من خلال حصاد التدبر لقراءة الوضع الكوروني ودوافع البناء التربوي الأسري يتبين أن من المصائب ما تعمل كر وافع ربانية لمقامات الفرد لولاها لما وقف على ثغراته يسدّها ويسددها إلى جادة الصواب , ومنها منجمٌ لأسرار البشر قد لا يُدرك كنهها آنياً بل مجرد التسليم يُنبئ عن عمق القوة المستمدة والمختزنة داخل الكيان البشري ..
إن ما أردت أن أتحدث عنه أننا ومنذ أمدٍ برمجنا ذواتنا وتألقنا في فن كيل التهم وإلقاء اللائمة لنُظهر روح الملائكية الطاهرة التي ظن البعض أنه يتمتع بها خِدعةً !! حتى بدا عوارنا وخار عجزنا حين لم نعد نتكئ على ما نبرر به ضعفنا، وتخليْنا عن مسئولياتنا ابتداءً، أين مسوغاتنا التي كنا نسوقها ونسوّقها كلما عجزنا عن قيامنا بالمسئولية الذاتية تجاه أمانتنا ؟! بل لعل من لُطف الأقدار أن عرّفتْنا حجم وقدر أنفسنا أكثر من تعرفنا عليها في زمن الاتكاء !!
أنت وفقط من تقع عليه كل المسئوليات اليوم لتقوم مقام المؤسسات والهيئات التي كنّا نتكئ عليها ونعلّق تقصيرنا بها، فالأب في الوسط الكوروني هو الجامعة الافتراضية في محيطه إجباراً ،وهو المدرسة والموجه والمرشد الناصح، وهذا ما يحتّم عليه أن يمتثل شعار القدوة حيًّا بكل معانيها، ويوم فقدنا دور الحياة بمذاقها الطبيعي وبمقبلاتها ونكهاتها لم نعد نتعامل إلا وفق نمطٍ مُقنّن ،لذا ينبغي أن ندرك المنصب الحساس الذي تبوأناه في مجتمعنا اليوم .
لقد كشف كورونا مدى الترهل الذي نسير به في خُطا التربية الأسرية – فضيحة – فقد أتى على قواعد المسئولية الفردية فضلاً عن الدور القيادي الأسري لأولياء الأمور والآباء ليجد ساساً في التربية ذا قواعد رخوة هشة لم تقوى على الصمود أمام اهتزاز العالم لبضعة أسابيع !!! - فضيحة – يوم أن تكشّفت الحقائق لنرى الأبناء وقد أُزيح عنهم ما بقي من غطاء المسئولية لنسلمهم للقرناء والشارع والشاشة .. كورونا - فضيحةٌ - أظهرت ترهّلاً في أسس ومنطلقات التربية الأسرية ما سهّل أن تنعتق منها الأسر فتتفكك ويتجرد منها الأفراد إن طال الزمن الكوروني ،فكم من أب اختفى دوره من الحياة مع بقائه بين الأحياء يُرزق , وذلك لدوره الصفري في التأثير الأسري ،بل يتظاهر خجلاً بين أبنائه كواحد منهم ينتظر من يقوم بدوره في التربية عنه !
لقد اختفت فقاعات الهالة المضروبة على الدور الأسري وتلاشت الأصوات التي لطالما نادت بتفعيل دور الأب والأسرة في المجتمع حتى فضحتنا شهري كورونا بسؤالين أين أبناؤنا اليوم ؟ وأين آباؤهم منهم؟؟ مَنْ يبحث عن مَنْ ؟؟ من كان يصرخ بالأمس فقد يولول اليوم لضياع المسئولية وفشو السلبية , وها هي زاوية الانحسار تضيق بالدور المرجو في ظل نظريات وآليات كورونا المؤتمتة وشظايا التربية المتطايرة في جنبات المجتمع .. إلى أين نتجه ؟ أين نسير ؟ وإلى أين المصير ؟؟ إنها نتائج فراغ إجباري قد ملأت مستودع نفاياتنا !! في ظرف شهرين فقط فكيف إن طال زمن اللامسوؤلية ربما سنسمع بطرقات معاول الهدم تطال مداميك قواعد البناء التي أعاننا عليه آخرون ...
إنه ومن خلال القراءة لتموجات الأحداث علينا أن نجتر نسخة إسعافيه عاجلة من الرعيل الأول نستلهم منها الطبيعة الجادة من حياة السادة العظام وأثر الدور الفردي على فاعلية الفرد لتبني عمل الجماعة، كل ذلك حتى نتماثل للشفاء من صيحات التربية التي تتعالى اليوم ( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) وأن نصنع وَعْينا بأنفسنا، ونمتلك رؤية لتفعيل وتطوير مسئولية الفرد في مجتمعه، وأن ندرك أن الأب اليوم يمثل الجامعة الافتراضية فعليه أن يكون على قدر هذا المقام في إعادة تدوير المفاهيم في ظل تعثر وركود التعليم , ويؤسس لتعاملٍ رشيد مع آليات الغُربة وتجاوزها إلى بَرّ الأمان بأمان ( فطوبى للغرباء ..).