يتوقف القلم مرتبكا عندما يريد أن يكتب عن شخصيات بحجم
الشهيد عبد الغني شعلان قائد القوات الخاصة بمأرب، ورفاقه.
هذه الشخصيات تمثل روح اليمني الحر بكل نقاء وصفاء وشموخ،
شخصيات تشارك في صناعة المعجزات و تمر مسرعة كالبرق
اللامع الذي يرسل معه بشارات أكيدة بالنصر.
ففي كل مرة يتسلل شيئ من الملل إلى النفوس، نجد أمثال هؤلاء
الحداة يلمعون كبرق يخطف الأبصار صعودا إلى السماء لتنهمر
سحبا هاطلة وغيثا كريما محملا بالأمل و بالخير كله مصحوبا
بأهازيج المجد والوعد يرددها العمال والطلاب و الرعاة
والمزارعون والقوافل في السهول والجبال مستبشرين بخير قادم
وواثقين بانقشاع السحابة السوداء الى مغارة الفناء.
لم يكن عبدالغني شعلان هذا الشاب المشتعل نورا ونقاء وقوة ،
القائد الأول بهذه الصفات، ولن يكون الأخير، فالتربة التي تنبت
نخلة كريمة تنبت ألف نخلة بذات الصفات و الشموخ والعطاء،
إنها أصالة الإنسان وطبيعة الأرض الولادة بكل هذه القامات،
التي تبهرنا، وربما نفاجأ بها عندما تغيب عنا قوانين الكفاح في
مسار الشعوب ، أو نجهل سنن الله في دورات الصعود والهبوط
للأمم.
لقد ذهب البطل عبد الرب الشدادي وغطى رحيله الأفق، وقبل أن
تطير سحابة روحه الى ما وراء الغمامة كانت بذور جديدة تنمو
وقادة عظام يحضرون في الميدان مستلهمين روح البطل يقودون
الكتائب والجموع ويحافظون على الظل والضوء .. والراية
والنشيد...
إنها قصة كفاح وطن عندما يسقى بالدم ويمهر بالإرادة
والتضحيات.
غاب الشدادي فرأيناه متجسدا في عبد الغني شعلان وقادة
وجنودا مبهرون في مواقع الكرامة وميدان البناء، لا نعرفهم
لكنهم يعرفون انفسهم والله يعلم بهم.
وسنرى عبد الغني شعلان مشتعلا في رفاق له وتلاميذ نهلوا من
نفس المنهل وشربوا من عين الحرية، وسنرى الكثير الكثير من
نماذج الشدادي وشعلان والصلوي وحمزة شداد ورفاقهم، بين
القادة و الجنود. ينبتون كل يوم وفي كل موقع..
إنه عصر البطولات، و توالد الأبطال ، وما أكثر هذه النماذج التي
نراها في استعصاء الجيش عن المؤامرات الكونية، وفي ملاحمه
التاريخية التي لاتروى إلا في عالم الأساطير،
إنهم سر الصمود ومذاق الكرامة.
ومن يلمع منهم أمامنا يلمع بقدر مكتوب ، كي يعطي الناس دليلا
للطريق، ونموذجا يقتدى به لتتجدد الأنوار والقوة والمجد على
هيئة شباب ورجال يتفنون في صناعة الإعجاز خارج الممكن
والمألوف.
إن ضخامة المعركة، وتراكم الأطماع وكثافة التحديات، تحتاج
إلى قوة معجزة لتفتيتها وكسرها، ووحدها مدرسة الشهادة من
تصنع المعجزات والقدرة على القوة المعجزة التي تقاوم كل
الضغوط مهما تساندت وتداعت وتكسرها بعيدا عن نظرية القوة
المتكأفئة.
ففي مسار حرية الشعوب تصبح الروح هي القوة الخارقة.
ونماذج القادة الشهداء تحول كل القادة والمحاربين الى شهداء
أحياء، وبمعنى آخر إلى قوة خارقة تتجاوز قوانين كمية القوة،
لا تلتفت للأهوال ولا تهزها الأعاصير وتمضي واثقة هادية لصناعة
المستحيل.
من يبقى خارج معاني التضحيات الوطنية ومدرسة الشهادة
وبعيدا عن قوة الروح، لا يدرك كيف يمكن القول بأن استشهاد
هؤلاء المبهرون بمثابة فتح مبين، وقوة مضاعفة، وبشرى تبشر
بمرحلة جديدة، وروحا رافعة أكثر قوة وأمتن صلابة.
استشهد شعلان في عملية فدائية نادرة في تاريخ الحروب ،
محدثين القوة الخارقة.
جاء شعلان من محافظة حجة، وبجانبه
: القائد نوفل عاطف الحوري عمليات اللواء من اب
: والقائد امجد الصلوي من تعز
وحوله أبطال من مأرب وشبوة.. ومختلف المحافظات ، هذه
ليست أسماء عابرة، بل أرواح معبرة عن وطنية المعركة، وعن
تاريخ اليمن بكل أصالته وقوته وحنينه.
هم بذار لسنابل الغد ومستقبل الوطن، نجد فيهم صورة العلم
الجمهوري، وفداء النشيد الوطني وتضاريس اليمن وألوانها الزاهية
كقوس قزح.
وبهذه الروح ، وهذا التنوع المذاب في عشق الوطن والجمهورية
نرى فيهم وبوضوح جسارة علي عبد المغني ومغامرته وثورية
غالب لبوزة ووحدويته وبيان البيحاني وعلمه وفلسفة النعمان
وخطبه، وروح الزبيري وشعره، وحكمة الموشكي وأدبه،
وشكيمة القردعي وهمهماته القاطعة؛ ليؤكدون للعالم و للحاضر و
المستقبل أن مأرب لم تعد مساحة جغرافية، بل وطن اسمه
الجمهورية اليمنية، وعنوان جامع لكرامة الإنسان وتاريخ أمة،
ومستقبل أجيال و إرادة شعب يقرن وجوده بانتزاع حريته
واسترداد وطنه.
إضافة تعليق