مستخدما قطعا من "الخُردة" الحديدية والبلاستيكية، ومستغلا فترة الحجر الصحي بسبب كورونا، نجح شاب فلسطيني من قطاع غزة في صناعة درّاجة مائية.
وعلى شاطئ البحر شمالي القطاع، بدأ محمد الرضيع (24 عاما)، بتجهيز درّاجته لإجراء التجربة "الرابعة" عليها، والتأكد من سيرها في المياه دون مشاكل.
وبمساندة صديقه، بدأ "الرضيع" بإزاحة الدرّاجة نحو المياه، لتنزلق سريعا فيقفز جالسا على المقعد، ويبدأ رحلته، التي وصفها لوكالة الأناضول بـ"الشيقّة"، في عرض البحر؛ الذي كان يخاف من السباحة فيه.
هذه الدرّاجة المكوّنة من أنابيب مياه مُستخدمة وقطع حديدية من "الخردة" (نفايات الحديد والبلاستيك)، وبرميلي مياه بلاستيكييْن، استغرق تصنيعها أكثر من أسبوع، بتكلفة لا تزيد عن 100 دولار أمريكي.
** دافع التحدّي
لمعت فكرة صناعة هذا النوع من الدرّاجات لدى "الرضيع" بعد أن راهن أحد أقربائه من الذين يجيدون السباحة والغوص داخل البحر، على صناعة آلة سريعة تساعده في الوصول لمسافة أبعد من تلك التي يصل إليها سباحةً.
"الرضيع" الذي يخشى السباحة منذ طفولته، حاول مليا التفكير في طريقة تشكيل وتركيب مجسمه، لمدة استغرقت نحو شهر.
واستغل فترة الإغلاق، التي فرضتها السلطات المحلية بغزة لمكافحة جائحة "كورونا"، في البدء بتصنيعها داخل ورشته، في بلدة بيت لاهيا (شمال).
وقال "الرضيع": "الورشة كانت مغلقة وتم تعليق العمل داخلها بسبب حالة حظر التجوال الشامل. أردت استغلال الوقت والعمل داخلها على تصنيع الدراجة".
وفي 24 أغسطس/ آب الماضي، فرضت الجهات الحكومية المختصّة بغزة حظرا شاملا للتجوال، بعد اكتشاف أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا داخل المجتمع، فيما خففته تدريجيا منذ نحو أسبوعين، ضمن إجراءات الوقاية والسلامة.
** "الخردة" وإعادة التدوير
لم يرغب "الرضيع" في صناعة درّاجة مائية مُكلفة ماديا، في ظل توقف عمله وانعدام مصدر رزقه، فقال إن "الأوضاع الاقتصادية متردية بسبب استمرار الحصار (الإسرائيلي) للعام الـ14، وتداعيات الانقسام الفلسطيني، وجائحة كورونا".
وحاول، كما يروي، صناعة الدرّاجة مستخدما قطعا حديدية وبلاستيكية من الخردة، إلى جانب إعادة تدوير قطع أخرى لجعلها صالحة للاستخدام مجددا.
وقال "الرضيع": "هذه الأدوات والقطع تنوّعت ما بين الأنابيب البلاستيكية، والقطع الحديدية التالفة، ومقود ومحرك يعودان لدراجة هوائية تالفة".
وتابع: "هذه الدرّاجة مرّت بأربع تجارب، حتّى حققت هذا النجاح، في الدخول إلى عرض البحر، دون أن تواجهها مشاكل فنية".
وخلال التجارب السابقة، أدخل "الرضيع" بعض التعديلات وقطع الغيار المختلفة على الدرّاجة، حتّى تطفو وتسير على المياه بسهولة.
وأوضح أن صناعة درّاجة مائية بأدوات جديدة غير مستخدمة قد تصل تكلفتها إلى حوالي ألف دولار، بينما تَوافر المواد المستعملة قلّصها إلى أقل من 100 دولار.
ويعاني قطاع غزة، الذي يقطن فيه أكثر من 2 مليون فلسطيني، من أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية للغاية، جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 2007، فيما تسببت جائحة كورونا بمفاقمتها.
كما يعاني نصف السكان من الفقر، فيما يتلقى 4 أشخاص من بين كل 5 مساعدات مالية، بحسب إحصاء للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية مقرها جنيف)، أصدره نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.
ومع بداية 2020، ارتفع مؤشرا الفقر إلى 52 بالمائة، والبطالة إلى 50 بالمائة، فيما يشير اقتصاديون إلى زيادة هذه النسب بفعل تداعيات الجائحة، دون تحديدها.
**رضا وترفيه
وعبّر "الرضيع" عن شعوره بـ"السعادة الغامرة، بعدما كسب الرهان الذي أطلقه مع قريبه ونجح في الدخول إلى البحر، متحديا مخاوفه في السباحة".
وتابع: "نجاحي في صناعتها فيه تحدٍّ لمخاوفي وربما كسرت هذا الحاجز (الخوف) الذي لازمني منذ الطفولة من دخول البحر".
كما أنها في ذات الوقت، تعتبر وسيلة للترفيه، إذ قال الرضيع إنه يشارك الآخرين في متعة تجربتها والدخول إلى البحر بانسيابية وسهولة.
وأشار إلى أن وجود هذه الدرّاجة على الشاطئ لاقى إعجاب عدد من الزائرين الذين لم يترددوا في تجربتها، وخوض الرحلة البحرية الشيّقة.
ولفت "الرضيع" إلى أنه ساعد 3 أشخاص كانوا قد علقوا في البحر، من خلال التمسّك بجسم الدرّاجة التي نجحت في سحبهم إلى الشاطئ بأمان.