بالتوقيع على اتفاقية الرياض في الخامس من نوفمبر الفائت بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي، وجد الانتقالي نفسه يخوض اتجاهات سياسية متناقضة في وقت واحد، ليجتهد في تنويع اللافتات والأغطية لكل مسار، ميدانيا وإعلاميا وسياسيا. عسكريا في الميدان، ومنذ الحوار في جدة والرياض الذي أفضى في نهايته إلى توقيع الاتفاقية، اتجه الانتقالي تدريجيا إلى رفع لافتة "المقاومة الجنوبية"، ليتمكن من استخدامها في تنفيذ تصعيده العسكري وخروقاته لاتفاق الرياض، وعلى أنها لافتة مفضوحة ومظلة شفافة لا تقي الشمس ولا المطر، إلا أنه المقدور عليه، وأفضل الممكن والمتاح. في الاتجاه السياسي والإعلامي، يواصل حملة شرسة ضد السعودية، ورغم الاستعداد لهذه الحملة منذ وقت مبكر، إلا أنه ما يزال عالقا لا يجد لافتة يواري خلفها مواقفه وإساءاته للمملكة، ما اضطره إلى أن يقسم أدواته إلى قسم يهاجم السعودية ويتهجم عليها، وهو المطبخ الإعلامي وكثير من وسائل إعلامه، وقسم يعبر عنه "هاني بن بريك" والناطق الرسمي للانتقالي بين وقت وآخر، ويشاركهم فيه بعض الشخصيات الصحفية والإعلامية، ويتضمن إدانة هذه الحملات ومحاولة البراءة منها وتصويرها على أنها بعيدة عن المجلس ولا تصدر بتوجيهات وخطط مرسومة. لا يظهر خطاب الانتقالي أنهم بصدد الضغط على المملكة لتحقيق مكاسب سياسية ضمن تنفيذ اتفاقية الرياض، بل يكشف ما يتجاوز ذلك إلى الإفصاح عن حقيقة موقفه من المملكة، وما يعتزم الإعلان عنه قريبا وفق خطة مرسومة. الخميس الفائت، حشد الانتقالي مجاميع من أنصاره يتقدمهم بعض قيادته المحلية، وقاموا بتنفيذ تظاهرة أمام مقر التحالف في عدن، مرددين هتافات من قبيل: "يا سعودي يا كذاب، أنت داعم للإرهاب". "دعم الإرهاب"، هي التهمة الكبرى التي تلقي إيران بكل ثقلها لإلصاقها بالمملكة، ويساعدها من الداخل اليمني جماعة الحوثيين، ومن الخارج بعض الأطراف، سواء بقصد الابتزاز، أو لأسباب وأهداف أخرى، ومن بين هذه الأطراف الخارجية رموز في الإدارة الأمريكية، وقد ورد هذا على لسان الرئيس أوباما في 2016 وغيره من المسؤولين، كما ضخت عدة وسائل إعلام أمريكية تقارير ومواد صحفية بهذا المضمون. تزامنا مع هذه الفعالية التي نفذها الانتقالي في عدن وركزت على إلصاق تهمة دعم الإرهاب بالمملكة، وتحديدا قبل أمس الجمعة "14 فبراير"، عقد عضو هيئة الرئاسة في المجلس وممثله في التوقيع على اتفاقية الرياض "الدكتور ناصر الخبجي" لقاء بنائبة السفير الأمريكي، وتحدث لها مطولا في تسويق المجلس كشريك في محاربة الإرهاب حسب التغطية الإعلامية للخبر، وأصدر الانتقالي يومها بيانا ضخ فيه رسائل سياسية تكشف سعيه للحصول على اعتراف أمريكي يصبح بموجبه وكيلا في مكافحة الإرهاب عبر خطوط اتصال مباشرة، وبما يعزز له قوة الحضور، ويمنحه القدرة على مقاومة أي إجراءات سعودية قد تستهدفه في حال أعلن عن موقف مضاد لها، ومطابق للحوثي وإيران، وكان ملفتا أنه أصدر البيان باللغتين العربية والإنجليزية، وهي تقريبا المرة الأولى التي يفعل فيها هذا. الدعم الإماراتي لهذا التوجه المسيء للمملكة، يكشفه بوضوح تناغم إعلام "طارق" مع الانتقالي. في السياق وعلى سبيل المثال، قام "نبيل الصوفي" بالتهجم على المملكة عبر صفحته في تويتر، وهو الشخص الأول في المطبخ الإعلامي لـ"طارق"، وفي تقرير نشره موقع "اليوم الثامن" التابع للانتقالي في عدن والممول من الإمارات، أشاد زميله "سياف الغرباني" بالأداء العسكري للإمارات في اليمن مع السخرية بالمقارنة من السعودية، حيث قال: "وقياساً باستراتيجية السعودية في إدارة المواجهة مع المقاتلين الحوثيين، أو حتى تلك التي تتحرك على إيقاعها قوات حكومة الرئيس المؤقت عبدربه مصور هادي، ظلت الآلية الإماراتية الأكثر حسماً في مسار الحرب، كما شكلت الشفرة السرية للهزائم المذلة التي لحقت بالحوثيين، لا سيما في مناطق جنوب وغرب اليمن. القوات الإماراتية غيرت وجه الحرب الثابت في اليمن..". تتحيّن الإمارات الفرصة التي تتمكن فيها من دفع تيارها المسلح في المحافظات الجنوبية في اليمن للسيطرة على أبين وشبوة، وهي الخطوة التي تأمل الإمارات منها أن تكون كافية لإرضاخ المملكة والشرعية اليمنية للانخراط في تسوية سياسية مع الحوثي تتجاوز المرجعيات الثلاث وبما يتحقق به تثبيت انقلاب الحوثي وإتاحة الفرصة أمامه لعودة السيطرة على اليمن وتهديد المملكة، وذلك من خلال بقائه متمتعا بقدر كبير من النفوذ في السلطة، وقادرا على العودة للتمدد من جديد، مع الاحتفاظ بسلاحه الثقيل والمتوسط. سبق أن حاولت الإمارات ذلك عقب أحداث أغسطس الماضي في عدن، حيث تجاوزت الخط الأحمر وتخطت عدن إلى أبين ومحاولة إسقاط شبوة، وذلك بعد مباحثات سرية وعلنية مع إيران، وكانت على وشك الإعلان رسميا عن انسحابها من التحالف وعزل المملكة سياسيا، وحصر دورها باليمن في الدفع بعملية السلام عبر الحوار السياسي الذي يتجاوز المرجعيات الثلاث، وهو الموقف الذي عبر عنه "عبدالخالق عبدالله" في تلك الفترة بصراحة ووضوح، وتتضمن الخطة إعلان الانتقالي لرفض سياسة المملكة والتصعيد ضدها حد الوصول إلى الخصومة معها بشكل رسمي، والتحول بصورة علنية إلى إيران، لكن خطة السيطرة على أبين وشبوة باءت بالفشل. بفشل الخطة، اضطرت الإمارات لتأجيل إعلان الانسحاب من اليمن الذي كانت تريد أن يسبقه تمكين أدواتها على الميدان، ونقل أسلوب تحكمهم من الأسلوب المباشر الجاري حاليا، إلى التحكم بهم عبر الريموت كنترول من أبو ظبي. لم يتوقف الأمر هنا، بل تلاه فشل إرضاخ الشرعية والمملكة عبر مخطط إسقاط مأرب بيد الحوثيين، أو تلاه بالأحرى فشل إسقاط الجوف الذي سيعني أن الأمر في مأرب بحكم المحسوم، وهنا عاد التصعيد العسكري جنوبا، وارتفعت وتيرة محاولات تفجير الموقف في أبين بعد حشد السلاح والجنود من قبل الانتقالي خلال الفترة الماضية باتجاه هذه الجبهة. قد لا تهدف الإمارات الآن إلى تفجير الموقف عسكريا في هذه الجبهة، لخوفها من حرق مكسبها من اتفاق الرياض والمتمثل بثبيت الوضع العسكري للانتقالي في عدن، وأن يكون استعجالها بمحاولة إسقاط شبوة سببا لنتيجة عكسية تتمثل بسقوط عدن من يدها.. لهذا يصعب الجزم بأنها تفكر جديا في تفجير الموقف حاليا، لكن ما يبدو مؤكدا هو أنها تستفيد من التصعيد القائم وتستغله لحشد الآلة العسكرية وترسانة السلاح وترتيب مختلف الأدوات، مع استمرار الترقب للوقت الأمثل، والفرصة الأسنح!! يقوم الانتقالي بالتصعيد الميداني والإعلامي ضد السعودية ممزوجا بشيء من المراوغة والمخاتلة، تمهيدا للرأي العام الداخلي والخارجي لاتخاذ تلك الخطوة المقرر اتخاذها في حال نجحت المغامرة الرامية لإسقاط أبين وشبوة، والتحول رسميا إلى إيران.
إضافة تعليق