الحضارم والجنوب العربي مجدداً

لاشك أن لحضرموت والحضارم حضور كبير في تاريخ وحضارة جنوب الجزيرة العربية (اليمن)، ومذ قامت دولة سبأ ويمنات - ساحل حضرموت كما يقول المؤرخ الحضرمي الكبير محمد عبدالقادر بامطرف - فإن حضرموت كانت تشكل أحد أضلاع الحضارة اليمنية القديمة والمعاصرة. بل كانت دولة حضرموت أبرز الدول اليمنية في تلك الفترة.
وفي عصر امتداد وتوسع الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية كانت أحد مخاليف اليمن وولاياتها. كتقسيم إداري إقليمي. حتى أن الثائر الحضرمي "عبدالله طالب الحق الكندي" جعل من حضرموت قاعدة لثورته ضد ما رأى فيه طغيان وعسف بني امية. ولم ينكفئ على إصلاح حضرموت أو يحاول إقامة إمارة إقليمية مستقلة بها. بل انطلق في ثورته نحو صنعاء قصبة الولاية الأموية في اليمن يعبئ ويحشد كل اليمنيين باتجاه إصلاح نظام الحكم في دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية. ولولا انكسار جيشه على أسوار المدينة المنورة سنة ١٣١هجرية، لكان قد تغير وجه العالم الإسلامي وربما سقط نظام الملك العضوض للأبد.
أردنا من هذه المقدمة معرفة دور حضرموت الريادي في الإصلاح والإدارة. كما هو دورها في الاقتصاد والتجارة لاحقاً. فالحضارم أكثر الناس أممية وانحيازاً للمبادئ والقيم الإنسانية الجامعة. وابعدهم عن لوثة الشوفينية والشعوبية الضيقة. وهذا مايفسر سرعة تقبل ثقافتهم وذوبانهم في مجتمعات الهجرة التي حلوا فيها على مستوى اليمن والإقليم أو في مهاجرهم البعيدة بالشرق الأقصى وشرق أفريقيا.
وحتى حينما أقاموا دويلاتهم في حضرموت كانوا في سعي حثيث للاتحاد مع جوارهم اليمني متمسكين باواصر القربى وروابط النسب والتناسب الاجتماعي. وفي سلسلة مقالات (حضرموت البعد الثالث) حاولنا تسليط الضوء على ما تمثله حضرموت وثقافتها من بعد توحيدي وحضور سياسي في صياغة حاضر اليمن ومستقبله.
نعود من المقدمة لقراءة المشهد في ظل طرح مشروع (الجنوب العربي) على الحضارم مرة أخرى بعد رفضهم له قبل سبعين عاما ويزيد. وماهي المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تبرر طرح المشروع في حضرموت - بالذات- كرة أخرى.
عندما طرح المشروع لأول مرة في العام ١٩٥٩م على الحكومات المحلية في محمية عدن الشرقية - القعيطي والكثيري والمهري والواحدي - كانت (عدن) درة التاج البريطاني وميناؤها وجهة اقتصادية عالمية وخلقت بقوانينها واحة استثمار وتجارة دولية. وهذا جعلها قبلة رجال الأعمال الحضارم الطامحين لبناء امبراطوريات مالية - اقاموها خارج عدن فيما بعد نظراً لإجراءات التأميم التي ليس هنا مجال شرحها - كما كانت عدن واحة النشاط الثقافي والصحفي ومنبر السياسة وملتقى رجال الحركة الوطنية اليمنية التي كان يستحوذ الحضارم على جل مناصب الصف الأول فيها - الجفري والصافي و الحبشي وبن يحيى والغرابي وباسندوه وباشراحيل وباسنيد والثنائي باوزير والثلاثي باذيب وغيرهم.
كما كانت بريطانيا العظمى هي صاحبة المشروع وضامنة استمراره - كما هو الحال مع مشاريع مجاورة كتب لها الاستمرار والحياه في فلكها - في ظل كل هذه الميزات التفضيلية. وبالمقابل غياب اي مشروع سياسي منافس حينها. رفضت سلطنات حضرموت هذا المشروع (رسمياً) ولفظته كل نخبها السياسية والثقافية (شعبياً) بحسبه كيان استعماري لا يخدم الشعب ولا يحقق تطلعاته في الاستقلال والوحدة. ولم تفلح كل محاولات التاج البريطاني لجذب الحضارم لهذا المشروع. الذي مات في مهده وأثبتت الأيام صوابية موقف الحضارم منه.
وعلى معرفة أو جهل بكل هذه الحيثيات السياسية والاقتصادية والوقائع التاريخية. وفي ظل الحالة الماثلة لمدينة عدن. وتغيير جيوسياسي كبير في المنطقة والإقليم يتم اليوم طرح نسخة مشوهة لمشروع قديم لم تكتب له الحياه في ظروف أكثر ملاءمة لنجاحه من ظروف عودته اليوم.
فعدن لم تعد ثاني موانئ العالم اقتصادياً. ولا واحة استثمار في ظل السطو المسلح على المصالح والأملاك - تجار شبوه وحضرموت أكثر المتضررين - والأهم أنها - عدن- فقدت ميزتها (كمدينة تعايش وسلام اجتماعي وتعددية سياسية وثقافية). وسياسياً يوجد - أمام الحضارم - مشروع خارطة طريق لدولة يمنية اتحادية يحظى بقبول محلي ودعم إقليمي ودولي. وفي ظل عملية تجريف لهوية البلد ونظامه الجمهوري وتهديد مستقبل المنطقة والأمن والسلم الدوليين من قبل منظمة عنصرية سلالية بأجندات خارجية. هذا كله يجعل من أي نزوات تفتيتية لزخم مقاومة المشروع الحوثي السلالي. مجازفة وتهور غير محسوب النتائج. والحضرمي المسكون بهاجس التاجر الحاذق. يحسب تبعات كل خطوة يقدم عليها بقدر ما تقدمه من/ أو تأخره عن عصر الاستقرار والتنمية والبناء.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص