات سيعرض لك ألف عمل فانتبه رعاك الله.
التقوى أن نخرج زكاة أ موالنا كاملة غير منقوصة ونصرفها في مصارفها الصحيحة معتبرين أنها عبادة لله وفرض من فرائض الله من غير من على عباد الله .
التقوى أن ن نتقي الله في أخلاقنا أن نصدق ولا نكذب أن نفي بوعودنا ولا نخلف أن نحدث الناس بطيب الكلام من غير فحش أو سب أو شتم ( والكلمة الطيبة صدقة ) ولقد أثنى ربنا عز وجل على نبيه فقال ( وانك لعلى خلق عظيم ) وها هو صاحب الخلق الحسن يكون قريبا من المصطفى صلى الله عليه وسم عندما قال ( أقربكم مني منزلا يوم القيامة احاسنكم أخلاقا ) وما أحوج الأمة اليوم إلى الخلق الحسن لهذا قال الشاعر :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
التقوى أن نتقي الله في معاملاتنا وتجارتنا وكسبنا وان نراعي حقوق الإسلام وواجباته أن نتقي الله فلا نغش في معاملاتنا وان لا نكذب لترويج بضاعتنا أن لا نحتكر طمعا منا في الربح السريع ، أن لا نستغل ألازمات والأوضاع التي يمر بها البلد في الاحتكار ورفع الأسعار .
التقوى أن نتقي الله في أعمالنا ووظائفنا أن نؤديها على أكمل وجه أن نحرص على وقت الدوام حضورا وانصرافا وان نؤدي عملنا وان نقوم به خير مقام بل وان نحسن ونتقن ما نقوم به فان الله كتب الإحسان على كل شي فان تهاونا في ذلك فإننا نفتح على أنفسنا بابا من أبواب السحت واكل الحرام لان عملك ووظيفتك هي مصدر رزقك الذي ينبغي عليك أن تحافظ عليه أن يكون حلالا فكيف بمن يقصر في عمله ويتهاون ثم يأتي يطلب أجرا كاملا فهذا يدخل في باب التطفيف الذي توعد الله من يعملون به فقال ( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ..)
التقوى أن نتقي الله في أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر فإننا امة ما كانت خير امة إلا لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ( كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمون بالله) وليس من التقوى كما يراه البعض أن تدير ظهرك لما تراه من منكرات ومظالم وكأن الأمر لا يعنيك بل يجب أن تعلم أن الساكت عن الحق شيطان اخرس بل اعتبر بعض علماء الأمة أن الساكت عن الحق كالناطق بالباطل وينبغي أن نحيي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وان الأمة إذا هابت أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها وبطن الأرض خير لها من ظهرها وليعلم الجميع أن الشعوب مسؤلة مع حكامها إذا هي مشت في ركابهم وأيدتهم على ظلمهم ولم توقفهم عند حدهم، فقد ذم الله فرعون وقومه بقوله ( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) وليعلم الناس أن أعوان الظلمة معهم في جهنم وان مجرد الركون إليهم موجب لعذاب الله تعالى ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) وقال أيضا ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) وقد حكي عن الإمام احمد انه حين سجن وعذب في محنة القول بخلق القران سأله سجانه عن الأحاديث التي وردت في وعيد أعوان الظلمة فقال هي صحيحة فقال السجان : وهل تراني من أعوان الظلمة ؟ قال الإمام احمد لا أعوان الظلمة من يخيط لك ثوبك ! أو يقضي لك حاجتك أما أنت فمن الظلمة أنفسهم .
أيها الإخوة الأفاضل : إن للتقوى ثمرات وفوائد ورد ذكرها في القران الكريم ومن هذه الثمرات أن التقوى ثوابها الجنة ( وأزلفت الجنة للمتقين ) أنها سبب النجاة يوم القيامة ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) أنها من أسباب قبول العمل ( إنما يتقبل الله من المتقين ) أنها الميزان الذي يقرب به العبد من ربه ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) أنها سبب لتيسير العسير ( ومن يتقي الله يجعل له من أمره يسرا ) أنها سبب لتفريج الكروب وفتح أبواب الرزق ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )
أقول ما تسمعون ..............................
الخطبة الثانية :
الحمد لله ...............
ها نحن على أبواب عام دراسي جديد حيث يتوجه أبناؤنا غدا إلى مقاعد الدراسة بعد انتهاء الإجازة الصيفية يعودون غدا إلى مدارسهم لينهلوا من ينابيع العلم والمعرفة ونسال الله أن يوفق أبناءنا ومعلمينا إلى كل خير وان يكون عاما دراسيا مليئا بالجد والاجتهاد والتحصيل لان التقوى والخشية من الله لا تتحقق إلا بالعلم قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وبهذه المناسبة فإننا نرسل رسائل عاجلة إلى الأبناء والمعلمين والمسؤلين ..
أما رسالتنا الأولى فإلى أبنائنا فلذات أكبادنا نقول لهم الله الله في دراستكم جدوا واجتهدوا فان الوطن ينتظركم وينتظر نجاحكم وتفوقكم لتكونوا رجال الغد وبناة اليمن واعلموا أنكم بانتظامكم في مدارسكم واجتهادكم في تعليمكم فإنكم بذلك تساهمون في إحداث التغيير المنشود ، لأنه لا يبني الأوطان إلا المتعلمون من أبنائه كيف لا ونحن امة الإسلام، امة العلم والتعلم، امة أول آية نزلت عليها( اقرأ) كيف لا نتعلم وسورة كاملة في كتاب ربنا سميت(بالقلم ) الذي هو وسيلة الكتابة فبالقراءة والكتابة ترتقي الأمم وتتطور كيف لا نتعلم ونجتهد وقرآننا يفرق بين الذين يعلمون وغيرهم قال تعالى ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) كيف لا نتعلم ونحن نعلم أننا بالعلم نسير قي طريق الخير والهداية قال الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) نعم أيها الإخوة وأيها الأبناء لا يبني الأوطان إلا المتعلمون العارفون أما الجهل والجهلة فهم سبب تخلف الشعوب والأوطان وبقائها في ذيل القافلة في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجهل والجهلة هم الذين يدمرون الأوطان ولا يبنون مهما علت مناصبهم بل إنهم كلما ارتفعوا منصبا زاد ضررهم على الأوطان والمجتمعات .
رسالتنا الثانية : إلى معلمينا الأفاضل إلى من يسيرون على نهج الأنبياء والمرسلين فالأنبياء والمرسلون هم معلمون ومربون قدوتكم في ذلك المعلم الأول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه واستشعروا عظيم الأجر وانتم تقفون أمام طلابكم تعلمونهم العلم النافع وتدلونهم على الخير وتعلمونهم فضائل الأعمال فكم وكم من الأجور التي ستنالونها في الآخرة ، إما أجور الدنيا فإننا كآباء نطالب الدولة بان لا تبخس معلمينا حقوقهم وان توفيهم أجورهم فاقل ما نقدر به المعلم هو أن نعطيه حقوقه كاملة غير منقوصة ، حتى يزداد نشاطه ويبدع في عمله ولكن في المقابل يجب على المعلم أن يتقي الله في أداء مهمته وان يكون قدوة حسنة لتلاميذه في أخلاقه وتصرفاته وان يكون رحيما بأبنائنا عطوفا عليهم ، يؤدبهم ويربيهم ويعلمهم من غير عنف ولا قسوة .
أما رسالتنا الثالثة : فهي إلى الجهات المسؤلة بان يهيئوا كل الظروف لاستقرار الدراسة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ولا يأتي هذا إلا بتوفر المعلمين والكتاب المدرسي لجميع الطلاب والمبنى المدرسي الملائم وقبل ذلك الإدارة المدرسية الكفوءة المستقرة القادرة على تسيير العملية التربوية والتعليمية بالمدرسة ...
ونخشى ما نخشاه أن تتسبب أزمة المشتقات النفطية المفروضة علينا في تعثر الدراسة في عدد من المدارس وخاصة التي تعتمد بدرجة أساسية على المواصلات كمدارس وثانويات البنات وغيرها .........
وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ............
القيت بمسجد عمر حيمد بسيئون حي القرن
الجمعة 18 شوال 1432هـ الموافق 16 سبتمبر 2011م