الحمد لله ......
يقول الله تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف
ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ، بخلق ما يشاء ، وهو العليم
القدير } .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن من أهم قضايا حياتنا المعاصرة وواقعنا الإسلامي
، وأكثرها حدة وتعقيدا وخطورة ، قضية الشباب ومشاكلهم ،التي تثير
الأقلام وتستدعي كبير الاهتمام ،
لما لها من ارتباط بجميع شؤون الحياة في أبعادها المختلفة ، الدينية والخلقية
والاجتماعية والحضارية والإنسانية ،وذلك
بالنظر الى ما يحيق بشبابنا من أخطار و أكدار ، تنال من انسانيتهم وكرامتهم
وفعاليتهم ورسالتهم الحيوية في الحياة والمجتمع والوطن والأمة ، حتى باتت نواقيس
الخطر تدق منذرة ، وتتعالى الصيحات والشكوى من مختلف الجهات.
إن مرحلة الشباب واسطة عمر الإنسان ، ومرحلة
القوة والحيوية بين ضعفين : ضعف الطفولة المدبرة ، وضعف الشيخوخة المقبلة . وهم في
كل أمة ثروة غالية لا تقدر بثمن ، بل هم الأمة ورأسمالها الحقيقي ، وهم المستقبل
والعدة والعتاد ، والطاقة الحيوية لكل بناء ونماء واعمار. الا أن ذلك مشروط باحسان
تربيتهم ،واجادة تكوينهم وإعدادهم للصالحات وفعل الخيرات .
و ما دفعنا للحديث في هذا الموضوع هو ما
نراه ما يحيط بالشباب اليوم من مؤامرات تكاد تفسد حياتهم
و دينهم , فهناك الإعلام الهابط الذي ينشر الرذيلة و الفجور ليصرف الشباب عن أهدافهم
السامية , و رفقاء السوء الذين يجرون الشباب إلى الميوعة و الفوضى , و شرب الدخان
و تعاطي القات والمخدرات
لذا لزاماً علينا أن نحذر من هذه المصائب
حتى لا يقع فيها شبابنا , وأن نوجههم التوجيه الصحيح .
فمن أحب أن يعرف مكانة أمة وحظها من
المستقبل ، فلينظر الى موقع شبابها منها و مدى عنايتها بهم ، والى ما عليه يحيون
وفيه يفكرون وعليه يتنافسون وبه يتعلقون واليه يطمحون.
ولقد قامت دعوة الإسلام أساسا على فعالية الشباب وعزائمهم ، وحيوية دورهم
،وقد أقبلوا على الإسلام إيمانا ويقينا . فكان منهم أولئك الأبطال الأخيار الذين
ناصروا النبي ودعوته ، ونشروا الإسلام وتباروا في المعالي والمكارم إيمانا وعلما
وعملا وجهادا ، أمثال علي وحمزة ومصعب وأسامة ومعاذ وابن عباس وابن عمر والحسن
والحسين وغيرهم كثير ..وأمثال عائشة وفاطمة الزهراء وحفصة وأسماء وغيرهن . نماذج
عديدة وفريدة صنعها الإسلام بتعاليم
القرآن الكريم وقدوة النبي الأمين .
ان الشباب طاقة حيوية دفاقة بالقوة والحماس ، فأما
أن يوجه التوجيه الرشيد، ويشغل في الخير بحكمة وتبصر ، والا انقلب وأصبح طاقة مدمرة لا تبقي ولا تذر
،فيبدأ بتدمير نفسه ،كالنار التي تأكل نفسها ان لم تجد ما تأكله . و بقدر ما يفتقد
من تدابير الرعاية والوقاية والحماية ، يكون عرضة
لعوامل الانحراف والضياع . فحين يفتقد التربية الإيمانية والخلقية الفاضلة
، فانه يتربى على أهوائه وينساق إلى الرذيلة . ولما لم يجد ما يشبعه روحيا بغذاء
السكينة والطمأنينة ، أصبح يطلبها في أسباب القلق والتأزم والاضطراب . وحين لم يجد
من يربيه على التعلق بأمثلة القدوة الصالحة في الإيمان والعلم والعمل ،تعلق
بالأمثلة التافهة والماجنة في عالم السينما والأغاني والرقص و الملاهي وغيرها .
ومع حاله من الفقر في قيم دينه وهويته ووطنيته ، هان عليه كل ذلك وذابت غيرته
عليها ، وتحولت اهتماماته الى عبودية الموضة والفرق الكروية ولاعبيها والوجوه
النجومية الجوفاء ، يهيم بهم ويقلدهم في عشوة انبهار وانقياد . ولما غاب عنه
التوجيه الرشيد الحكيم الى التنافس في المعالي والمكارم ، انجذب الى عناصر القتل
والتدمير لعقله وكيانه وكرامته بالسجائر
والمخدرات والمسكرات وأفعال التمرد والعصيان . تلكم كانت عواقب الفراغ الروحي
والنفسي و العملي يؤدي ثمنها شباب الأمة
المحاصر بالتفريط و الإهمال
أيها الأخوة المؤمنون :
اننا لا نرضى لشبابنا حياة سائبة ، متحللة من كل الضوابط والالتزامات ،
تسوقهم الى التهالك على المتع الحسية بغير وازع من دين ولا عقل باسم التحرر ،ولا
نقبل فيهم اهتمامات وطموحات زائفة تتعلق بانماط الحياة اللاهية العابثة تحت مسوغات
واهمة تأثرا ببريق المظاهر في سير نجوم الفنون المائعة . ولا نسمح بوقوعهم ضحايا
المغرضين الناقمين ، الذين يحبون أن تشيع الفواحش والمناكر في أجيالنا ، بترويج
الآفات المهلكات.. بل نريده شبابا مسلما مؤمنا تقيا نقيا ، حيا بوجدانه وضميره ،
فاعلا بأفكاره ومبادئه ، قويا بمواقفه في نصرة الحق والتزام العدل والمسارعة في
الخيرات ، متنافسا في المعالي والمكرمات . نريده شبابا ينشأ ويحيا على طاعة ربه
والبر بوالديه كما نشأ الشاب اسماعيل الذي كان صادق الوعد طاعة لربه وأبيه ولو في
قمة التضحية والفداء . ونريده شبابا يتعفف عن المحرمات والمنكرات ، ويتقي الفواحش
بوازع ايمانه وخشيته لله تعالى ، كما في شباب يوسف الذي سعت اليه الفتنة بكل عناصر
الاغراء والغواية فلم يسع اليها وقال: { معاذ الله انه ربي أحسن مثواي ، انه لا
يفلح الظالمون } . ونريده برا بوالديه توقيرا واحسانا ، كما في شباب يحيى الذي كان
{ برا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا } . و نرجوه شبابا ينشأ على الصدق والعفة
والأمانة والفداء كما نشأ محمد صلى الله عليه وسلم وعرف بين قومه بالصادق الأمين
قبل رسالة القرآن الذي أثنى عليه بالكمال
الخلقي :{ وانك لعلى خلق عظيم } . وفي كل ذلك نبتغيه شبابا ثابتا على عزة الإسلام
وصبغته الربانية ، يشرف دينه ونفسه و الأمة جميعا ، حاضرا ومستقبلا ، ليكون الأمل
والعزاء في زمن الغثائية المهينة ... أقول ماتسمعون..
الخطبة الثانية :
الحمد لله ...
أيها الأخوة الكرام
الأعزاء :
إن الاهتمام بالشباب و حمايتهم من الوقوع في
حبائل هذه المنكرات هي مسؤولية الجميع مسؤولية الأسرة , مسؤولية المدرسة , مسؤولية
المسجد , مسؤولية الإعلام , فإذا تكاتف الجميع عندها سنظهر ثمار جهودهم , أما إذا
كان احدنا يبني و الآخر يهدم , فان الهدم سهل من البناء فنسأل الله السلامة و
العافية .
أولاً : دور الأسرة : أيها الآباء أيها الأمهات إن مسؤوليتكم كبيرة في الاهتمام بأبنائكم و
رعايتهم , و لا يقتصر دوركم على توفـير الغذاء و الكساء و لكن لابد من التربية
الإيمانية التي تنشئ الشباب على الإيمان بالله عز وجل و الخوف من عقابه و رجاء
ثوابه , و تربيتهم على الأخلاق الفاضلة و السلوك
الحسن , و توجيههم في اختيار أصدقائهم فان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من
يخالل ) , اغرسوا فيهم حب الإعمال الصالحة , الصلاة و تلاوة القرآن الكريم ,
عودوهم على ارتياد المساجد .فان هذه الأعمال هي الحصن الذي يقيهم الوقوع في الشرور
والمنكرات
ثانياً : أما المدرسة فان دورها لا يقل أهمية عن دور البيت و الأسرة , لابد أن تشغل أوقات الشباب بالنافع و المفيد
, و تتفجر طاقاتهم فيما يعود عليهم و على أمتهم بالنفع و الفائدة , و أن توفر لهم
المناشط المختلفة الرياضية و العلمية , و الترفيهية التي تحفظ أوقاتهم , فان المدرسة إذا كان دورها
يقتصر على حشو دماغ الطالب بالمعلومات فقط
فإنها مدرسة ناقصة ، لأن التربية الحديثة تقوم اليوم بالإضافة إلى إعطاء
المعلومات للطالب فإنها تصقل مواهبه وتفجر طاقاته وتشغل أوقاته بما يجعله مواطنا
صالحا لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه.
ثالثا : مسئولية المسجد كمؤسسة دعوية وتربوية لابد أن تأخذ دورها الريادي في
تربية الشباب وتوجيههم من خلال المنابر والدروس والمحاضرات والمواعظ ، ومدارس
تحفيظ القرآن الكريم ، ولا بد من التكامل والتعاون بين الأسرة ومدرسة لتحفيظ في
هذا الجانب فادفعوا بأبنائكم إلى مدارس تحفيظ القرآن الكريم ليتعلموا كتاب ربهم
وسنة نبيهم وأمور دينهم ويحفظوا أوقاتهم كما أن من واجب هذه المدارس أن ترتقي
بمستوى التعامل مع هؤلاء الشباب حتى لا يقصدها الأطفال ويهجرها الفتيان والشباب.
أيها الأخوة المؤمنون : لقد انتشرت في بلادنا عموما وفي محافظتنا خصوصا العديد من المؤسسات
الشبابية والمنتديات الثقافية التي تهتم
بالشباب وتشغل أوقات فراغهم وتغرس فيهم حب العمل الطوعي ، وهذا أمر محمود ونشد على
أيدي هذه المؤسسات أن يكون عملها تكامليا تكمل بعضها البعض ، وتتعاون فيما بينها
البين وان يكون اختلافها اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ، وان تنسق جهودها وأن يكون
هدفها الشباب أولا وأخيرا بغض النظر عن
انتماءاتهم السياسية أو توجهاتهم الفكرية.
أيها الأخوة : لابد من يقظة واعية لإنقاذ شبابنا من ويلات
التمزق والحيرة والضياع ، بحل مشكلاتهم وتحريرهم مما يكبل إراداتهم الخيرة
وطاقاتهم المبدعة ويصيبهم بحالات الإخفاق والإحباط وشعور اليأس والانهزام، والعمل على احياء
نفوسهم وضمائرهم وعزائمهم ليستعيدوا الثقة
بأنفسهم ومواهبهم ويكتشفوا صفاء فطرهم
، ويذوقوا حلاوة الاستقامة وصالح الأعمال ، فيصلحوا لما صلح له أمثال مصعب
بن عمير الذي هيأ المدينة كلها للهجرة النبوية ، بدعوته الطيبة وقد كان قبل الإسلام
على حياة اللهو والترف . أو يكونوا صالحين لمثل ما صلح له أسامة بن زيد وقد ولاه
النبي إمارة جيش المسلمين وفيهم كبار الصحابة فضلا وشجاعة ، وهو لم يتجاوز الثامنة
عشرة . أو يكونوا صالحين لما صلح له محمد بن القاسم الذي فتح الله به بلاد السند
ولم يبلغ من عمره العشرين . أو يصلحوا لما صلح له الشاب محمد الفاتح الذي فتح
القسطنطينية المنيعة وقضى على نفوذ الروم فيها ، ولم يجاوز الثالثة والعشرين من
العمر..
وختاما يا شباب أنتم أمل الأمة ، وانتم
مستقبلها ، فكونوا عند مستوى المسئولية ، فان الأمة تنتظركم قادة في المستقبل
لتكملوا مسيرة التغيير التي بدأتموها اليوم ، وان ذلك لن يكون الا بالجد والاجتهاد
، ولن يكون الا بالهمة العالية لا بسفاسف الأمور وتوافهها ، فالله الله في شبابكم
والله الله في أوقاتكم ، لا تضيعوا منها لحظة الا في ما يفيدكم وينفعكم ، اقرأوا
اطلعوا واجعلوا من الوسائل الحديثة كالانترنت وسيلة للاستزادة بالمعلومات لا
لتضييع الأوقات ، استفيدوا من خبرات من هو أكبر منكم سنا وعلما ولا تغتروا بأنفسكم
، وأعلموا أن عماد ذلك كله هو التمسك بتعاليم الاسلام ، والتحلي بالأخلاق الفاضلة
، والمحافظة على العبادات ..
وصلوا وسلموا ....
خطبة جمعة بسيئون للاستاذ
/ سالم عبود خندور بمسجد عمر حيمد بالقرن
21 جمادى الاولى 1433هـ
/ 13 ابريل 2012م
تسجيل صوتي