كثيرون يعتقدون أن ما يسمى بالمجلس الانتقالي مجرد ما وقع اتفاق الرياض مع الشرعية قد أصبح شرعياً وهذا مفهوم خاطئ، فالشرعية وقعت لحل مشكلة التمرد غير الشرعي على الدولة، وقد وقعت اتفاق ستوكهولم مع الحوثي وهذا التوقيع لم يجعله شرعياً.. الاعتراف بمشكلة ما ومعالجتها لا يعني أنها أصبحت شرعية لذلك فما يسمى بالانتقالي وأن أعترف به البعض إلا أنه لم يصبح شرعياً بعد وهذه توطئة مهمة لما سنأتي عليه ما يلي .
ما يسمى بالانتقالي تنظيم مليشياوي مسلح فرضته الإمارات بقوتها المسلحة في عدن ونتيجة لظروف سياسية معينة اضطرت الشرعية للتعامل مع طلب الإشفاء السعوديين بالتفاوض معهم (السعوديين) حول هذه المليشيا، وأنتجت هذه العملية التي بدأت في جده وانتهت في الرياض (اتفاق الرياض) وهو هندسة إماراتية مقابل خروجها من عدن، وإحلال الجيش السعودي مكانها في المدينة، وهذا الاتفاق في مجملة كأنه جاء هدية لهذه المليشيا المسماة بالانتقالي التي كان يفترض معاملتها على أقل تقدير كمليشيا الحوثي بالرفض والذهاب لمجلس الأمن الدولي والحصول على قرارات دولية تجرمها باعتبارها مليشيا متمردة مغتصبة للعاصمة عدن، ومن ثم إفساح المجال للشرعية بتصفيتها عسكرياً واستعادة عدن وكان هذا الأمر متيسر ومضمون، فالشرعية لا تحتاج غير تحريك أربعة إلى خمسة ألوية من المنطقة الأولى والثالثة وسيتم استعادة عدن في ساعات.
في الحقيقة الشرعية كانت تواجه التحالف وخصوصاً الإمارات حتى توقيع الاتفاق، وبعد وصول الجيش السعودي إلى عدن وبيده هذا الاتفاق صارت الشرعية تراقب ماذا سيفعل هذا الجيش الذي يفترض به حليف الشرعية ويقاتل منذ خمس سنوات لإعادتها من الرياض إلى صنعاء ووجوده في اليمن بناء على طلبها، لكن مضى شهر على توقيع الاتفاق والسعوديون (مكانك سر) والمليشيا في عدن تدفع بقطعاتها إلى أبين وتمارس مهام الدولة، وتتعامل مع قائد المليشيا بمراسم رئيس دولة وكأنها تتحدى المملكة وجيشها في عدن.
لا يستطيع الجيش السعودي إلا أن يكون نصيراً للشرعية في اليمن وأن خرج عن مهمته هذه تسقط شرعية وجودة بل وشرعية تدخل التحالف في اليمن، وهذا سيحمل المملكة مسئوليات سياسية وقانونية وحقوقية وإنسانية لا طاقة لها بها والأدهى أن هذا سيقود إلى وضع مهمتها بالمجمل منذ ٢٥ مارس ٢٠١٥ حتى اللحظة تحت مجهر البحث والمساءلة خصوصاً والحرب مع الحوثي لم تحقق غرضها الأساس بإعادة الشرعية إلى صنعاء، بل أن المناطق التي تحررت صار التحالف ممثلاً بالإمارات جزء من الصراع فيها.
جوهر ما يسمى بالانتقالي مناطقي ولذلك فحياته تكمن في امتلاكه السلاح وإذا سُحب سلاحه مات، لهذا والإمارات وقد أدركت هذه الحقيقة فأنها قد أوعزت لميليشياتها في عدن أن تتبع حالياً استراتيجية المماطلة والتمنع وتخويف السعوديين من خلال تصرفات المليشيا العنيفة وقد بدأت بالاغتيالات.
وسيكون تنفيذ الاتفاق من قبلهم أن تم بالتقطير وإذا بدأوا بـ (قطرة) سيطلبون من الشرعية (برميل) ويظنون أنهم بهذه الاستراتيجية سيستنزفون الشرعية وسيرهقونها مع العمل لاستعادة قواعدهم القديمة في المحافظات التي سقطوا فيها مع الضخ الكبير للأموال في كل المحافظات لاستقطاب القيادات والضباط والفاعلين الاجتماعيين وخلخلة القاعدة الشعبية للشرعية وصولاً لإسقاط الشرعية بالكامل.
من هذا العرض تطل علينا الحقائق التالية:
- لا يمكن للسعوديين أن يكونوا محايدين في عدن ناهيكم أن يقفوا إلى جانب مليشيا ما يسمى بالانتقالي، فالسعوديين يختلفون عن الإماراتيين نظراً لالتزامهم تجاه الشرعية وإطلاق عاصفة الحزم بطلبها، وإذا أطلق الجيش السعودي طلقة واحده تجاه الجيش الوطني تسقط تلقائياً شرعية وجوده وستتحمل المملكة تبعات ذلك كما ذكرنا أعلاه. وأي تدخل جوي إماراتي ستتحمل السعودية نفسها مسئوليته فالإماراتيين أعلنوا رسمياً انسحابهم وأي تدخل لهم سيكون تدخل سعودي.
ومن ناحية أخرى إذا أعتقد السعوديون أنهم قادرين على إنتاج شرعية مطواعة تضفي المشروعية على أي خطوات يقومون بها في عدن وغيرها من مناطق البلاد فهم سيرتكبون خطاء فادح لأن الشرعية تستمد مقومات حياتها من التزامات دستورية وقانونية واضحة وإذا أهملت هذه الالتزامات ستسقط مشروعيتها وسينتج الواقع شرعيته الشعبية، هذه الشرعية الشعبية الكامنة لولاها لما تمكنت الشرعية برئاستها وحكومتها من الاستمرار كل هذه السنوات مع ما يعتريها من مشاكل وأخطاء ونواقص.
- الشرعية في وضع مريح وهي تسيطر على البلاد من شقره إلى حوف ولذلك فالمشكلة محصورة في عدن، والقاعدة الشعبية في عدن مع الشرعية التي تقوم بواجبها تجاه أبناء المدينة فيما يتعلق بالخدمات وغيرها من المسئوليات الحكومية، ومن الناحية الأخرى ستترك الجيش السعودي ليقوم بمهمته أن أستطاع، وإذا وصل إلى العجز سيكون عليه مغادرة المدينة لتقوم الشرعية باستعادة المدينة بالقوة العسكرية.
- الأفضل للأخوة السعوديين من هذه اللحظة تحديد خياراتهم بوضوح ووضع المليشيا أمام قدره المحتوم بتسليم السلاح وإخراج ألويتها من عدن قبل أي شيء آخر فهنا يكمن تنفيذ الاتفاق، وعلى السعوديين في المقابل أن لا يتعاملوا مع الدولة الشرعية كما يتعاملوا مع المليشيا في مراحل التنفيذ لكي لا ينهار الاتفاق، فالدولة لن تكون إلا الدولة وأي انتقاص من شخصيتها ومكانتها سيكون له تداعيات كبيره فهذا الأمر مرتبط بكرامة اليمنيين ولم يعد لديهم غير هذه الدولة مهما كان وضعها لتحمي كيانهم الوطني السياسي المسمى بـ (الجمهورية اليمنية) وهذه منطقة حساسة واللعب فيها خطر جداً.