تتار بغداد .. التاريخ يعيد نفسه .

لم تستوعب عقولنا ما نقلته بعض كتب التاريخ من أن الجندي التتري إذا مر على بعض المسلمين في بغداد ولم يكن معه سلاح يطلب منهم أن ينتظروه في مكانهم حتى ياتي بسلاحه ليقتلهم ، فينتظرونه حتى يأتيهم . وفي بعض روايات أنه يطلب من كل واحد منهم أن يربط صاحبه حتى لايتحرك فيربطون بعضهم البعض . وفي رواية أخرى أنه يرسم حولهم خطاً مستديراً ويأمرهم أن لا يتعدوه حتى يعود هو إليهم.
أيام زمان لم يستوعب عقلي شيئاً من ذلك رغم أنني قد قرأته في كتب معتبره لعلماء معتبرين من أمثال الحافظ ابن كثير وغيره .
بل لم استطع أن أتخيل حدوث مشهد كهذا غاية في السلبية والجبن والتخاذل، وتفكك الصف وتسرب الوهن بين الناس إلى درجة أن شخص غريب واحد يتحكم في مصير جماعة لو اتحد رأيهم واجتمعت كلمتهم لأكلوه بأسنانهم وقطعوه ومزقوه أرباً . لكنه الوهن والضعف والخور والجبن وشتات الرأي وتفكك الصف وانتزاع الثقة فيما بين الجماعة. وكل واحد يظن أنه قد ينجو بنفسه لو أنه التزم الصمت وأظهر الألتزام والإحترام لهذا الجندي التتري. لقد فشى سوء الظن بين المجموعة حتى خشي كل واحد منهم أن لو حرض من حوله وشجعهم على التمرد أن يخذلوه ويتركوه وحيداً فينجوا هم ويهلك هو لوحده.
أما اليوم فلم يعد هذا المشهد خيالياً أو مستغرباً أبداً ، بل إنه قد أصبح واقعاً ملموساً ومعاشاً بيننا.
الفارق هو أن التاريخ هذه المرة سينقل الأحداث للأجيال القادمة صوت وصورة كما هي وسيرون وجوهنا وجوه الخيبة عياناً بياناً ، وليس مثل الأمس عبر روايات منقوله في بطون كتب تترك باب للطعن فيها والتشكيك في صحتها .
هذه المرة أنا وانت سنكون أبطال هذه الرواية الخائبة التي ستتناقلها الأجيال القادمة من باب الحسرة وأخذ العظة والعبرة . وقد يلعنوننا لاقدر الله.
نعم هذه الرواية أبطالها أنا وأنت فنحن من يمسك بعضنا بعضاً ليقدمه قرباناً لتتار العصر علَّ أحدنا أن ينجوا بنفسه منهم وينال الحظوة عندهم ، ولكن هيهاة النجاة والحظوة .
نعم أنا وأنت من تركنا تتار العصر رغم قلة عددهم وضعف قوتهم يستقوون علينا ويعبثون بمقدراتنا ونحن آلاف مؤلفة بل ملايين ملينة لانجيد غير النميمة على بعضنا والتحاسد والتباغض والتقاطع والتدابر فيما بيننا البين. لكننا مانلبث أن نتحول خرافاً وديعة وقلوباً ودودة وكلاباً تحرس تتري العصر ولو كان أحقر من أن يحرسه ويحميه كلب .
لكنه الذل والمهانة والخذلان في أجلى صورها .
نحن شعوب لاتستحق الحياة بل تستحق أضعاف ماحل بها وما سيحل بها إن هي بقيت هكذا تستجر الخذلان وتتنكب الطريق وتستعذب الذل والمهانة.
أنا وأنت من سمحنا لتتري العصر أن ينام في راحة بال بينما نحن لا نجد للنوم طعم ولا للراحة مجال.
أنا وأنت السبب لأننا قاعدون ومنتظرون تتري العصر حتى يفرغ من سفالته وحقارته وعثراته وتعثراته وفشله واخفاقاته بل وننتظره حتى يرتاح وينام ثم يستيقظ من نومه ليجدنا واقفون مكاننا منتظرون منه أن يركبنا ويستبيح ظهورنا ويمتطيها من جديد.
والشعب لو كان حياً ماستخف به
فرد ولا عاث فيه الظالم النهم

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص