فيروس كورونا (كوفيد-19)، ما الذي يتوجب فعله في اليمن؟

مركز صنعاء للدراسات د. سامح العولقي 

ذهب يمني، عاد مؤخراً من مصر، إلى غرفة الطوارئ في مستشفى بمدينة عدن في وقت سابق من هذا الشهر لمعاناته من أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا – حمى وسعال. أخذ الطاقم الطبي تاريخه الطبي وبعض التفاصيل الأخرى، وشُخص مؤقتاً بمرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

بعدها، غادر الطاقم الطبي بأكمله وكذلك المرضى في قاعة الانتظار المستشفى وهم في حالة من الذعر، ما ترك المريض في حيرة وموصوم بالعار.

يعمل العلماء حتى هذه اللحظة على فهم كوفيد-19. وفي هذه الأثناء أربكت المعلومات الكثيرة والمتناقضة في بعض الأحيان الناس. انتشر فيروس كورونا المستجد في كافة البلدان تقريباً في غضون أشهر فقط، وبحسب جامعة جونز هوبكينز، فإن هناك أكثر من 440,000 حالة مؤكدة حتى 25 مارس/آذار – من شبه المؤكد أن الأرقام الفعلية أكثر – وحوالي 20,000 حالة وفاة.[1] الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في إزدياد وبالتالي سيرتفع عدد الحالات المؤكدة مع توسع نطاق اختبارات كورونا ليشمل المزيد من الناس. وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير، كانت اليمن هي الدولة الوحيدة في منطقة بلدان شرق المتوسط، والتي تضم 22 دولة، التي لم تسجل أي حالة مؤكدة. وبعد تصنيف منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا بالوباء العالمي “جائحة”، علت العديد من الأصوات المحذرة أنه من بعد تفشي الوباء في الصين وأوروبا، من المتوقع قدوم موجة ثالثة من الوباء في البلدان التي تعاني من نظم صحية هشة وأزمات إنسانية ونزاعات.[2]

وبحسب الدلائل، ينتقل فيروس كورونا من خلال الاتصال المباشر بالرذاذ التنفسي الصادر عن شخص مصاب حتى عندما لا تظهر عليه أي أعراض. كما قد يعيش الفيروس على الأسطح لساعات أو لأيام. ولا يوجد أي دليل يثبت انتقال فيروس كورونا عبر الهواء. [3] ولا يزال الجدل قائماً حول تشابه تفشي فيروس كورونا المستجد بالفيروسات الموسمية الأخرى – أي أن انتقال العدوى سيقل في الطقس الحار والرطب كما هو الحال مع فيروس الإنفلونزا – ولكن لا شيء محسوم بعد على هذا الصعيد.[4] وبحسب منظمة الصحة العالمية، تشير الأدلة المتوفرة إلى أن كوفيد-19 يستطيع أن ينتشر في جميع المناطق وفي أي مناخ.[5] مناخ اليمن المتنوع والمواسم المحدودة تجعله غير حصين أمام كل الاحتمالات. ولكن، المناطق الشمالية تحديداً ذات الكثافة السكانية العالية والمناخ البارد والجاف ستكون أكثر عرضة لانتقال الوباء وتفشيه في الطقس البارد.

يجسد اليمن، الذي دخل مؤخراً عامه السادس من الحرب، أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم حالياً. كما يعاني البلد من نظام صحي هش بفعل الصراع المحتدم.[6] وبالتالي تفشي هذا الوباء، الذي ضرب أكبر اقتصادات العالم، سيكون في اليمن كارثي. تشمل العوامل التي من شأنها أن تساعد في تفشي الوباء: ضعف النظام الصحي وسوء البنية التحتية لمياه الشرب والصرف الصحي والأعراف الاجتماعية التي تشجع على التجمعات مثل مجالس مضغ القات. سجل اليمن خلال الحرب أكبر عدد من حالات الكوليرا المشتبه بها إذ سجلت أكثر من 2.3 مليون حالة مُشتبه بإصابتها بالمرض منذ 2017.[7] خلال عملي في اليمن عام 2019، بدا واضحاً ضعف النظام الصحي الذي يكافح من أجل مواجهة الطلب المرتفع على الخدمات الصحية الأساسية والذي يعاني من نقص الأسّرة في وحدات العناية المركزة. تلعب المساعدات الخارجية دورًا حيويًا في إنقاذ الأرواح وحماية نظامنا الصحي من الانهيار التام.

وبحسب اليونيسف، يحتاج أكثر من 7 ملايين يمني إلى خدمات لمعالجة سوء التغذية أو الوقاية منها، بما في ذلك مليونا طفل دون سن الخامسة ومليون امرأة حامل وأم مرضعة بحاجة إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد.

يؤدي سوء التغذية الحاد إلى نقص مناعة الجسم إذا لم يُعالج، ما ينعكس سلباً على قدرة هذه المجتمعات على مواجهة التفشي المحتمل لفيروس كورونا وجعل تأثيراته أسوأ بكثير. 

توصي منظمة الصحة العالمية بغسل اليدين بشكل منتظم ومسهب لمنع العدوى. ولكن قد يشكل هذا تحدياً في اليمن الذي تفتقر العديد من مناطقه إلى المياه النظيفة. ساهمت عوامل عدة مثل عدم الحصول على المياه ‏المأمونة وعدم توفر خدمات الصرف الصحي الأساسية بانتشار الكوليرا بشكل سريع في البلاد.

هذا وتفتقر الميزانية الموضوعة للمياه والنظافة والصرف الصحي ضمن خطة الاستجابة الإنسانية لليمن إلى 55% من المبلغ المطلوب بإنتظار الحصول على التمويل.

تمثل الانقسامات في اليمن تحديًا كبيرًا ستكون عواقبه وخيمة على تدابير الاستعداد والاحتواء والمكافحة.

وتحتاج مواجهة الأوبئة إلى استجابة منسقة وسيادة القانون وأنظمة صارمة. وعلى الأرجح أن تختلف كيفية الاستجابة للوباء بين منطقة وأخرى بحسب الطرف المسيطر. بالعودة إلى المريض الذي تُرك بمفرده في غرفة الطوارئ في المستشفى في عدن بعد أن شُخص مؤقتاً بإصابته بفيروس كورونا، وصلت السلطات الصحية وأجرت إختباراً جاءت نتيجته سلبية.

لكن ما حدث في المستشفى كان صادماً للغاية. كانت ردة فعلهم غريزية، مدفوعة بالهلع والخوف من وصمة العار، ولكنها كانت غير متوقعة أبداً من العاملين في الرعاية الصحية. وما ينذر بالخطر ويعتبر مقلقاً هو افتقار العاملين في مجال الرعاية الصحية في اليمن إلى التدريب اللازم والحماية المطلوبة من كوفيد-19. يجب اتخاذ تدابير عاجلة لا سيما على مستوى التأهب وتوفير التدريب لكيفية تحديد المرضى المحتملين وتجهيز المستشفيات العامة والخاصة باختبارات الكشف وبروتوكولات العلاج وأدوات الحماية. ومن الضروري أيضاً وضع الإجراءات اللازمة لمواجهة وصمة العار الاجتماعية وصون كرامة الأشخاص المصابين في حال وصل فيروس كورونا إلى اليمن (آمل ألا يحدث ذلك).

في فبراير/شباط، بادرت مجموعة الصحة (Yemen Health Cluster) في اليمن – وهي منصة تنسق أنشطة في المجال الصحي بقيادة منظمة الصحة العالمية – بوضع إجراءات التأهب والاستجابة لفيروس كورونا بالتعاون مع وزارة الصحة اليمنية في صنعاء وعدن. حددت هذه الإجراءات أين سيُعزل المرضى المحتملين، وتم تجهيز الغرف في المستشفيات التي يقع معظمها بالقرب من المطارات. أُرسلت اختبارات الكشف عن فيروس كورونا إلى بعض المختبرات المركزية في صنعاء وعدن والمكلا، كما وصل دفعة إضافية من هذه الاختبارات إلى عدن في 24 مارس/آذار، حسبما أكدت منظمة الصحة العالمية.[14] كما قامت وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية بمعايرة أجهزة تفاعل البوليميراز المتسلسل(PCR) [15] في المدن الثلاثة لاستخدامها في الكشف عن فيروس كورونا عبر اختبار عينات من الحلق أو الأنف. أما نظام الإنذار المبكر على مستوى البلد لجمع تقارير عن الأمراض المعدية، فهو يُعمل به منذ قبل الوباء.[16] كما نُشرت العديد من المواد على منصات وسائل التواصل الاجتماعي لنشر التوعية حول فيروس كورونا. وأنشأت منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة خطوط هاتفية ساخنة للإبلاغ عن الحالات المشتبه فيها بفيروس كورونا. وهناك أيضاً العديد من المبادرات المحلية مثل حملة يقودها شباب يمنيون لنشر الوعي. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يجب فعله لضمان التأهب اللازم وتوفر إختبارات الكشف الكافية. ما الذي يجب القيام به؟ الوقت ثمين للغاية وهو لصالح اليمن حتى الآن بإعتبار عدم وجود إصابات مؤكدة هناك. وبالتالي، هناك المزيد من الوقت للاستعداد بشكل أفضل واتخاذ تدابير وقائية. ومن شأن التعلم من تجارب البلدان المتضررة أن يساهم بشكل كبير في التخفيف من تأثير الوباء في اليمن. وبناء على الركائز الثمانية لمنظمة الصحة العالمية[17] للتأهب والاستجابة في مجال الصحة العامة لمواجهة فيروس كورونا، يجب اتخاذ التدابير التالية: تعزيز النظام الصحي يجب الحفاظ على التدخلات والجهود الجارية لتعزيز النظام الصحي في اليمن. ما يستدعي القلق هنا هو أن هذه التدخلات قد تتلقى تمويلًا أقل بينما يلوح فيروس كورونا في الأفق. ومثلاً، بحسب خبرتي في اليمن في إدارة مشروع حزمة الخدمات الصحية الدنيا الممول من قبل منظمة الصحة العالمية والذي يقدم الدعم لثمانية مناطق ذات أولوية،[18] أعتقد أن هذا النوع من الجهود مبتكر وذات فعالية ويؤمن تغطية شاملة.[19] يجب على الدول المانحة ومنظمات المساعدات الانسانية الاستمرار في الاستثمار في هذه الجهود. وإذا تحول التمويل نحو “الأمن الصحي” في هذه المرحلة – كما هو متوقع – من دون الحفاظ على الخدمات الصحية الأساسية، فقد نشهد انهيارًا تامًا للنظام الصحي في اليمن.[20] وبالتالي إهمال الخدمات الصحية الأساسية قد يكون له تأثيراً كارثياً أسوأ بكثير من فيروس كورونا نفسه. حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية يجب تحديث بروتوكولات الوقاية ومكافحة انتشار العدوى والعلاج في كل أنحاء البلاد؛ في ضوء ظهور فيروس كورونا في العالم، ويجب التقيد بها بشكل صارم على جميع مستويات الخدمات الصحية مع التركيز على أقسام الطوارئ والعيادات الخارجية.[21] كما يجب تفعيل أنظمة الإبلاغ والإحالة المحددة لفيروس كورونا ضمن الشبكة الحالية لمراقبة الأمراض فوراً. يجب على وزارة الصحة التأكد من توفر ما يكفي من معدات الحماية الشخصية. هذا أمر بالغ الأهمية لمكافحة الفيروس، وهو يشكل تحدياً حتى في البلدان المتقدمة. وبالتالي، من المفيد البحث عن طرق بديلة لإنتاج معدات وقائية مثل إشراك القطاع الخاص والمنتجين المحليين لصناعتها. ونظراً إلى العدد المحدود من المنافذ العاملة والنقص العالمي في هذه المعدات، سيكون من الصعب وصول الشحنات الدولية ولكن يجب النظر باستيرادها في كل الأحوال. إعادة تصميم برامج سوء التغذية يجب تبني نهج جديد للتعامل مع سوء التغذية. حالياً، يذهب الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى عيادات مخصصة كل أسبوع أو أسبوعين لأخذ الغذاء العلاجي وأخذ قياساتهم. تشمل البدائل لهذه الزيارات المتكررة إلى العيادات، الذهاب مرة واحدة في الشهر أو إرسال عامل إجتماعي لمتابعة حالات الأطفال إذا لزم الأمر. وبحسب الدلائل، يمكن للأمهات أيضًا مراقبة تقدم علاج أطفالهن عبر قياس محيط منتصف الذراع كما يمكن تعليمهن تحديد علامات الخطر التي تتطلب التماس الرعاية الصحية.[22] التطرق إلى الصحة النفسية كجزء من إستجابة مجموعة الصحة سيكون لإجراءات الإغلاق الكامل والعزل والتباعد الاجتماعي تأثير كبير على صحة اليمنيين النفسية فمعظمهم يعانون أصلاً من التأثير النفسي للنزاع الذي طال أمده.[23] يجب الاستثمار في الصحة النفسية ضمن خطة الاستجابة التي طورتها مجموعة الصحة (Health Cluster). ويجب أن يتم هذا بالتوازي مع حزمة الخدمات الصحية الدنيا وخطة الوقاية والاستجابة لفيروس كورونا. توفير التمويل الكافي للمياه والصرف الصحي والنظافة العامة يجب على الجهات المانحة تمويل العجز في خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019 لقطاع المياه والصرف الصحي والنظافة العامة. ويجب على الخطة لعام 2020، التي لم تنشر بعد، أن تشمل المزيد من الاستثمار في البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنظافة العامة وفي حملات تعزيز النظافة العامة بين الناس وفي المرافق الصحية إذ هذا يساهم في تخفيف انتشار الأمراض المعدية في المستقبل (بما في ذلك الكوليرا). تقييد السفر الدولي غير الضروري هذا مطبق أصلاً بشكل كبير إذ معظم الموانئ البحرية والمنافذ البرية مغلقة في اليمن منذ عام 2015. علقت الرحلات الجوية من وإلى اليمن في 14 مارس/آذار وتم فرض قيود على الحدود البرية.

 

التحدي الرئيسي هنا هو ضمان امتثال المجتمع لتدابير الاحتواء والوقاية المقترحة. التثقيف الصحي عبر نشر الرسائل الفعالة ثقافياً عبر المنصات المناسبة قد يساعد في تحقيق هذا الأمر. يجب على هذه الرسائل أن تثقف الناس حول طبيعة المرض وغسل اليدين وآداب النظافة/ السعال التنفسي. بعض الإجراءات الأخرى تشمل معالجة المياه وتجنب التجمعات (مثل مجالس القات المعروفة بالمقيل) والأسواق المكتظة وحفلات الزفاف وتعليق الصلاة في المساجد.

حماية الأكثر ضعفا يجب النظر في قابلية تطبيق هذا النهج المقترح بالنسبة للبيئات المنخفضة الدخل لحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً سواءً في المخيمات أو البيوت وغيره.[25] من شأن هذا النهج أن يكون مفيداً جداً في حالة اليمن. تتبع المملكة المتحدة حالياً تدابير لحماية السكان الأكثر ضعفا وهناك الكثير لتعلمه من هذه التجربة أثناء تطورها. ينبغي على الحكومة اليمنية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة تحديد الأشخاص والمجموعات الأكثر عرضة للخطر بالإصابة بفيروس كورونا. تحديد ذلك خطوة أولى لضمان الحماية المناسبة حيثما ينطبق ذلك. 

الطريق إلى الأمام وضع اليمن مزري: كل قطاعاته هشة. يتحمل الجميع مسؤولية إيقاف انتقال الفيروس ومنع انتشاره. على نظام الرعاية الصحي اليمني، ممثلاً بوزارة الصحة بغض النظر عن من يتمتع بالسلطة في مكاتبها عبر البلاد، أن يقود إجراءات الاستجابة بالتنسيق الوثيق مع جميع القطاعات الأخرى ووكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمجتمع. من المهم جداً تحديد اﻟﺠﻬﻮد وﺗﺮﺗﻴﺐ أوﻟﻮﻳﺎﺗﻬﺎ لحماية العاملين في المجال الصحي (بناءً على الدروس المستفادة من إيطاليا والصين) وكبار السن والأسر الفقيرة والأطفال والأمهات الذين يعانون من سوء التغذية وذوي الاحتياجات الخاصة. والأهم من ذلك، يجب عدم تعليق المشاريع والأنشطة التي تؤمن الخدمات الصحية الأساسية. كوفيد-19 هو حالة طوارئ صحية عامة؛ فلنكن مستعدين بشكل أفضل.

د. سامح العولقي هو أخصائي صحة عامة يمني، وهو حاليًا باحث مقيم في معهد الطب الاستوائي في أنتويرب؛ بلجيكا حيث تركز أبحاثه على النظم الصحية والاستجابة لفيروس كورونا. ساهم فكري دريب (دكتوراه، جامعة هايدلبرغ، ألمانيا) وكريستوف ديكوستر (معهد الطب الاستوائي، أنتويرب) في كتابة هذا المقال.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص